أحسن الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف صنعا باتخاذه قرارا جريئا فى العاشر من الشهر الحالي، بضم جميع المساجد والزوايا فى عموم القطر إلى وزارة الأوقاف، من أجل ضبط الخطاب الدينى المنفلت، ومواجهة المد التكفيرى الذى توغل واستشرى فى بقاع كثيرة من الجمهورية، ويمثل تهديدا سافرا لحاضر ومستقبل البلاد والعباد. ورغم استحقاق جمعة المديح والثناء بوضع يده داخل عش الدبابير، فإنه مدعو لبيان مدى قدرة وكفاءة وزارته على تطبيق القرار، فالسيطرة على المنابر ليست عملية سهلة ولن تتم بين يوم وليلة فى ظل معاناة الأوقاف من عجز رهيب فى أعداد الكوادر القادرين على الوعظ، فالمساجد التابعة للأوقاف 120 ألف مسجد بينما الخارجة عن ولايتها عددها بالآلاف، فكيف سيتأتى إخضاعها، خاصة وأنه يوجد الكثير من العاملين فى مديريات الأوقاف متأثرين بأفكار ومواقف التيار السلفى والجهادى بل والتكفيرى مما سيجعل قبضتهم متراخية، وكلنا يعلم علم اليقين أنه بمقدور موظف صغير فى قرية أو نجع تعطيل القرارات الحكومية، فألاعيب وحيل البيروقراطية المصرية أكثر من أن تحصى وتعد. ليس هذا مصدر قلقى وانزعاجى الوحيد بشأن محاولات ضبط الخطاب الديني، إذ يزيد عليه أن قرار جمعة فى جوهره وحقيقته ليس جديدا، لكنه تفعيل للقانون 157 لسنة 1960 بشأن تنظيم الأزهر، الذى نصت مادة فيه على ضم جميع المساجد الأهلية فى بر مصر إلى الأوقاف. إذن فالقضية قديمة، لكنها وكالعادة تضل طريقها للتنفيذ الفعلي، وتطفو على سطح الأحداث، كلما ضاقت بنا السبل، وتكاثرت الأزمات الضاغطة على مفاصل وأوتار المجتمع. فضلا عن ذلك فإن المعالجة يشوبها العديد من الأخطاء الجسيمة، فمع إقرارى بضرورة اتصاف الواقف على المنبر بالاعتدال والحرص على إيصال المعانى الراقية والسامية للدين الحنيف فإن هذا لن يحقق المرجو، لأننا نغفل المتلقى الجالس أمامه فى المسجد الذى لا يمرر ما يسمعه على عقله لتمحيصه قبل أخذه كحقيقة مسلم بها لا يتسرب إليها الشك والريبة. ولكى نصل لهذه المرحلة فلابد أن يتعلم الصغار منذ نعومة أظافرهم فضيلة الاختلاف والتسامح مع الآخر وعدم التمييز واعمال العقل، وذاك يلزمه بلوغ محطة الجودة التعليمية وهو ما نفتقده حتى الآن، فالى جانب أن الطالب بالمراحل التعليمية من الحضانة حتى الجامعة لا يحصل على قسط محترم يعتد به من العلم، ويصيب العطب ملكاته وقدراته الفكرية فإنه يكتفى بدور المتلقى السلبى الذى لا يشارك ولا يجادل ولا يسعى لمعرفة الحقائق من مصادرها ومنابعها الأصيلة وليس من شخص أو أشخاص جل حصيلتهم قراءة كتب اصفرت صفحاتها وبعضها كان مناسبا للفترة التى كتبت فيها. هذا العيب يشمل التعليم الأزهرى ويزيد عليه تسرب مئات من غلاة المؤمنين بأفكار جماعة الإخوان الإرهابية والجهاد والتكفير إلى داخل القلعة الأزهرية، وأن كنت تبحث عن دليل عملى فانظر إلى ما وقع فى جامعة الأزهر من تخريب وتدمير على يد الطلاب الإخوان الذين ظهروا كقوة تستطيع أن تسبب إزعاجا ودمارا هائلا إبان الأسابيع الماضية. أما الشق الأهم، إذا كنا نرغب حقا فى ضبط وتجديد الخطاب الديني، فيتصل بخروج قانون دور العبادة الموحد إلى النور، فوزير الأوقاف كانت عنده فرصة سانحة لاستكمال قراره بتقديم القانون، لقطع الطريق على المتلاعبين والمزايدين، وأيضا درءا للفتن الطائفية التى تطل برأسها من حين لآخر. والعجيب أننا لا نزال نؤمن بنظرية الحلول المؤقتة، فما أن تحدث فتنة طائفية تسارع الجموع الغفيرة من المسئولين والمواطنين إلى الحديث عن قانون دور العبادة الموحد، ثم سرعان ما يخفت الكلام عنه إلى أن يدخل دائرة النسيان فى انتظار حدوث كارثة أخرى لتكرار نفس الكلام بدون إضافات. المثير أن قانون العبادة الموحد محل دراسة، منذ أن كان حمدى زقزوق وزيرا للأوقاف، وربما من قبل، وظل حبيس الأدراج إلى أن وقع حادث كنيسة القديسين، ثم عاد للواجهة عقب ثورة 25 يناير بعد مهاجمة كنيسة فى إمبابة قيل حينها أن مسيحية اختطفت بعد إسلامها محتجزة فيها. إذن نحن لا نعالج جذور المشكلات اكتفاء بالمعالجة السطحية وعمليات التجميل المؤقتة، ولذلك تتفاقم وتستفحل، وليتنا نمتلك الشجاعة الكافية بوضع حلول تعالج الداء وليس تخفيف الآلام الناتجة عنه، ظنا بأن جسد الوطن المنهك سوف يتعود عليها. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي