أنا سيدة فى الخامسة والثلاثين من عمرى، اعمل فى مركز مرموق، وعلى درجة عالية من التعليم، بدأت حكايتى عندما تقدم لى شاب طالبا يدى، وقال والدموع تتساقط من عينيه إنه تزوج من فتاة تصور أنه سيحيا معها حياة هادئة ومستقرة، فإذا بها تذيقه كل ألوان الجحيم، ولم يجد مفرا من تطليقها، فأخذت الطفلين، واستولت على الشقة، وسعت الى إذلاله لكنه تحمل غدرها، ولم يدخر جهدا لإسعاد ابنيه التوأم برغم أحواله المادية الصعبة، فتأثرت بكلماته ورق له قلبى، وتصورت أنه مرهف الحس، خصوصا عندما لاحظت اهتمامه بأداء الصلوات فى المسجد، فأبديت موافقتى على الارتباط به، ولم أتوقف عند المسائل المادية، وقبلت بتأجير شقة صغيرة ومتواضعة لتكون بيتنا الجديد، وبهدية بسيطة بديلة للشبكة التى لم يستطع شراءها حسب قوله، ولم يقدم لى مهرا مثل كل البنات ورضيت بمساهمته القليلة فى شراء الأثاث، وبعض ما استطاع الحصول عليه من مطلقته حسب زعمه، وبرغم ذلك حاول أن يسجل فى قسيمة الزواج أنه قدم لى مهرا فرفضت لكنى لم أتنبه إلى ما كان يضمره لى فيما بعد، ولا أدرى ما الذى دفعنى إلى الموافقة عليه دون أن أمنح نفسى الفرصة الكافية للسؤال عنه، وعن الأسباب الحقيقية لطلاق زوجته، وما هى إلا أيام بعد انتقالى الى عش الزوجية حتى تكشفت لى جوانب عديدة مما أخفاه عنى، ومنها أن مطلقته هى التى خلعته بعد شهرين من الزواج، وان الأثاث الذى يتحدث عنه لا يخصه، وإنما استولى عليه منها، وأنه يرتبط بأمه ارتباطا مرضيا، إذ تدفعه إلى قضاء معظم الأيام معها، والمبيت عندها، ويتركنى وحدى، وإذا اصطحبنى معه يبيت إلى جوارها على السرير نفسه، بينما أنا فى حجرة أخرى.. حدث هذا ولم يكن قد مضى على زواجنا سوى أسبوعين، وهنا تأكدت من ارتباطه المرضى بأمه، وأنه كان يريد كتابة مهر فى عقد الزواج لكى يسترده إذا خلعته، وادعى الفقر برغم أنه ميسور الحال لتبرير بخله الشديد الذى اتضح بصورة فجة بعد رحيل أبيه، حيث ورث عنه مبلغا كبيرا من المال فاشترى لنفسه سيارة فارهة وأمه لديها سيارة مماثلة، بينما لم يشتر لى شيئا، وهنا فكرت فى الانفصال عنه، ثم تراجعت بعد أن أصبحت حاملا، وللأسف تمادى فى إهمالى، ولم يعبأ بما تعرضت له من آلام ومتاعب صحية لدرجة أنه رفض الذهاب معى إلى الطبيب، وعندما انخرطت فى بكاء مرير ذهب إلى أمه، فاتصلت بها شاكية مما فعله بى فأغلقت الهاتف فى وجهى! ومرت الأيام ووضعت طفلتى، وطلبت منه شراء ملابس لها، فنظر إلىّ باستغراب ثم اتصل بأمه قائلا لها أمامى «مراتى عايزة منى فلوس علشان البنت..خلصينى يا ماما»، ولم أصدق أن رجلا مسئولا عن أسرة وزوجة وطفلة صغيرة يفعل ذلك ولم أتخيل يوما اننى سأتزوج طفلا كبيرا مدللا لهذه الدرجة، ولا أدرى كيف سمحت هذه السيدة لنفسها باللعب ببنات الناس، وتعتبرهن حقل تجارب لإبنها فتزوجه من تشاء، وتطلقه ممن تشاء، وتدمر أحلامهن فى الاستقرار وتسقيهن كئوس المرارة بالطلاق بلا ذنب ولا جريرة، ومع تماديه فى الأنانية المفرطة والقسوة التى لا حدود لها من عنف وضرب وإهانة ذهبت الى طبيبة نفسية، وشرحت لها حالته، فقالت: ان تصرفاته ناتجة عن اضطراب فى شخصيته وسيطرة أمه عليه، والغريب أنها استاذة وطبيبة بإحدى الجامعات الخاصة، ولكن عملها ووضعها الاجتماعى لم يمنعاها من أن تسلك