رفض فقهاء بالأزهر استدعاء الآراء الغريبة والفتاوي الشاذة في الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية للعوام, وشددوا علي ضرورة السكوت عن تلك الآراء وقصرها علي قاعات الدرس للعلم وليس الأخذ بها، لافتين إلي أن إثارة الفتاوي والآراء الفقهية الغريبة والشاذة تبعث علي الفتنة بين الناس والفساد في المجتمع. وجدد العلماء مطالبتهم بتوحيد جهة الفتوي في الأمور المستحدثة وقصرها علي المؤسسات الرسمية, منعا للتناقض وفوضي الفتاوي التي استشرت في الآونة مع بزوغ نجم الفضائيات. ويقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق, إن الذي يستعين بالآراء والأقوال الغريبة والشاذة إما أنه جاهل بأحكام الشرع والإسلام, وإما أنه يعرف الحكم ويرتكب الموبقات والمحرمات بإثارة تلك الآراء علي العامة. وأضاف: إن الإصرار علي إثارة الآراء والفتاوي الغريبة والمهجورة التي تحدث بلبلة بين الناس من أوهام الجهال الذين يريدون أن يعيثوا فسادا في الأرض ويفسدوا الشباب والمجتمعات. فمثل هذه الآراء التي لا إقرار لها من العلماء باطلة وليست صحيحة. والآراء الشاذة والغريبة, حتي وإن كانت قد وردت ولكنها أبطلها المجتهدون من العلماء بعد ذلك, ومن ثم فيكون حكمها حكم الفاحشة. وطالب د. نصر فريد بتوحيد جهة الفتوي ممثلة في دار الإفتاء أو مجمع البحوث الإسلامية أو هيئة كبار العلماء, وأن تخضع كل الآراء أو الفتاوي التي تصدر بالمخالفة لتلك الجهات للعقوبة, كما هو الحال فيمن يمتهن غير مهنته في أمور الدنيا, كمن يشتغل بالطب وهو ليس طبيبا أو الهندسة وليس مهندسا ونحو ذلك. وناشد العامة ألا يأخذوا أمور دينهم إلا من متخصصين ولا يلتفتوا لتلك الآراء الغريبة إلا ما أقرته الجهات الدينية الرسمية كالإفتاء أو مجمع البحوث أو هيئة كبار العلماء. وعلي الإعلام أيضا أن يسكت عما يصدر من فتاوي أو آراء غريبة ولا يروج لها. لأن من ينقل الآراء الغريبة والشاذة للعامة يفسدهم. لاسيما ما يتصل بالفتاوي الحساسة والمؤثرة في المجتمع كما يسمي الآن بالشرعية وعدم الشرعية, الجهاد, المواطنة, وغيرها.فقد نضلل الناس ويترتب علي ذلك دماء وتعريض أرواح وحياة الناس للخطر فمن يتحمل ذلك!!. ونعي فريد واصل علي الذين لا يكترثون بخطورة الإفتاء ويطلقون الفتاوي علي الفضائيات بشكل يثير الجدل والحيرة أحيانا, حتي إننا قد نجد خلافا وتناقضا في المسألة الواحدة, فهذا يجيز وهذا يمنع, وهذا يحلل وهذا يحرم..,وهكذا. وأوضح أن هناك فرقا بين فتوي الخاصة وبين بيان الحكم الشرعي والثقافة الدينية, فبيان الأحكام وتعريف الناس أمور دينهم التي لا يختلف عليها, يمكن لأي عالم أن يقوم به ويقدمه للناس بشكل عام, وليس لشخص بعينه لأنها أمور ثابتة لا تختلف من شخص إلي آخر, أما الفتاوي الخاصة فلا ينبغي أن تصدر إلا عن متخصصين تخصصا دقيقا, وهنا يجب علي الفقيه أن يبين الرأي الراجح في المسألة وهو الفتوي الشرعية في هذا الجانب, وليعلم أن الفتوي هي بمثابة الحكم القضائي.. من جانبه قال الدكتور حلمي عبد الرءوف, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, إن استدعاء الآراء الغريبة والشاذة يؤدي إلي إحداث بلبلة واضطراب بين الناس, فليس كل ما يعلم يقال, وليس كل ما يقال حان وقته, وليس كل ما حان وقته حضر أهله. وإذا كانت هناك آراء غريبة نسبت إلي بعض الفقهاء ولم تنسب إلي غيره, فعلي الفقيه أن يتجنب الفتوي بمثل ذلك. وقال إن الفقيه الذي حمله الله أمانة تعليم الناس أمور دينهم وتفقيههم بالحلال والحرام فإنه لكي يكون مؤهلا لهذه المهمة يجب أن يكون ملما بالغريب والشاذ من الآراء والفتاوي, وأدوات الفتوي والاجتهاد, ومن ثم فإنه يجب عليه الابتعاد عن الغريب والشاذ من الآراء ولا يردد تلك الآراء علي العامة حتي لا يفسدهم. ويجب أن يقتصر ذكره لتلك الأمور والآراء علي قاعات الدراسة والعلم, أي يذكرها للمتخصصين فقط من طلاب العلم, أما العامة من الناس الذين يسألون عن الحلال والحرام فقط فلا ينبغي للفقيه أن يحدثهم بالغريب والشاذ والمثير للجدل من الآراء والفتاوي. كما يجب علي الفقيه في خطابه للعامة أن يذكر لهم القول الراجح الذي رجحه الفقهاء بناء علي قوة الدليل, أما أن يذكر الأقوال كلها ويترك السائل في حيرة من أمره ليختار هو, فإن ذلك ليس مطلوبا من الفقيه, فليس شرطا علي الفقيه ولا واجبا عليه أن يذكر جميع الآراء, بل يكتفي بالقول الراجح, ولا مانع من أن يفتي بقول مرجوح إذا كان في ذلك مصلحة للناس شريطة ألا يؤدي ذلك إلي شيء محرم.