فى كل يوم من أيام هذا الشهر سوف تقرأ مقالة مستمدة من إسلاميات العقاد، طموحى من نشرها أكبر بكثير من توضيح معلومة أو زيادة علم أو نقل معرفة، طموحى الحقيقى أن يحدث لنا - مع نهاية الشهر الفضيل - انقلاب استراتيجى فى طريقة تفكيرنا، أن نميز بين جواهرنا الحقيقية والمزيفة، هذه هى هدية العقاد الثمينة لنا، فمن غير المقبول أن يظل جل اهتمامنا بالشكليات. تعالوا نستعد الماضى الجميل ونؤسس منهجا للعقل والتدين الصحيح فى صحبة مفكرنا العظيم، واحد من نبت الأرض الطيبة، التى لا تكف- رغم نبش البذر وتجريف التربة - عن عطاء الخير ومنح الثمار. التفكير فريضة إسلامية من مزايا القرآن مزية واضحة يقل الخلاف فيها بين المسلمين وغير المسلمين، لأنها تثبت من تلاوة الآيات ثبوت الأرقام، ولا تحتاج لمناقشات ومجادلات، هذه المزية هى التنويه بالعقل، والتعويل عليه فى أمر العقيدة. فلا يذكر العقل فى القرآن الكريم إلا فى مقام التنظيم والتنبيه على أهمية الرجوع إليه، ولا تأتى الإشارة إليه عارضة أو مقتضبة، بل مقصودة لذاتها مؤكدة عليه باللفظ الجازم والدلالة اللافتة، تحث المؤمن على تحكيم عقله وتلوم المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه، لذلك تكررت فى القرآن عبارات مثل «أفلا تعقلون؟، لعلكم تتفكرون، أفلا تبصرون، لعلهم يتذكرون»، تعقيباً على الآيات بشكل لافت للنظر، والآيات التى تبجل العقل لا تعد ولا تحصى، إذ هى القرآن كله تقريباً. منها على سبيل المثال لا الحصر: «وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون / وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير / كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون / يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خير كثيراً، وما يذكر إلا أولو الألباب / ويتفكرون فى خلق السماوات والأرض / أو لم يتفكروا فى أنفسهم؟ / قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ / الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم». والإسلام دعوة حارة إلى العلم فى معناه الكبير، لذلك يلفت القرآن أنظارنا إلى العلوم الكونية ويربطها بمملكة الروح: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت / إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون». وعلى هذا يتناسق جوهر الإسلام ووصاياه، وتأتى منه الوصايا المتكررة بالعقل والتمييز. وحين يكون العمل بالعقل أمراً من أوامر الخالق يمتنع على المخلوق أن يعطل عقله لأى سبب خوفاً أو اقتداء أو خضوعاً لمخلوق مثله.