أعلن أن السينما المصرية تعتزم عرض فيلم يتناول قصة سيدنا نوح عليه السلام،ولا مشكلة فى تناول قصص المرسلين عليهم السلام،ولا الصحابة الكرام فى الأعمال الفنية إذا اتصفت بالمصداقية والبعد عن الإسفاف وما لا يجوز فى حق الأنبياء عليهم السلام، والصحابة الكرام عليهم من الله الرضوان. ولكن المشكلة فى تجسيد الأنبياء والصحابة من قبل ممثلين وربما ممثلات، ترتبط أذهان الناس بأدوارهم فى أعمال أخرى أبعد ما تكون عن اللائق بمقام الأنبياء والصحابة الكرام، وفى بعض الأحيان يغلب اسم الشخصية التى لعبها ممثل واستطاع إقناع الناس بأدائه على اسمه الفنى الذى يحمله، فيطلقون عليه لقب العمدة،أو الناظر، وربما الخط، أو السفاح.... فماذا لو نجح ممثل فى إقناع الناس بدوره فى أداء شخصية نبى من الأنبياء؟ إن الأنبياء الكرام عليهم السلام فئة من خلقه اصطفاهم على سائر خلقه،ولا يمكن لبشر أن يماثلهم فى خلقهم ولا سلوكهم لا حقيقة ولا تمثيلا، وتأدية الممثل لدور يجسد فيه شخصية نبى لا يخلو من الكذب والافتراء لعجزه من خلال قدرته على الأداء أو قصور فى السيناريو والحوار، وربما المغالطات التاريخية، ولذا فقد تلقفت المجامع الفقيهة المعاصرة، والجهات المختصة ببيان الحلال والحرام، وعلى رأسها بطبيعة الحال الأزهر الشريف،هذه الأعمال الفنيّة بالبحث لبيان الحكم الشرعي، واستقرت هذه المؤسسات جميعا على تحريم تجسيد شخصيات الأنبياء عليهم السلام، والصحابة عليهم رضوان الله أجمعين. ومع ذلك تطالعنا دور السينما، وغيرها من النوافذ الفنية من آن إلى آخر بإنتاج وعرض أعمال يتم فيها تجسيد الأنبياء من قبل ممثلين ربما يكونون من غير المؤمنين أصلا بالله ولا بالمرسلين، ويعد هذا تعدّيا صارخا على الثوابت الدينية، وتجاوزا للمؤسسات الدينية فى اختصاص أصيل من اختصاصاتها، وتحديّا لمشاعر المؤمنين بالأنبياء والمرسلين،فمن المعلوم من الدين بالضرورة أن الله تعالى فضل الأنبياء والرسل على غيرهم من العالمين، كما قال تعالى فى محكم كتابه الكريم:(وَتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين) [الأنعام:83-86]. ففى قوله (وكلاً فضلنا على العالمين) تفضيل الأنبياء على سائر الخلق، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خير الأنبياء وأفضلهم، كما قال عن نفسه:«أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع» رواه مسلم. وهذا التفضيل الإلهى للأنبياء الكرام - وفى مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- يقتضى توقيرهم واحترامهم، فمن ألحق بهم أيّ نوع من أنواع الأذى فقد باء بالخيبة والخسران فى الدنيا والآخرة ، قال تعالى -فى حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:«إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا»[الأحزاب:57]. فجعل أذى الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى الله تعالي، وحكم على مؤذيه بالطرد والإبعاد عن رحمته، والعذاب المهين له. والكذب على الأنبياء فى هذه الأعمال الفنية والتى لا يخلو منه عمل من الأعمال لزوم الحبكة الدرامية، وتشويق المشاهدين، مؤذ حتما للأنبياء والصالحين، ومن الكذب الموجب لتبوؤ المقعد من النار لقوله صلى الله عليه وسلم «من تبوء على حديثا كذبا فليتبوأ مقعده من النار». ومن آخر هذه الأعمال ما أعلن عنه من اعتزام دور السينما المصريّة عرض فيلم يتناول قصة سيدنا نوح عليه السلام، وفيه تجسيد لشخصيته، وفور بلوغ الخبر مشيخة الأزهر الشريف، ذكّر الأزهر الشريف بالفتاوى الصادرة عنه بتحريم تجسيد شخصيات المرسلين، وصحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما يذكر الأزهر بالفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصريّة، ومجمع الفقه الإسلامي، وهيئة كبار العلماء السعوديّة، وغير ذلك من الجهات المختصية. يضاف إلى ذلك كله طبيعة الظروف الراهنة التى تمر بها مصرنا الحبيبة، والتى يُعد عرض عمل كهذا يحرمه الشرع مستفزا لمشاعر شباب المسلمين، ومدخلا لأعمال عنف هى آخر ما يحتمله الشارع المصرى ويرجوه، ومذكيا لنار الخلاف والفوضي، التى يسعى جميع المخلصين والشرفاء من أبناء الوطن إلى القضاء عليها،واعتبارها صفحة سوداء تطوى أو تستأصل من صفحات تاريخ مصر الناصع. ولذا فإننى أطالب وزراء الثقافة، والإعلام، والداخلية، بالتدخل الفورى لمنع عرض الفيلم المزعوم.