بحيرة البرلس.. تحتل سيرتها يوميا كل وسائل الإعلام.. وهى البحيرة التى باسمها ترتكب كل ألوان التلوث سواء زراعيا أو صحيا أو صناعيا، وهى «مقلب» القمامة السائلة بمصر، وهى تتوسط قلب الدلتا شمالا ومفتوحة على البحر المتوسط وتحتل مساحة 165 ألف فدان، حتى السبعينيات وبلغت الآن 103ألف فدان الجزء المتآكل و26 ألف فدان، تعرض للتجفيف والتوسع والردم والاستقطاع، وما تبقى تعرض للتلوث بصورة مجحفة وغير إنسانية حتى أثر هذا التلوث على الحياة.. بكل أشكالها من السمك والحيوانات والنباتات وحتى الآنسان وكلهم يدفعون ثمن ملوثات المدن التى تلقى بالمخلفات إلى البحيرة »المظلومة« حتى باتت سيئة السمعة فقد اصابت الأمراض أسماكها وصحة ابنائها ولاسيما الصيادين المتعايشين على صيد الأسماك وهى المهنة الأولى فى المحافظة التى تحتضن البحيرة (كفرالشيخ) ولأن مياه البحيرة ملوثة فإن الأسماك الملوثة أصابت الصيادين وعائلاتهم وهو أمر طبيعي. فى دراسة دقيقة وعلمية على ما يجرى فى البحيرة أجرتها د.نبيلة شاهين حسن أستاذة البيئة وفسيولوجيا النبات جامعة طنطا، وهى أول من طالبت بتحويل بحيرة البرلس إلى محمية طبيعية وقد صدر القرار ولكن بعد فوات الأوان. الدراسة اتجهت إلى أسماك البحيرة.. وصحة صيادى السمك وعائلاتهم وقد خرجت د.نبيلة ومعها فريق بحثى من الأطباء والعلماء والمتخصصين. وأوضحت الدراسة أن أهم الأسباب التى جعلت البحيرة مفعمة بالتلوث هو ارتفاع مستوى قاع البحيرة كما ان تدفق كميات هائلة من المياه القادمة من مدن القاهرة والدلتا، فهناك 9 مصارف للصحى والزراعى والصناعى تصب مئات الألوف من الأمتار المكعبة فى جوف البحيرة بحيث ارتفع منسوبها عن مستوى سطح البحر، ولأن بوغاز برج البرلس هو المصدر الأساسى لتبادل مياه البحر مع مياه البحيرة، ولأن البوغاز لا يزيد اتساعه على 70 مترا، وعدم استقامته ووجود ترسبات فى مدخله بجعل الماء المتدفق من البحر أضعف من الماء المتدفق من المصارف القادمة من القاهرة ومدن الدلتا، ومن هنا انتصر التلوث على تبادل مياه البحر مع البحيرة، وباتت البحيرة غارقة فى الأمراض والتلوث من امونيا ونتريت وعناصر من المعادن الثقيلة مثل النيكل، الكوبالت، المنجنيز، الرصاص، الزنك، النحاس، والحديد وكلها بسبب صرف المصانع التى تصب فى قلب البحيرة من 21 موقعا وطوال العام بحيث طفح التلوث بالبحيرة وفاقت نسبتها الحد المسموح به. واشارت الدراسة إلى ارتفاع التلوث بعنصر الأمونيا وعادة ما يزداد التلوث حدة فى فصلى الشتاء والربيع. أما المركبات النيتروجينية السامة فقد تجاوزت نسبتها الحد المسموح به فى الشتاء والربيع والصيف، وفى جميع المصارف. كما أن الزيادة فى السموم فى فصل الشتاء يرجع سببه إلى وجود السدة الشتوية وقلة المياه التى تغذى المصارف وتغسل المياه ويظهر هنا أثر الصرف الصحى والصناعى بشدة لزيادة تركيز الملوثات. وتقول د.نبيلة شاهين أن الدراسة شملت الأمراض التى تعرضت لها الأسماك من سموم التلوث أهمها مرض التسمم الدموى الايرو موناسى وهو مرض بكتيرى ويزامله مرض آخر بكتيرى وهو الميكروب السبحى المكور. وهناك خمسة أمراض أخرى تصيب الأسماك ولاسيما البورى والبلطي، وهى أمراض فطرية وطفيلية مثل مرض الكانديدا، والاسبرجيلاسي، والهيتروفس، والاكيتوبودا ، والارجسيلوزيس وقد عثرت البعثة على تسعة أنواع من المرض الأخير. ويصاب للأسف صيادو أسماك بحيرة البرلس التى تتعامل مع المياه الملوثة والإنتاج الملوث