جاءت مبادرة مجلس إدارة مسجد الحسين، برئاسة الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، بتنظيم ندوات دينية وإنشاء مركز للتصوف الإسلامي بمسجد الحسين، لتثير الكثير من التساؤلات حول الدور الديني والاجتماعي لمشايخ وأتباع الطرق الصوفية خلال المرحلة المقبلة.. وهل تعيد الصوفية بنظرتها السمحة التوازن للحياة الدينية في مصر، خاصة بعد أن طفت على السطح تيارات إسلامية متشددة تكفر المجتمع وتستبيح الدماء وتقتل الأبرياء، وتستخدم الدين ستارا لتحقيق المكاسب السياسية !. وهل يوجد ما يؤشر على أن ثمة دما جديدا يسري في شرايين الأتباع والمريدين في مصر التي تفردت عن غيرها من الدول الإسلامية بسن أول قانون ينظم عمل الطرق الصوفية، بعد سنوات من الاكتفاء بالمشاركة في والمناسبات الدينية وموالد الأولياء؟ وكيف يمكن لمشايخ الطرق الصوفية استنهاض أتباعهم ومريديهم ومحبيهم لمواجهة الفكر المتشدد ومحاربة التطرف، وتنقية الصوفية من الشوائب العالقة به ونشر الفكر الإسلامي المعتدل، والتصدي لبعض المظاهر السلبية التي تتم في الموالد وحلقات الذكر؟! وكيف يمكن إحياء التصوف واستنهاضه همم رجاله بعد تهميش متعمد وصراع ممتد لأكثر من 4 سنوات حول رئاسة المجلس الأعلى للطرق الصوفية، واتهامات متبادلة بين المشايخ أفقدت العمل الصوفي القائم علي الزهد مكانته في نفوس الآخرين ؟! د. عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، يؤكد استعداد مشايخ الطرق الصوفية للتعاون مع الأزهر الشريف والمشاركة في تلك الدورات ونشر مفاهيم التصوف الصحيح والعمل على التخلص من الأفكار الدخيلة على التصوف، ويقول: نحن أكثر الناس مطالبة بالتخلص من البدع التي أساءت إلى الدين الإسلامي ودعم القيم الصوفية الأخلاقية التي نجد المجتمع اليوم في أمس الحاجة إليها، وهذه المخالفات تشوه الطرق الصوفية، وتعطى الفرصة للمدعين لمهاجمتنا دون وجه حق، ولكن ذلك بحاجة إلى تعاون الجهات المسئولة وخاصة المحليات، والمحافظين مع الطرق الصوفية لإعمال القانون لأن المخالفات التى تتم خلال الموالد تضر بالجميع، وكانت تلك التصرفات الدخيلة سببا في صدور بعض الفتاوى المتشددة التي وصلت إلي حد التكفير والابتداع في أمور الدين بسبب تلك المظاهر الدخيلة علي التصوف.فالطرق الصوفية في جمهورية مصر العربية منظمة بالقانون رقم 118 لسنة 1976 والذي أعطي صلاحيات للمجلس في الموافقة علي الاحتفالات وإلغائها، لكن القانون لم يعط المجلس الحق في مباشرة أية إجراءات تجاه المواطن العادي، وهذا من اختصاص المحليات والمحافظة، فمن يريد إقامة سيرك أو ملهي لابد أن يحصل علي تصريح من الإدارة المحلية ورخصة من الحي، وهو ما أسهم بدوره في دخول البدع والخرافات والمظاهر المسيئة المخالفة للكتاب والسنة إلى الساحات الصوفية من كل البدع والخرافات. وأضاف: تتركز أولوياتنا خلال المرحلة المقبلة حول لم شمل البيت الصوفي، وتنقية الاحتفالات الدينية من الدخلاء والعودة بها إلي سابق مظهرها الصوفي الديني الجميل، ونشر روح التصوف الراشد الذي يعكس الأخلاق المحمدية الرفيعة، وسنبذل كل الجهد لتنقية الساحة الصوفية من الدخلاء لتعود كما كانت علي مر التاريخ ساحات علم وفكر نقية طاهرة ناصعة البياض، وسنعمل بالتنسيق مع الأزهر ووزارة الأوقاف على إقامة ندوات عملية ودينية تناقش وسطية الإسلام والفكر الصوفي وسبل تنقيته من الشوائب، والنهوض بالعمل الصوفي وإعادته إلي مساره الصحيح. التنسيق مع الصوفية من جانبه طالب الشيخ فؤاد عبد