يدعو الإسلام إلي إعمال الفكر والتأمل في كل مظاهر الكون ومايحتويه من مخلوقات وذلك بما يعود عليه وعلي باقي المخلوقات بالنفع, ولكن إذا ترك الإنسان فكره بلاحدود, لأهلك نفسه وأساء إلي ربه, ومن ثم وجب علي الإنسان أن يستخدمه فيما يعود عليه وعلي بني جنسه بالنفع, سواء في الأمور الدينية كالتعرف علي الخالق الرزاق, أو الأمور الحياتيةكتناغم المخلوقات في منظومة تريح النفس وتسلي الأرواح كما يجب علي الإنسان أن يتوقف عندما يجد فكره قد أساء إلي خالقه, أو ألحق الضرر بالإنسان. ويوضح الدكتور سعد الدين هلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الله سخر الكون بأجرامه وكواكبه ومخلوقاته لخدمة الإنسان, وجعله محلا للتأمل والتفكر, ليتعرف الإنسان علي مايتيسر له من إبداعات هذا الكون وأسراره فيهتدي إلي مبدعه وخالقه, فما من صنعة إلا ولها صانع, قال تعالي: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد( فصلت:35), أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا علي كون القرآن حقا منزلا من عند الله علي رسوله بدلائل خارجية في الآفاق وفي النفس البشرية. وتطلق الآيات القرآنية عنان الفكر الإنساني في الكون الفسيح, كما قال تعالي: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون( البقرة:461). وقال تعالي:إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار( آل عمران:.191091) وقد أخرج ابن حبان عن عائشة أنه عندما نزلت هذه الآية بكي النبي صلي الله عليه وسلم: فقال بلال: يارسول الله لم تبك وقد غفرالله ماتقدم من ذنبك وماتأخر؟ فقال صلي الله عليه وسلم: أفلا أكون عبدا شكورا, لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر. وتعم الآيات القرآنية المخلوقات في الدنيا حتي الإنسان نفسه لتكون محلا للتأمل والتفكر, قال تعالي: وفي أنفسكم أفلا تبصرون( الذاريات:12), وقال تعالي: فلينظر الإنسان مما خلق( الطارق:5), وقال تعالي: أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت وإلي السماء كيف رفعت وإلي الجبال كيف نصبت وإلي الأرض كيف سطحت( الغاشية:02,71). وغير ذلك من الآيات القرآنية كثير يستحث الناس علي إعمال الفكر والتأمل في النفس الإنسانية وما حولها في الكون الفسيح. وروي عن كثير من السلف الصالح فضل التأمل والتفكر, ومن ذلك ماأخرجه ابن أبي شيبة أن الحسن البصري قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة وماذكره ابن كثير عن سفيان بن عيينة قال: الفكرة نور يدخل قلبك وعن بشر بن أبي الحارث الحافي قال: لو تفكر الناس في عظمة الله تعالي لما عصوه.