هذا السلوك الغريب مع زوجة ابنها، وكأنها تريد تطليق كل من ترتبط به لكى تصبح مطلقة مثلها، وهذه حقيقة جديدة أخفاها عنى! وقد مرضت ابنتى فى ذروة أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، وكان يبيت وقتها عند والدته كعادته، ورجوته المجىء لعرضها على الطبيب، فإذا به يقول لى ببرود شديد «اذهبى بها إلى مستشفى الطوارئ» وسوف أتصل بك فى الصباح الباكر للاطمئنان عليها، فحملت الطفلة والدموع تنساب من عينى ورآنى أقاربه وحدى على هذه الحال فكان تعليقهم بأن هذا التصرف ليس جديدا عليه، فلقد سبق أن ترك زوجته الأولى، وهى تعانى آلام الإجهاض المبرحة، قبل أن يطلقها وهى حامل! وتبين أن ابنتى تعانى صعوبة فى الكلام، فاتخذت والدته هذا السبب ذريعة للانسحاب من حياتى، ولا أدرى ما ذنبى فى أمر قدره الله، وليتهما اقتصرا على ذلك، فلقد تماديا فى إيذائى، والاستيلاء على أشيائى، ورفضا إعطائى مستحقاتى التى كنت فى أشد الحاجة إليها لعلاج ابنتى، وحتى كارنيه العلاج التأمينى الحاصل عليه من عمله لم يعطه لى، ولجأت إلى وسطاء من الأقارب والمعارف للحصول على جزء من مستحقاتى ولو على مؤخر الصداق، فإذا بمطلقى وأمه يلفقان لى تهمة «قذف وسب»، وكادا أن يتسببا فى إيذائى لولا رحمة ربى، فحصلت على البراءة، ولأنه سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد، فلقد أراد أن تتجرع والدته نفس كأس المرارة الذى أعدته لى، فتم الاستغناء عنها فى عملها، وفقدت راتبها الذى يقارب ثلاثين ألف جنيه شهرياً. ولم تمنعه هذه الاشارات الإلهية لمثوى الظالمين من الاستمرار فى غيه، فحاول تلفيق قضية أخرى ضدى لكى يستولى على ابنتى، ولا يدفع المبلغ الزهيد الذى تحصل عليه منه عن طريق المحكمة، وفوق كل ذلك أصبحت فريسة لمن حولى بدءاً من بواب العمارة الذى يسرقنى بالمغالاة فى كل مايشتريه لى، إلى المحامى الذى يستنزفنى ماديا، ويخلى مسئوليته عن أى فشل فى مهمته.. أيضا رغبت فى تعلم قيادة السيارات، ولم أجد مدرسة لتعليم القيادة توافق على اصطحاب إبنتى معى، ولذلك لجأت الى سائق تاكسى، وبعد حصتين وجدته طامعا فىّ شخصياً، فانسحبت مستعوضة ربى فيما حصل عليه من نقود!، وحتى المنجد سرقنى عندما لجأت إليه لإصلاح ماتلف من أثاثى فى تنقلاتى بين شقق الإيجار الجديد، وأيضا المدرسة التى أردت أن ألحق ابنتى بها قاسيت الأمرين لكى تقبلها دون حضور أبيها الذى أغلق هاتفه، ولم يفكر ولو فى تلبية طلب ابنته بأن تراه.. هل تتصور ياسيدى أنه عندما اتصلت به وقالت له «عايزة أشوفك يابابا» رد عليها «لما تحبى تشوفينى خلّى ماما تكلم المحامى»! هل يعقل أن يصل الأمر بأى أب إلى هذا الحد فى معاملته لطفلته التى لم يتعد عمرها خمس سنوات؟! وماحدث معى تكرر مع أختى لسوء اختيارها هى الأخرى بمن ارتبطت به، أو قل لأنها كانت مطمعا له، فهى طيبة وحسنة النية، ولم تتوقع أن تقع فى الزواج من شخص لا أجد من الكلمات مايصفه، ويكفى أن أقول لك إنها عندما اكتشفت بخله وعنفه وشذوذه طالبته بأن يطلقها بإحسان، وكل ما أرادته منه مسكنا لإبنتهما الرضيعة، فادعى موافقته على طلبها، وانتهز فرصة زيارتها لى، واستولى على جميع ماتملك، واستبدل بابا مصفحا بباب الشقة العادى، ورفض أن يعطيها شيئا، وحتى ملابسها التى اشترتها من