خرج علينا في هذه الأيام من ينكرون سُنة النبي، صلى الله عليه وسلم، ودعت بعض الفرق والمذاهب المتشددة المخالفة لأهل السنة والجماعة، إلى الأخذ بالأحاديث النبوية الشريفة المروية عن بعض الصحابة دون غيرهم، وظهرت فتاوى ومواقع وصفحات تواصل اجتماعي تطالب على شبكة الإنترنت بإهمال السنة وإعمال القرآن الكريم فقط. بل إنهم تطاولوا على بعض رواة الأحاديث وشككوا فيهم، وجاءوا بروايات متعددة سبق أن أنكرها المفسرون والعلماء. علماء الأزهر يؤكدون أن معجزة السنة كإعجاز القرآن الكريم، وأن السُنة هي الأصل الثاني من أصول التشريع التي جعلها الله موضحة للقرآن ومفصلة لمجملاته، وأن معجزة السنة كإعجاز القرآن وشارحة لما جاء في القرآن. كما رد العلماء هؤلاء المشككين في صحيحي البخاري ومسلم والذين جاءوا بالإسرائيليات والأحاديث الضعيفة التي تكون دافعاً للمشككين، مؤكدين أن حدود الله وتعاليمه لا تخرج عن القرآن والسُنة، وهي التي حددها الله في محكم آياته، وجاءت سُنة النبي لتفسر لنا ما يجب أن نفعله في سائر العبادات. وأكد العلماء أن من كفر بالسُنة فقد كفر بالقرآن الكريم، ولابد من تمحيص الروايات والمتون والأخذ بما ثبت وإلغاء ما يتبين أنه غير ثابت لمعارضته القرآن الكريم. السنة مفسرة للقرآن ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، إن الدعوى إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم وترك السنة هي دعوة خبيثة قديمة تهدف إلى هدم الإسلام، لأن السنة الشريفة من ناحية الدلالة الشرعية على الأحكام تلي مرتبة القرآن الكريم، ولا يستطيع المسلم أن يستغني بالقرآن الكريم عن السنة المشرفة لأن القرآن الكريم لن يذكر لنا مثلا مقادير الزكاة، وأنظمتها، ولا الصلاة ولا الهيئة التي تتم بها الصلاة، كذلك هناك أحكام كثيرة انفردت بها السنة المشرفة، كالجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وما إلى ذلك، كل ذلك ثابت بالسنة المشرفة، ولم يرد في القرآن الكريم، ثم إن القرآن الكريم أمرنا أمرا صريحا بأن نأخذ بسنة النبي، صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب)، وقد ورد في صحيح البخاري، أن الصحابة كانوا لا يفرقون بين دلالة السنة على الأحكام ودلالة القرآن الكريم، ثم إن النبي، صلى الله عليه وسلم، تنبأ بهؤلاء القوم الذين يطعنون في سنته ويأمرون بعدم الأخذ بها، فقال صلى الله عليه وسلم، (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته، يقول عليكم بكتاب الله، فخذوه ولا تأخذوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ألا إن ما حرم رسول الله كما حرم الله، ثلاثا)، رواه أصحاب السنن بالمعنى، وهو ثابت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم إن النبي، في كل ما أخبرنا عنه إنما أخبرنا عنه بوحي الله عز وجل، لقول الله عز وجل، (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) كما أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) كل ذلك يؤيد أن نستمسك بسنة النبي، صلى الله عليه وسلم، لأنها وحي يلي مرتبة القرآن. تحذير من الطعن وأضاف: إن الذين يشككون في أحاديث أبي هريرة، رضي الله عنه، والاتهامات التي وجهت إلى سيدنا عبدالله بن عباس، فهذه دعاوي أثارها أهل الغرب طعنا في النبي، والإسلام ثم صار على نهجهم أبواق من المسلمين يرددون مالا يعرفون عن هؤلاء العظام الذين نقلوا لنا السُنة، بل إن بعضهم يتهمون سيدنا أبوهريرة في دينه، وهناك مؤلفات كثيرة ألفت في الرد على هؤلاء الناس (مثل أبوهريرة المفترى عليه) و(دفاعا عن السُنة) لمحمد أبوشهبة، ومن يراجع كتاب (المستدرك) للإمام الحاكم يجد كثيرا من الأحاديث التي ترد على هؤلاء الناس وكأن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يتنبأ بما سيثيره هؤلاء الأفاكون، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، (اللهم حبب عبيدة هذا إلى المؤمنين