ارتفاع أسعار النفط مع تصاعد التوترات الجيوسياسية    ارتفاع جديد في سعر الفراخ البيضاء الآن.. أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 7-5-2024 صباحًا    تداول 67 الف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    وزير الإسكان: حملات لإيقاف وإزالة مخالفات بناء في 3 مدن جديدة    «معلومات الوزراء»: توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب بنسبة 1.7% عام 2024    عاجل.. البورصة تخسر 28 مليار جنيه في أول خمس دقائق من بدء تداولات اليوم    «عربية النواب» تطالب المجتمع الدولي بالتحرك لمنع كارثة جديدة في رفح الفلسطينية    بوتين يؤدي اليمين الدستورية اليوم لتولي رئاسة روسيا لفترة خامسة    جيش الاحتلال: تم إجلاء الغالبية العظمى من السكان بمنطقة العمليات العسكرية في رفح الفلسطينية    باحثة سياسية: الدور المصري له أثر كبير في دعم القضية الفلسطينية    الأهلي ضد الاتحاد السكندري في الدوري اليوم.. الموعد والتشكيل المتوقع    دويدار: معلول سيجدد تعاقده مع الأهلي    سقوط الأمطار على عدة مناطق.. الأرصاد توضح حالة الطقس اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024    السيطرة على حريق في مطعم بشبرا الخيمة    هتك عرضها والقي جثتها بالحديقة.. وصول أسرة الطفلة "جانيت" لمحكمة الجنايات لحضور أولي جلسات محاكمته    مدارس شمال سيناء جاهزة لاستقبال امتحانات نهاية العام لسنوات النقل    مدير حدائق الحيوان ب«الزراعة»: استقبلنا 35 ألف زائر في المحافظات احتفالا بشم النسيم    رسائل جمهور ياسمين عبد العزيز بعد ظهورها في «صاحبة السعادة»: وجعتي قلوبنا    لا تأكل هذه الأطعمة في اليوم التالي.. الصحة تقدم نصائح قبل وبعد تناول الفسيخ    مدحت شلبي يعلق علي رفض الشناوي بديلًا لمصطفى شوبير    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    رويترز: جيش الإحتلال الإسرائيلي يسيطر على معبر رفح الفلسطيني    قبل انطلاقها، الخريطة الزمنية لامتحانات نهاية العام 2024 بالجيزة    التصديري للصناعات الغذائية: 53% نموًا بصادرات القطاع لفلسطين خلال الربع الأول    بث مباشر مباراة الأهلي والاتحاد السكندري بالدوري    زوج الأم كلمة السر.. دماء بمنطقة حساسة تكشف انتهاك جسد صغير بولاق الدكرور    مصرع سيدة أربعينية أسفل عجلات قطار المنيا    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء في الدوري المصري والبطولات العالمية    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    Bad Bunny وSTRAY KIDS، أفضل 10 إطلالات للنجوم بحفل الميت جالا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    هل يجوز أداء سنة الظهر القبلية أربع ركعات متصلة.. مجدي عاشور يوضح    اليوم.. مجلس النواب يناقش حساب ختامي موازنة 2022/2023    صدق أو لاتصدق.. الكبد يستعد للطعام عندما تراه العين أو يشمه الأنف    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    شبانة: هناك أزمة قادمة بعد استفسار المصري بشأن شروط المشاركة في بطولات افريقيا    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    ياسمين عبد العزيز تكشف ل«صاحبة السعادة» سبب طلاقها من أحمد العوضي    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النبلاء يتعجلون الرحيل
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 01 - 2012

امتلأ الميدان بالاشتباكات‏,‏ وطاردت أصوات قنابل الدخان والقنابل المسيلة للدموع عم أحمد في كل أرجاء الشقة ذات الغرف السبع التي تطل شرفاتها علي الميدان‏..‏ وكلما أوصد باب غرفة عليه, كانت الروائح تتسلل من بين شقوق الشيش وثقوب المزاليج وأسفل الباب, وأجهدت هذه الروائح رئته العليلة, فبدأ يسعل بشدة, وتنهمر دموع عينيه.. ثم قرر قرارا جريئا بإغلاق كل منافذ الشقة, والذهاب إلي إحدي بناته المتزوجات ليبيت عندها هذه الليلة.. وكان هذا القرار قرارا خاطئا جدا, فرغم أن عم أحمد يسكن بهذا المكان المتميز منذ أكثر من ستين عاما, وشهد أغلب ما مر علي هذا الميدان التاريخي من أحداث, لكن هذه المرة خانه توقيت النزول, فبمجرد خروجه من بهو البيت وإطلالته علي الميدان, وجد المعارك لا تزال محتدمة, ولم يستطع أن يلمح ممرا آمنا يسمح له بالخروج من الميدان, تراجع