الخارج عندما كانت تعمل فى إحدى الدول العربية حرمها منها!.. وتخيل حالة سيدة لم تكمل الثلاثين من عمرها ولا تعمل وبلا أم ولا أب ولديها طفلة وليس لها مأوى، وكل ذنبها أنها ترغب فى بناء أسرة صغيرة، وأن تحمل لقب أم، فالإحساس بالوحدة قاس، وهو نفس الشعور الذى لازمنى بعد وفاة والدتى وكان سببا فى زيجتى الفاشلة، ولقيت أختى المصير نفسه. وهكذا تجمعنا أنا وأختى ومعنا الطفلتان، وتحملنا فوق طاقتنا بلا معين، ولا أعرف من أين أتى مطلقها ومطلقى بهذه القسوة، ولا كيف استحلا أموالنا وأعراضنا.. لقد فتشنا عن حلول كثيرة، فلم نجد ملجأ إلا الله، واستعنا بالصبر والصلاة وقلنا لنفسينا «لنتاجر مع الله، ودعوناه أن يؤتينا من فضله، فإذا بالأمور تنقلب تماما، وانفرج كربنا إلى حد كبير، فزاد فرارنا إلى القرآن الكريم، وسألناه عز وجل أن يرزقنا قلبين سليمين، لا يتأثران بالآلام مهما تبلغ قسوتها، فاستجاب لدعائنا وقوانا بسند من عنده، وهانحن نشعر بالسعادة ونحن نستمع الى الدروس الدينية التى تعيننا على استكمال حياتنا والتقدم إلى الأمام، وتكفينا الابتسامة التى ترتسم على شفاه ابنتينا. وهاهى الأزمة توشك أن تنفرج تماما، وأجدنى قد استعدت صحتى، وعاودت هوايتى المفضلة كفنانة تشكيلية، واستأنفت مشروعى الذى طالما حلمت به، فلقد كان مطلقى يكسر لوحاتى. ويمنعنى من إشباع هوايتى، والسعى لإقامة معرض كبير لأعمالى ! وأقول لكل مكروب «كن على ثقة شديدة بالله، فلا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع، وقل «اللهم دبر لى أمرى، فإنى لا أحسن التدبير» وإذا شعرت بأنك لا تقوى على تحمل الابتلاءات قل «اللهم إنى أعوذ بك من جهد البلاء»، فما جعلنى اصطبر على حالى، وإحساسى الشديد بالظلم والقهر قول الله تعالى فى سورة الأنبياء «اقترب للناس حسابهم، وهم فى غفلة معرضون» فأقول لنفسى «هانت» فالحساب قريب، وحقوقى محفوظة عند رب العباد. والآن استحضرت ذاكرتى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعظم الدعاء إجابة، دعاء غائب لغائب»، فأوصيك وقراءك بالدعاء لى ولأختى ولكل من يتعرض للقهر، فالإحساس بالظلم كالنار المتقدة لا يوصف، ومن هنا جاء وعد الله للمظلوم بإجابة دعائه.. وجزاكم الله خيرا.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول: آن للعيون الساهرة أن يلقى عليها الله نعاسا أمنة منه، وحان الوقت للنفوس المضطربة أن تجد الهدوء والسكينة، فلقد واجهت أنت وأختك ظروفا مأساوية متشابهة بفشل زيجتيكما اللتين أثمرتا طفلتين جميلتين، وتغلبتما على المصاعب الجمة والأمواج العاتية بصبر وإيمان حتى أوشكت الأزمة على الانفراج، فلا تقلقا بعد هذه الرحلة الناجحة فى الكفاح، وناما قريرتى العينين، فالعيش فى الماضى قتل للإرادة، وتبديد للحياة الحاضرة، ولابد من طى ما فات لأنه مضى، وانتهى، فلا تعيشا فى كابوسه، وتطلعا إلى الأمام بجلب السرور واستدعاء الانشراح، وسؤال الله المعيشة الطيبة. وإنى أتأمل تصاريف القدر فى ارتباطك أنت وأختك برجلين يتصفان بنفس الصفتين السلبيتين من الارتباط المرضى بالأم والبخل الشديد،، وفى هذا الصدد أقول: إنه من المجازفة ان تتغاضى الفتاة المقبلة على الزواج عنهما، فلابد أن تدرسهما جيدا بمساعدة أسرتها، فإذا كانت علاقة الشاب