هل يمكن لعالم الدين أن ينفصل عن واقع مجتمعه وما يجرى فيه من تطورات وأحداث سياسية متلاحقة كما تشهده مصر الآن، وإذا كانت بعض الجماعات الإسلامية قد جعلت من الدين ستارا لتحقيق مكاسب سياسة واستندت إلى فتاوى واجتهادات فقهية تخدم توجهاتها. فهل تقف المؤسسات الدينية الرسمية مكتوفة الأيدي أمام ما نشهده من فتاوى تثير الجدل والبلبلة بين عامة الناس . وما هي حدود العلاقة بين الدين والسياسة أو (الحد الفاصل) بين الطرفين، انطلاقاً من إشكالية العلاقة بين الحاكم والفقيه. علماء الدين يؤكدون أن توظيف الدعوة للوصول للسلطة مرفوض، وأن صراع التيارات الدينية علي الحكم، هو صراع دنيوي للوصول للسلطة. وأوضح العلماء أن أفضل علاقة بين الدعوة والسلطة هي علاقة التواصل والاحترام المتبادل، وذلك لتحقيق مصالح الوطن والنهوض بالمجتمع، كما أن الصدام واصطناع البطولات مرفوض، وفي نفس الوقت فإن التبعية والنفاق يؤثر علي مكانة ومصداقية العلماء . ويقول الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر وأمين عام هيئة كبار العلماء، إن انضمام عالم من الأزهر لأي حزب سياسى لا يعنى موافقة الأزهر على الانتماء أو العمل بهذا الحزب، فهذا رأى خاص وموقف شخصى، لا يعنى قبول أو رفض الأزهر، فالأزهر لا يتعامل بالسياسة كمؤسسة، وإنما الإفراد أحرار بشرط ألا يخرج أحد منهم عن فكر الأزهر أو يهدد أمن واستقرار الوطن وأشار إلى أن تأييد أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، سواء الجيش أو الشرطة، لا توجد به أي مشكلة، فالأزهر نفسه مؤسسة مملوكة للدولة وذو صبغة عالمية، والدولة عندما تأخذ قرارا ضد أحد فنحن ملتزمون به ولا يوجد تعارض مع مصلحة البلاد والشرع . ولا يرى الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، مانعا من اشتغال علماء الدين بالسياسة فهم يدعون إلى التوافق والاعتصام بالوطن والدين، ونبذ العنف، وهذه مهمتهم الرئيسية، فهم فوق السياسة، ويصلحون ويجمعون، وكل من نراه منهم أنهم يعلون على بيان ما هى السياسة الشرعية وأهميتها بالنسبة لتحقيق الأمن، ومهمة الحاكم ومهمة الوطن والمواطنين وقد يظن البعض أنهم عندما يتحدثون فى ذلك أنهم يشتغلون بالسياسة، ولكن هذا بالطبع غير صحيح، فهم يتحدثون فى الدعوة الصحيحة وجمع الناس على كلمة سواء من أجل وحدة الوطن والمواطنين وتحقيق الأمن الوطنى. واوضح أن الدعوة تكون عامة بغض النظر عن الأشخاص أو السلطة، كما أن الدعوة لابد أن تكون دائما حول الخير والعمل والامتناع عن الضرر، فالدعوة عامة لا تخصص. الأزهر هيئة مستقلة ويرى الدكتور القصبى زلط عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الأزهر مؤسسة مستقلة لا تخضع لأمور التقلبات السياسية، وإنما يكون لها رأى فيما ما يطلب منها فى أى أمر من الأمور التى تتعلق بالسياسة، وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقول إن هيئة كبار العلماء مهمتها نشر رأيها فى القضايا التى تشغل الناس، سواء تعلقت بالأمور الدينية أو الأمور السياسية، لكن إذا انضم عضو من أعضائها إلى حركة سياسية، فقد يؤثر ذلك على رأى من انضم لهذه الحركة وقد يخرج رأيه دون حيادية، ومن هنا فأنا أرى أن الأولى أن يبتعد كل عضو من أعضاء الهيئة عن الانضمام إلى أى حركة سياسية لكن فى الوقت نفسه عليه ألا ينعزل عن المجتمع ويبدى رأيه فى كل القضايا التى تشغل الناس بحيادية. ويقول الدكتور عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ الإسلامي جامعة الأزهر، إن العلاقة بين السلطة والدعوة يجب أن تمر أولا عبر تعريف صحيح للكلمتين، فالسلطة تعني إدارة شئون البلاد والعباد من ضبط للأمن وسياسة الرعية ومراعاة شئون الحكم من الحاكم العام، وما يلحق بذلك من وزراء، ثم ما يخص كل وزارة في مهامها المختلفة في إدارة شئون الدولة، والدعوة تختلف اختلافا كليا عن السلطة، فالدعوة تقوم علي أساس العلاقة بين الله والإنسان، ويقول ابن تيمية في كتابه “ السياسة الشرعية في الإصلاح بين الراعي والرعية”، إن الدين إذا دخل في السياسة أصلح السياسة، أما إذا دخلت السياسة في الدعوة أفسدت الدين، ومن هنا فإننا نقدر هذا الرأي لابن تيمية، لأن السياسة في عمرها منذ أن قامت حياة علي وجه الأرض، قامت السياسة علي مبدأ الخداع والكلام المعسول، أما الدين فإنه قائم علي مبدأ الإقناع، وإذا طبقنا ما نجده اليوم من صراع من بعض التيارات الإسلامية علي السلطة، إنما هو صراع دنيوي لا علاقة له بالدين، إنما هي رغبة في امتلاك سلطة وفرضها والزج بالدين فيما لا يجب أن يزج به فيه، وهذا هو الخطأ بعينه لأنه لا أحد يمثل حجة علي الإسلام، إنما الإسلام حجة علي الجميع، فالدين حجة علي الناس وليس فكر كل واحد حجة علي الدين . ومن جانبه قال الدكتور زكي عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية جامعة الأزهر إنه لابد أن يكون هناك اعتدال بين الدعوة والسلطة، بمعني أن تكون السلطة داعمة للدعوة، من حيث أخذ الوطن إلي مصاف التقدم والرقي، وتحقيق الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، وأن يكون الدعاة واقفين علي أرض صلبة لهم منهجهم الوسطي، بعيدا عن المجاملات والتملق، وبعيدا كل البعد عن المهاترات، والسلطة لها ما لها فتحمد، وعليها ما عليها فتنقد نقدا ايجابيا، ليس فيه الشطط والسفه، وأن يكون النقد مبنيا علي حقائق علمية، بحيث لا يكون هناك صدام بين الدعاة والسلطة، لأن دعوتنا مبنية علي الحكمة والموعظة الحسنة، والمناقشة الإيجابية فإذا توافقت السلطة مع الدعوة في إصلاح الوطن وتقدمه يكون ذلك وفاقا إيجابيا، من حيث ثقافتنا المستنيرة الواعية التي تحدث بناء اجتماعيا مبنيا علي التواد والتراحم والتعاطف، وفي النهاية السلطة والدعاة في موقع واحد وكلنا وطنيون نخدم الوطن .