عم أحمد وارتكن منكمشا علي جدار الممر الطويل المؤدي إلي بيته, بنيته النحيلة وسنه المتقدمة لم تحمياه من التدافع المجنون للجماهير الباحثة عن منفذ نجاة, كاد يقع من تيار هوائهم الذي يمر به وهم يجرون بسرعات هائلة, ويرونه بالكاد فيتجنبون الاصطدام به, رائحة الغاز النفاذة هيجت صدره, وترسب بعضه علي زجاج نظارته من الداخل وارتد إلي عينيه فزاده ألما, غير أن عضلات قوية رأفت به, وحملته بسرعة إلي داخل الممر, دفن عم أحمد رأسه في صدر حامله وهو يشير إلي بهو بيته, دخل به الرجل البهو وصعد به الدرج, اطمأن عم أحمد عندما لمح باب شقته, أنزله الرجل من علي صدره وربت كتفه وهم بالمغادرة, أمسك أحمد بيده وهو يفتح الباب وطلب منه الدخول, وانتبه عندما وجد خلفه بعض الهاربين من الاشتباك, كانوا يصعدون مثله علي نفس الدرج, وكانوا ينظرون إليه بعيون متوسلة كأنهم ينتظرون دعوته, ورغم أن الخوف كان يملأهم إلا أن الخجل أيضا تمكن منهم, وجعلهم في وضع الاستعداد للصعود حتي أعلي البناية, هربا من مصير مفجع, كانوا رجالا وصبية وسيدات, بصعوبة فتح لهم أحمد الباب علي مصراعيه, فدخلوا وأغلقوه خلفهم, جلسوا منكمشين في الصالة الكبيرة, وهو غير قادر حتي علي دعوتهم للتحرك بحرية في الشقة, غير قادر حتي علي الإشارة إلي مكان الحمام والمطبخ لمن أراد أن يشرب شيئا باردا أو ساخنا, كان صوت قنابل الغاز والطلقات مازال مسموعا, لكن دقات حادة علي خشب الباب أزعجت الجميع, هم الرجل بالتحرك نحو الباب لكن عم أحمد ضغط علي يده, فهم الرجل أن من الأفضل أن يفتح عم أحمد الباب بنفسه, أمسك بيد أحمد واتجه إلي الباب, كان نبض اليد مرتفعا وباطن الكف يتعرق, عندما فتح الرجل شراعة الباب ليتعرف أحمد علي القادم, واجههما وجه شاحب لجندي أمن مركزي, زاد توتر عم أحمد والرجل يفتح الباب بحذر ويتراجع ليقف خلفه, حاجبا بجسده الضخم رؤية ما بداخل الشقة, كان الجندي يتكلم بصوت خفيض وبنبرات مهتزة, ويده ممسكة بفتاة نحيلة تبدو علي وشك الدخول في غيبوبة قصيرة, بدا صوت الجندي وكأنه يتوسل وهو يقدم الفتاة تجاه عم أحمد ويقول: والنبي يا عم تدخل البنت دي عندك.. وتحافظ عليها كأنها بنتك.. الغاز كان حيموتها.
تناول عم أحمد دواءه ورقد علي سريره فتركه الرجل ينام بعد أن أحكم تغطيته وخرج إلي الصالة, كانت الأصوات قد بدت تخفت, وثمة قطرات مياه علي زجاج الغرفة تنتشر ببطء, ابتسم أحمد في رقدته وأحس بأن الله في جانب المتظاهرين, لأن نزول المطر في تلك اللحظات سيبدد الدخان, وبدأ بالفعل لا يحس بتأثيره, أو هكذا خيل إليه, قد تكون مرت ساعة أو ساعتان أو ثلاث, وصحا عم أحمد علي لمسات الكف الضخمة التي تربت كتفه, أخبره الرجل بأن الأمور قد هدأت وأن الموجودين يرغبون في شكره والرحيل, طلب عم أحمد من الرجل أن يتقبل شكرهم نيابة عنه, وكان قد قرر أيضا أن ينزل من شقته ويذهب ليبيت عند ابنته وأولادها في الدقي, فربما تزيد سخونة الأحداث ليلا ولا يجد أحدا بجواره يعتني به, لذلك وضع أدويته في حقيبته الصغيرة التي يعلقها علي كتفه وهم بالخروج من غرفته, لكنه فوجئ بنفس الرجل مازال موجودا بالمكان وينظر إليه بدهشة وهو يسأله بصوت رقيق: أنت خارج يا عم أحمد في الظروف دي؟, وصاحبه بين رجال الأمن المركزي المدججين بالسلاح والمستنفرين حتي أوقف له تاكسي, مد له أحمد يده الواهنة من نافذة السيارة ليودع الرجل, لكن الرجل فاجأه بتقبيلها بسرعة وغادر المكان مهرولا, ولم يره أحمد بعدها مطلقا.
ثم تصاعدت الأحداث بعدها وأصبحت الليلة.. ليلتين ثم ليالي, وعم أحمد ذو ال67 عاما من العمر علي كثرة ما شاهد من أحداث في ميدان التحرير, كان قلقا ومنزعجا حتي وهو بين ابنته وأحفاده بعيدا جدا عن الميدان.. حتي تلقي مكالمة من أحد الجيران بأن الثوار اعتلوا محل الحقائب أسفل شرفته ودخلوا الشقة ثم فتحوا الباب وأقاموا بها..
(هذه ليست قصة مستوحاة من ثورة 25 يناير, ولا أبدعتها مخيلة روائي, لكنها حكاية حقيقية حدثت للاستاذ أحمد لطفي مستشار تحرير جريدة الأهرام إبدو كما رواها لي بنفسه. هذا الكاتب الصحفي الجميل رحل عن عالمنا مساء الثلاثاء3 يناير الحالي, قبل أن يمر عام علي الثورة التي أحبها بقدر ما أدهشته وجعلته متفائلا في أيامه الأخيرة..رحمه الله)
المزيد من مقالات مكاوى سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.