بأمه سليمة وصحية من الناحية النفسية، ويكون قد تعلم معاملة النساء باحترام وتقدير فهذا يبشر بزيجة ناجحة، وأما اذا لوحظ عليه الارتباط المرضى بأمه، فإنه يكون قد نشأ على التدليل، ولا يتحمل أى مسئولية، وسوف يلجأ إليها فى كل خطواته، وبالتالى تصبح علاقته الزوجية سلبية تماما. ويمكن خلال فترة الخطبة التعرف على مدى التصاق العريس بأمه ولذلك علامات كثيرة منها اتصاله الدائم بها لاستطلاع رأيها فى كل كبيرة وصغيرة. والعمل بما تشير عليه به دون نقاش، ومثل هذا الزوج يكون ضعيف الشخصية وغير واثق فى قدراته ولا يستطيع اتخاذ قراراته بنفسه. أما اكتشافك أن زوجك طفل كبير مدلل، فإن هذه الصفة موجودة فى كثيرين من الرجال، ولا تشكل حالة مرضية نتيجة الارتباط بالأم فى غالبية الأحوال، فبداخل كل رجل قلب طفل يحتاج إلى من يدلله والزوجة الذكية قادرة على القيام بأدوار متعددة فى حياة زوجها، فهى أحيانا أم ترعى طفولته الكامنة فيه، وأحيانا أنثى توقظ رجولته، وصديقة تشاركه همومه وأفكاره وطموحاته، وأحيانا ابنة تستثير مشاعر أبوته، فكلما تعددت وتغيرت أدوار المرأة فى مرونة وتجدد، فإنها تسعد زوجها كأى طفل يسأم لعبة بسرعة ويريد أخرى جديدة، ولكن اذا ثبتت الصورة وتقلصت أدوارها، فإن هذا نذير بتحول اهتمامه عنها الى ما هو جذاب ومثير، وما يقال عن الرجل ينطبق على المرأة فالعلاقة تبادلية، وليست قالبا جامدا فيقع عليها عبء كل شىء بينما هو غارق فيما هو فيه.. ويتمثل طريق الخلاص من ارتباط الرجل المرضى بأمه فى عدة مفاتيح أهمها الرحمة والحنان والكلمة الطيبة والدلال واللطف والزينة واللمسة الحانية والمزاح والمداعبة والدعاء، وكلها تصرفات بسيطة لها مفعول السحر فى جذب الزوج مع الأخذ فى الاعتبار أنه يحتاج إلى بعض الوقت لكى يتعود على الانفصال الصحى عن عائلته الكبيرة، ويحافظ على التوازن بين استقلاليته كرب عائلة مسئول وكابن بار بوالدته، وهذا يتحقق بالتدريج لكى لا يترك الانفصال الوجدانى المفاجئ جروحا لدى الطرفين سواء الأم أو الابن. أما على جانب البخل فإن البخيل يعد أشد الناس عناء وشقاء، اذ يكدح فى جمع المال والثراء، ولا يغدق منه على زوجته وأولاده، فيعيش فى الدنيا حياة الفقراء، ويحاسب فى الآخرة حساب الاغنياء، ويقول الحق تبارك وتعالى فى كتابه الكريم «ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة».. فليعلم مطلقك أن عدم رعايته ابنته التى تسعى الى رؤيته والائتناس به ستكون وبالا عليه، فما تغنى اموال الدنيا عنها، والعاقل هو الذى يدرك ذلك، واذكره بقول الحسن بن على بن أبى طالب «من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من اعطى من لا يرجوه». ونفقة مطلقك على ابنته حق أصيل عليه، فيجب ان يتقى الله فيها، وكذلك مطلق أختك، فهما مطالبان بمد جسور الصلة مع ابنتيهما حتى تنشآ متوازنتين نفسيا، ولا يتغلغل الكره داخلهما تجاههما وأؤكد عليهما ذلك بعد ان عميت بصيرتاهما عن هذه الحقيقة، وسوف يندمان يوم لا ينفع الندم. ولا أجد خيرا من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان يكثر منه وهو «اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وغلبة الدين، وقهر الرجال»، وأسأله عز وجل لك ولأختك الثبات والانتصار فى الحياة.