عندما كان الشباب الغاضب يهتف في الذكري الثانية لثورة يناير: يا نجيب حقهم.. يا نموت زيهم! احتجاجا علي عدم تحقق أهداف العيش والحرية العدالة الاجتماعية. كانت جماعة الإخوان تحتل بكوادرها المنظمة مداخل ميدان التحرير لتوزع علي الوافدين الشوكولاته والورود احتفالا بنجاح الثورة. وعندما كان شباب غاضب يهتف في مسيرات تقترب من مقر وزارة الدفاع: يسقط يسقط حكم العسكر' ذلك الشعار الذي صنع فجوة بين الشعب وطليعته الثورية كانت رسالة الجماعة إلي قيادات المجلس العسكري الحاكم آنذاك: عليكم بالتنسيق معنا فنحن الأقدر علي ضبط الشارع وإلا فبمقدور بضعة عشرات من النشطاء, إن نحن تركناهم, أن ينالوا من كبرياء خير أجناد الأرض! المدهش حسب اعترافات لاحقة لقيادات شبابية أن شعار يسقط حكم العسكر كان صنيعة اخوانية بامتياز حيث استطاع التنظيم اختراق العديد من الائتلافات الثورية والسيطرة عليها بهدف جعلها' مخلب قط' في مواجهة قيادة عسكرية تقوم بدور سياسي يتمثل في إدارة شئون البلاد, ولم تخل تجربتها من بعض الأخطاء كما يجمع كل الفرقاء. واليوم يعود التنظيم إلي لعبته القديمة التي يجيدها منذ أيام تحالفه مع الملك فاروق والانجليز ضد حزب الوفد صاحب الشعبية الكاسحة قبل ثورة يوليو وهي لعبة: فرق تسد, التي طالما استخدمها الاستعمار القديم للسيطرة علي الشرق العربي. ومنذ الشرارة الأولي لثورة30 يونيه, اعتمدت أجهزة استخبارات أجنبية آلت علي نفسها أن تصنع الإخوان علي عينها أن تطعن في انتفاضة الشعب وتصفها بالانقلاب العسكري, والتقطت ماكينة الدعاية الاخوانية طرف الخيط وراحت تزعم: لا يوجد للمصريين سوي ثورة واحدة هي ثورة يناير أما غير ذلك فهو عودة لدولة مبارك وتكشير للدولة العميقة عن أنيابها. وهكذا نشأ في مصر معسكران يفتعلان الخصومة ويتبادلان الاتهامات ويتراشقان علي شاشات الفضائيات أو الواقع الافتراضي لمواقع التواصل الاجتماعي: معسكر30 يونيه ومعسكر25 يناير, فهل الأمر كذلك ؟ يناير هتفت بالخبز والحرية والعدالة فركبها نظام أذل المصريين ولاحق النشطاء وابقي علي تراث الفساد وعمق من زواج المال بالسلطة مع استبدال احمد عز بخيرت الشاطر, وكلما واجهه احد بأخطائه وخطاياه القي في وجهه الحجة الاخوانية الشهيرة' هناك مؤامرة من الدولة العميقة تهدف إلي إفشال تجربة أول رئيس مدني منتخب'. وهكذا تخلقت في رحم المعاناة30 يونيه التي يعتبرها كثيرون ثورة متكاملة الأركان مستقلة بذاتها بالنظر إلي ضخامة عدد المشاركين والهدف الذي قامت من اجله وهو إسقاط النظام, بينما يري آخرون أنها مجرد' موجة ثورية' مكملة ليناير التي هي الأصل أما يونيه فهي الفرع حسب رؤية هؤلاء. وبعيدا عن معركة المسميات التي استنزفت جهدا كبيرا بين أنصار المعسكرين, يجمع حكماء المشهد السياسي علي أن حدث في30 يونيه كان تصيح مسار وتعديل انحراف. ولا احد ينكر أن كل من خرج في يناير يهتف' الشعب يريد إسقاط النظام' لم يجد أمامه خيار آخر سوي النزول في يونيه ليهتف' يسقط يسقط حكم المرشد'. البعض تسرع في وصف يونيه بأنها ثورة' المطلب الواحد' والحق أنها ثورة المطالب' الينايرية' مضافا إليها: الاستقلال الوطني, بعد أن استشعر المصريون بحسهم التاريخي أن الدولة نفسها باتت في خطر علي يد جماعة سرية أممية لا تدين بولاء لوطن ولا تعترف بحرمة لأمن قومي. والمؤكد أن المخطط الاخواني ما كان لينجح لولا' حماقات' ارتكبها البعض بسوء نية حينا وحسن نية أحيانا علي نحو يستدعي البيت الشهير لنزار قباني تعليقا علي نكسة67: ابدا لم يدخل اليهود من حدودنا ولكن تسربوا كالنمل من عيوبنا ويأتي' التعميم' علي رأس الأخطاء التي تم ارتكابها وسهلت مهمة الإخوان للوقيعة بين يونيه ويناير. وعلي سبيل المثال, تم وضع جميع شباب25 في سلة حفنة من النشطاء الذين تحوم حولهم شبهات التخابر والعمالة, كما تصاعد خطاب إعلامي يصفها ثورة يناير بأنها مجرد' مؤامرة' و' نكسة' إجمالا. وأصبح ثوار يناير الذين طالما طاردتهم الأضواء ولاحقتهم الكاميرات علي نحو بلغ أحيانا حد النفاق يشعرون فجأة بالتهميش والإقصاء ولا يجدون منبرا يفتح لهم ذراعيه سوي' الجزيرة' وأخواتها. ولأن الحكمة تقول' أن تأتي متأخرا, خيرا من ألا تأتي إطلاقا' فلا يملك المتابع سوي النظر بعين التفاؤل لصناع المشهد الإعلامي الذي تداركوا خطاهم مؤخرا وكذلك اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهورية ورموز في حكومة الببلاوي مع قيادات شبابية تشعر أن الاحتفاء بثورة30 يونيه حكم عليها بالإقصاء إلي الأبد!