وحببه إلى المؤمنين) والمقصود به أبوهريرة، وهذا دلالة قاطعة على أن كل من يكره أبا هريرة أو يتهجم عليه لا يدخل في المؤمنين كامل الإيمان، وحذر من الطعن على أبي هريرة وعلى كل صحابي جليل فقد صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لعن الله من سب أصحابي)، كما صح عنه، صلى الله عليه وسلم أنه قال أيضاً: (ملعون من سب أصحابي) والحديثان ذكرهما صاحب صحيح الجامع الصغير، ومن يسب الصحابة أو يتطاول عليهم مطرود من رحمة الله بنص هذين الحديثين الشريفين الصحيحين. وأكد أن الدعوة إلى نبذ السنة المشرفة هدم للإسلام ولا تصدر إلا عن جاهل بأحكام الإسلام ومشكلتنا في هذه الأيام أن الجهلة وأنصاف المتعلمين، كل واحد منهم قد نصب نفسه عالما ومفتيا يفتي في كل أمور الدين وقد رأيت أحدهم على إحدى الفضائيات يفتي مع أنه وقع في بعض الأخطاء الفاحشة في قراءة القرآن. وعلاج المشكلة أن تعود الفضائيات والإنترنت إلى أهل العلم كما أن على الناس ألا يأخذوا الفتاوى إلا من المتخصصين، قال تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وألا يستمع المشاهدون إلى مثل هؤلاء الذين يشوهون الدين بجهلهم. السُنة وتطبيق الأحكام من جانبه قال الدكتور إسماعيل الدفتار، عضو هيئة كبار العلماء الأزهر، إن الادعاء بوجود الإسرائيليات والأحاديث المكذوبة، والتي يمكن أن تكون سببا لترك ما يروى من السنة النبوية فذلك سببه الجهل وعدم المعرفة بما فعله علماء الإسلام على مر العصور، من حفظ السنة النبوية وتدوينها والتفتيش في طرق وصولها إلينا ليكون المسلم مطمئنا إلى تلك المرويات، وآلاف الكتب في مجالات متعددة من أجل تدقيق السنة النبوية المطهرة قام بها آلاف الآلاف من خيرة العلماء والنجباء ومن الذين يدركون ما يقرأون أو يسمعون ولعلنا حينما ننظر إلى من لم يكونوا مسلمين واشتغلوا بالدراسات حول السنة النبوية المطهرة كيف أنهم أقروا بالإنصاف لجهود هؤلاء العلماء الذين خدموا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك من غير المسلمين مثل أسد رستم وهو أستاذ متخصص في التاريخ والحضارة ومناهج نقد الأخبار التاريخية شهد بأن ما فعله علماء المسلمين لتوفيق السُنة أمر واضح في علميته وفي تفوقه على كل ما يعرف في هذا المجال. ويقول الدكتور محمد يحيي الكتاني، مدرس علوم الصوفية بالجامع الأزهر الشريف، إن المشككين في السنة أول من حذرنا منهم النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن جملة هذه الدعاوى الباطلة أن صحيح البخاري، الذي هو أصح الكتب الحديثية عندنا مشتمل على مرويات باطلة، أو أحاديث ضعيفة، وهذه الدعوة نشأت عن شبهات انقدحت في أذهان هؤلاء، وليس لها أصل علمي صحيح، فكتاب البخاري ومسلم، من الكتب التي اتفقت الأمة على جلالتهما وصحة ما فيهما، وما الاعتراضات عليهما إلا شبهات في غير محلها تكفل العلماء بالرد عليها، وبيان بطلانها، ونحن كمسلمين وعرب نفتخر بعلم الحديث ومنهج التوثيق الإسلامي الذي خضعت له السُنة والمرويات وشهدت بجدارته ودقته كل المدارس العلمية سواء العربية أو الأوروبية. دعوات خبيثة وأكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية، أن الدعوات التي تطلق بين الحين والآخر على ترك القرآن هي في حقيقتها دعوات خبيثة تريد أن تهدم أصول الإسلام وتقوض كيانه وتمحوا هويته من قلوب وعقول أتباعه ومصير هذه الدعوات الفشل الذريع مزبلة التاريخ هي ومن أطلقها بإذن الله، فقد أجمع العلماء قديماً وحديثاً على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام، وبيان الحلال والحرام في كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد دل كلام ربنا عز وجل في مواضع من كتابه على وجوب اتباع هذا الكتاب والتمسك به، والوقوف عند حدوده، قال تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)، وقال تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).