العظيم، ممثل وزارة الأوقاف بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية، مجلس إدارة مسجد الحسين بالتنسيق مع المشيخة العامة للطرق الصوفية، وإقامة تلك الندوات تحت مظلتها، والعمل مع اللجنة العلمية التي يترأسها الدكتور أحمد عمر هاشم مندوب ممثل مشيخة الأزهر بالطرق الصوفية والتي تهدف إلى تنظيم دورات تدريبية لشيوخ الطرق لتصحيح المفاهيم والسير على منهج التصوف الصحيح. وحول دور وزارة الأوقاف في دعم الطرق الصوفية قال إن الوزارة لها دور كبير ولا توجد مناسبة صوفية إلا ووزارة الأوقاف تشارك فيها وتقدم الدعم المالى للطرق الصوفية بتخصيص ما نسبته 10 % من عائد صناديق النذور لإقامة الموالد والاحتفالات الصوفية ودعم المشايخ ماليا. رد الأوقاف ويؤكد الشيخ محمود أبو الفيض، شيخ الطريقة الفيضية وعضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية،أن الدعم الذي تقدمه وزارة الأوقاف للمشيخة العامة للطرق الصوفية لا يكفي لسد حاجاتها، ويقول: إن مصر بها نحو 15 مليون متصوف ينتمون ل76 طريقة، وكل مواردنا 10 % من صناديق النذور بمساجد أهل البيت وموالد أهل البيت والصوفية هم الذين يدفعون في هذه الصناديق في الموالد، والصناديق في مساجدنا ولا نحصل سوى على عشرة بالمائة والباقي لوزارة الأوقاف حتى إنه لا يحضر مندوب عن الطرق الصوفية ولا نعرف حصيلة الصناديق، ونتلقى إخطارا من وزارة الأوقاف بذلك ، وقد تصل إلى نصف مليون جنيه في السنة تتوزع على 76 طريقة صوفية في مصر بالإضافة إلى الجهاز الإداري ومصروفات المشيخة واحتفالاتها والسرادقات التي تقيمها في المواسم، ومجلة التصوف، والطرق تنفق أكثر مما تتقاضى من وزارة الأوقاف بعشرات المرات، فالطريقة تحصل عل 500 جنيه مقابل إقامة المولد تنفق حوالي 10 آلاف جنيه في المتوسط ، والمخصص للطريقة كل 3 شهور يتقاضى الشيخ في حدود 600 جنيه شهريا، وهذا المبلغ لا يكفي لتغطية نفقات الشاي والسكر. والمبني الذي توجد به المشيخة عبارة عن شقة لا تزيد مساحتها على 90 مترا لا يستطيع المجلس مباشرة أعماله منه، ورغم اعتزازنا بوجوده بجوار ضريح الأمام الحسين، فقد استطعنا الحصول علي قطعة أرض بشارع المنصورية مساحتها 500 متر، وتم استخراج التصاريح اللازمة، وتم وضع حجر الأساس في شهر مايو عام 2011 بحضور القيادات الدينية والصوفية وكبار المسئولين، للبدء في إنشاء المبني الذي نستطيع من خلاله النهوض بالعمل الصوفي، ونسعى حاليا لتدبير التمويل اللازم، بعد توقف البناء حيث ساعدت ميزانية المشيخة في تأسيس البدروم والدور الأرضي ثم توقف البناء، والمبني مكون من 8 طوابق ويتكلف 5 ملايين جنيه. وطالب الشيخ محمود أبو الفيض هيئة الأوقاف برد الأراضي والعقارات الموقوفة للأضرحة والمقامات ومساجد أل البيت في جميع المحافظات، والتي يذهب ريعها إلى وزارة الأوقاف، وتخصيص عائد صناديق النذور مرة أخرى إلى الطرق الصوفية وأن تجد الدولة السبل لمساعدة الطرق الصوفية، وأن يتم ذلك بالتنسيق مع المشيخة العامة للطرق الصوفية خاصة وأنه لا يوجد مجلس اعلي للطرق الصوفية حاليا بانتظار الانتخابات التي ستجرى خلال الأسابيع المقبلة لاختيار 10 أعضاء منتخبين. الخلافات بين المشايخ وإذا كان مشايخ وأتباع الصوفية على موعد مرتقب مع انتخابات المجلس الأعلى للطرق الصوفية التي تجرى كل 3 سنوات لاختيار 10 مشايخ جدد لعضوية المجلس، وفقا لما نص عليه القانون، وتشرف عليها محافظة القاهرة، فان الآمال تبقى معلقة على أن تنهي نتائج تلك الانتخابات الخلافات التي