مباشرة وفى منطقة »برمبال« المنطقة الثانية فان الإصابة بالأسماك متوسطة واصابة الصيادين ضعيفة جدا.. أما فى المنطقة الثالثة وهى منطقة »المقصبة« فان الإصابة ضعيفة فى الأسماك والصيادين. يبقى منطقة »الشخلوبة« فان نسبة الإصابة بها مرتفعة فى الأسماك ومتوسطة فى الصيادين. وبذلك تصبح برج البرلس الأعلى باصابة الأسماك بطفيل الهيتروفيس (32% تقريبا) تليها الشخلوبة 22% أما الإصابة الخاصة بالصيادين فإنها تأتى بالعكس حيث يصاب الصيادون فى منطقة الشخلوبة أكثر من الصيادين فى برج البرلس.. والسبب ان عائلات الصيادين فى الشخلوبة يأكلون السمك مشويا ولا ينزعون الأمعاء الداخلية أثناء الاعداد لطهى الطعام وغير مطهوة جيدا وهذه الطريقة لا تقتل الطفيل المتحوصل فى السمكة، بينما يأكل صيادى منطقة برج البرلس الأسماك مقلية وهو ما يؤدى أن قتل كل الطفيلات المتحوصلة. وهناك ظاهرة ثالثة ان سكان »برمبال« نسبة الإصابة بينهم بالطفيليات والفطريات قليلة بسبب تفضيلهم أكل الأسماك النيلية التى يتم اصطيادها من فرع رشيد. وينبه العلماء أن الأسماك الحية فى بحيرة البرلس أشد خطرا من النافقة!! يبقى القرار وهو ضرورة معالجة المياه قبل ان يلقى بها فى المصارف سواء كانت صرف صحى أو زراعى أو صناعي، كما يرجع سبب زيادة اصابة الأسماك البورى عن أسماك البلطي، وهو تميز البلطى بقشورة المدرعة القوية والسميكة والتى يصعب نزعها وهى درع قوى ضد التلوث، أما البورى فطبيعته يتغذى من قاع البحيرة، كما انه ليس به قشور تحميه، كما أن البلطى متوطن فى البحيرة بعكس البورى المهاجر من البحر إلى البحيرة. ومقارنة سريعة بين المناطق الأربعة ميدان الدراسة.. يظهر أن الشخلوبة هى الأعلى فى نسبة الإصابة لخمسة أسباب منها زيادة الصرف الزراعي، والصرف الصحي، والصرف الصناعي، وصرف المزارع السمكية، وأخيرا وجود الطيور المائية والقواقع بوفرة وهى ناقلة للأمراض. وأقل هذه المناطق إصابة هى «المقصبة» لعدم وجود صرف زراعى أو صناعى وعدم وجود قواقع أو طيور مائية، وهو ما يقطع حلقة الأمراض الطفيلية، كما حرصت الدراسة على الاستمرار لمدة أربعة مواسم (صيف، خريف، شتاء، ربيع) لمعرفة الأسباب مثل زيادة الصرف وارتفاع الحرارة وزيادة البرودة، ونسيم البحر، وهجرة الطيور.. وغيرها وتظهر هنا خطورة تغذية حيوانات المزرعة على النباتات النامية ببحيرة البرلس التى تشرب العناصر الثقيلة.. وبدورها تنتقل هذه السموم إلى الإنسان عن طريق اللحم والألبان. ومن أهم الملوثات صرف مخلفات مياه مصرف كتشنر الملوث التى تحمل مياه الصرف الصناعى الخاص بمصانع الغزل والنسيج والأصباغ بالمحلة الكبرى داخل البحيرة بدون إجراء أى معالجة لها مما يعد كارثة بكل المقاييس، إضافة لانتشار ورد النيل وانخفاض المحصول السمكى فى البحيرة بسبب الصيد الجائر للزريعة الصغيرة عن طريق اللنشات المخالفة التى تعمل فى البحيرة بالمخالفة لجميع قرارات منع صيد الزريعة الصغيرة. وأكد أحمد الجزايرلي، رئيس مجلس إدارة جمعية رعاية الصياد بالبرلس »مشكلات بحيرة البرلس متشعبة ومتعددة وتتحمل مسئولياتها الزراعة والثروة السمكية والشرطة والإدارة المحلية. بالإضافة إلى غلق قناة برنبال وعدم دخول مياه البحر المالحة إلى البحيرة مما أدى إلى انتشار البوص والأحراش فى البحيرة وتناقص مساحات الصيد كما تحتاج البحيرة إلى شفاط موجود طوال العام لشفط الرمال من بوغاز البرلس ومنع الاطماء لضمان دخول مياه البحر للقضاء على التلوث.