يقاس النمو الاقتصادى بنصيب الفرد فى الناتج الاجمالى والذى يتشكل من تراكم رأس المال المادى والبشرى والطبيعى، ويتأثر النمو بمحددات التكنولوجيا والسياسات والجغرافيا الاقتصادية والقيم الاجتماعية للسلوك والعمل كمصدر لرأس المال الاجتماعى. وعادة ما تعانى الدول ذات الفروق الشاسعة فى دخول مواطنيها من نمو بطيء بينما تؤدى المساواة الى نمو متسارع كما يولد النمو البطيء فى المقابل قدراً اكبر من عدم المساواة، فالسوق المحلية تظل ضيقة اذا تركز الثراء فى شريحة محدودة من المجتمع وذلك نظراً لضعف القوة الشرائية لغالبية المستهلكين التى ستقتصر جُل مشترياتهم على المستلزمات الضرورية للمعيشة مما يؤثر على هيكل الصناعة الوطنية فى مجملها بدفعها نحو التركيز على قطاعات لاتستخدم التكنولوجيا المتقدمة مقتصرة على تلبية الاحتياجات من سلع رخيصة متدنية القيمة المضافة لمعظم المواطنين، وكذلك نحو التصدير لمنتجات أو لمواد أولية أولحاصلات زراعية تعتمد على رخص العمالة وهو نوع من تصدير الفاقة وسباق نحو القاع فى منافسة مع دول أخرى لها نفس خصائص الفقر وعدم المساواة بينما تستورد من الدول الغنية سلعا ومعدات وادوات عالية التكنولوجيا والقيمة المضافة! ولقد اظهرت الدراسات ان الفروق بين الدول فى استخدام التكنولوجيا تؤدى الى فروق مهمة فى دخل الفرد كما أوضحت ان معظم التباين فى معدلات النمو بين الدول يعود الى النمو المقارن فى الانتاجية حيث ان النمو فى معامل الانتاجية الكلية يٌعّد المصدر الوحيد للنمو الاقتصادى طويل الاجل وهو مرتبط مباشرة بدرجة التغيّر التكنولوجى، فالتكنولوجيات الجديدة تقضى على القديمة وهذه هى عملية مستمرة وظاهرة رئيسية فى صلب النمو، حيث ان تطور ونشأة صناعات جديدة واحلال التقنيات الحديثة فى الصناعة محل التى تقادمت يؤدى الى مستويات أعلى من الانتاجية، وأزعم ان كثيرا من مشاكل قطاع الأعمال العام عندنا تعود لهذا السبب، وفى دراسة شملت 60 دولة وُجد ان ما يعوق تحديث هيكل الصناعة والتطور التقنى وبالتالى النمو المستدام يعود الى (1) الحفاظ على صناعات طفيلية تعيش على دعم الدولة والمجتمع لها وتتعارض مع مبدأ الكفاءة والانتاجية نتيجة تقادم تكنولوجيا عمليات الانتاج، (2) تأمين الوظائف المرتبطة بتقنيات مندثرة بدلاً من تأمين العاملين القائمين عليها باعادة تأهيلهم وتدريبهم على وظائف التقنية الحديثة وتقديم لهم الدعم الكامل اثناء فترات التحول، (3) تدنى مستوى المنافسة فى السوق نتيجة قصور التشريعات أو فساد أو ضعف مؤسسات الرقابة. ويعتمد النمو فى الانتاجية الكلية أيضاً على المؤسسات والقواعد التنظيمية التى تهئ المناخ للتقدم التقنى مثل السياسات الاقتصادية لتخصيص الموارد فى مسارات بعينها من خلال الضرائب والدعم والمنافسة ونظم التجارة الداخلية والخارجية والتمويل المصرفى، فالمؤسسات هى التى تحدد قواعد اللعب فى المجتمع ودورها مفصلى فى التنمية الاقتصادية ومعدلات النمو، ويرى خبراء التنمية ان دراسة مسببات الفقر فى الدول تتطلب فى المقام الأول معرفة أسباب عدم كفاءة أداء مؤسساتها ، فمؤسسة الثقافة والتعليم على سبيل المثال - قد تؤدى الى تدفق شباب فى سوق العمل غير مؤهل علمياً وعملياً وإلى ايجاد وظائف الاجور المتدنية فى قطاعات خدمية بعيداً عن الوظائف الفنية مما يعنى هبوطا للانتاجية الكلية للبلد، ويُعَّرف اقتصاد النمو المؤسسات بالمعنى الواسع أى الذى يشمل ايضاً توزيع النفوذ السياسى الظاهرى والضمنى والمقصود به فى اى جانب من المجتمع تميل السلطة، كما يشمل التعريف التكامل بين المؤسسات وبعضها وطبيعة المؤسسات الاقتصادية التى تضع حوافز اللاعبين الرئيسيين فى الاقتصاد والمؤثرة فى استثمار رأس المال المادى والبشرى وفى استخدامات التكنولوجيا وتنظيم الانتاج. وتلعب الجغرافيا الاقتصادية وشكل النمو العمرانى دوراً مؤثراً على كفاءة الانتاج والنمو، فمعظم الانشطة الاقتصادية تتم فى المدن وبالتالى فان جودة الحياة بها وسهولة التنقل واسعار السكن والتكامل الخدمى والصناعى كلها تمثل مزايا إنتاجية عند اختيار الأعمال لمواقع أنشطتها، ويدوم النمو فى المدن التى تتميز بطبقة وسطى عريضة بينما يتضاءل فى المدن العشوائية التى تحتضن الثراء الفاحش والفقر المدقع جنباً الى جنب! وهناك عامل اضافى مؤثر على التنمية فى دول العالم ألاّ وهو المرتبط بالتوقعات الكاذبة للنمو السريع عن طريق تحرير حركة التجارة الدولية حيث جاءت النتائج عكسية باتساع دائرة الفقر وعدم المساواة وارتفاع نسب البطالة خاصة بين الشباب فى دول العالم الغنية والفقيرة على السواء، ولم تتحقق أهداف الألفية التى وقعت عليها الدول عام 2000 فى الأممالمتحدة مستهدفة تخفيض نسبة الفقر الى النصف بحلول 2015، ولعل شواهد الاحتجاجات فى كل انحاء العالم المناهضة للعولمة الاقتصادية وللرأسمالية غير المقيدة خير دليل على ذلك. لمزيد من مقالات شريف دلاور