عصفت بالبيت الصوفي، والتي انتقلت من المشيخة إلى ساحات المحاكم - في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصوفية - للمطالبة بتحديد ولاية شيخ المشايخ ب 3 سنوات وتنقية الجدول من 13 شيخ طريقة يرى بعض المتنازعين داخل البيت الصوفي أن مشايخ تلك الطرق لم يستكملوا إجراءات تأسيسها، ويقول الشيخ محمود أبو الفيض: نحن بانتظار الانتخابات خلال أسبوعين، ونتمنى إنهاء هذا الوضع المؤسف والمحزن الذي أثر علينا تأثيرا بالغا، لأن الخلافات والصراعات تقسم البيت الصوفي، وتنال من صورة المشايخ لدى الرأي العام والأتباع والمريدين، وصاحب المصلحة فيها هم أعداء التصوف، ويجب إنها تلك الخلافات التي أساءت للشكل العام والمنهج الصوفي البعيد عن الخلافات والتنافس على المناصب والمكاسب الدنيوية والتصوف بعيد تماما عن وهذه الخلافات التى أساءت وأعطت فرصة لكل الطامعين والمشتاقين والائتلافات والاتحادات التي خرجت من عباءة الطرق الصوفية نتيجة هذه الخلافات. كما طالب الطرق الصوفية أن تسعى نحو تطهير نفسها من بعض العناصر التي أفسدت الحياة الصوفية والذين يدعون أنهم من الصوفية وهم ليسوا كذلك وكثير يدعون أن لهم طرقا صوفية وهذا الكلام غير صحيح، ومن الخطورة نجد ما يسمى بائتلافات واتحادات وهم ليس لهم اية علاقة بالطرق الصوفية، احدهم ادعى مؤخرا انه سيرشح نفسه لرئاسة الجمهورية وخلفه 15 مليون صوفي، وان يترك هؤلاء هي مسألة في غاية الخطورة والمجلس لابد ا يكون له موقف شديد في مواجهة هؤلاء، وأناشد الدولة مساعدتنا في أداء رسالتنا لمواجهة الإرهاب والتطرف الذي نشأ عن أفكار غريبة عن الإسلام ومستوردة ولم يعهدها الشعب المصري. دعم الشباب الصوفي وأكد الشيخ أبو الفيض أن دعم الطرق الصوفية يصب في صالح الدولة لأنها تمثل الفكر المعتدل الوسطي المستنير، ولا بد من فتح مجال للطرق الصوفية في الصحف والندوات واللقاءات ووسائل الإعلام وفي الدولة يتجاهلون شباب الصوفية وفي لجنة الخمسين لصياغة الدستور لم يختاروا واحدا من الطرق الصوفية والأشراف والدولة تتجاهل حوالي 20 مليون شخص إذا أضفنا إليهم الأشراف. وتساءل أبو الفيض ما هو سبب الإقصاء لنحو خمس المصريين، ولماذا نحن نعاني الإقصاء والتهميش ولا توجد أية اهتمامات؟! وأضاف: إذا كانت الدولة جادة في مكافحة الإرهاب والتطرف فانه يجب عليها دعوة الفكر المعتدل الذي يحارب ذلك وفي الثمانينات فعل ذلك الصوفية في كل قرية وكل بيت . وهذا التجاهل والتهميش كان سببا في محاولات دول خارجية مثل أمريكا وسفيرها السابق ريتشاردوني الذي قابل شيخ المشايخ في المشيخة وتتجاذبنا أطرافا خارجية وتسعى لاختراقنا. كما تسعى دول عديدة وأطراف أخرى تحاول محاولات فردية لاستقطاب البعض لكن جميع هذه المحاولات تفشل فمنهجنا هو منهج الأزهر الشريف، وعلى مدى التاريخ لم يخرج من بين الصوفية إرهابي أو متطرف يقتل ويفجر ويروع الآمنين . من جانبه يقول الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، إن فكرة هذا المركز طرحت داخل اجتماع مجلس إدارة مسجد الحسين، وتم قبولها نظرا لأهمية الفكرة وما يمكن أن يقدمه هذا المركز من دور كبير في نشر التصوف الصحيح، وذلك بالتنسيق مع المشيخة العامة للطرق الصوفية، فالهدف الأساسي من إنشاء المركز هو تصحيح ما يشاع عن التصوف ونشر الفكر الصحيح، ولكن الخطوات التنفيذية لم تبدأ بعد وسيتم التعاون مع الجهات المعنية بالتصوف ليصبح مركزا لنشر التصوف الصحيح الخالى من البدع والخرافات وما يلصق بالتصوف والصوفية.