هل يجوز صرف الزكاة لمن عليهم أحكام بالسجن جراء عدم قدرتهم علي سداد ديونهم أو الغرامات المقررة عليهم قانونا؟ أجابت دار الإفتاء, قائلة: إن سهم الغارمين من مصارف الزكاة المنصوص عليها في الآية رقم60 من سورة التوبة, وهي قوله سبحانه وتعالي:( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم(. ومعني الغارمين كما يقول الإمام القرطبي في تفسيره(183/8):( هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم به, ولا خلاف فيه.. ويعطي منها من له مال وعليه دين محيط به ما يقضي به دينه, فإن لم يكن له مال وعليه دين فهو فقير وغارم; فيعطي بالوصفين, روي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه, فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: تصدقوا عليه, فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه, فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك.. وروي عنه عليه السلام أنه قال: إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: لذي فقر مدقع, أو لذي غرم مفظع, أو لذي دم موجع.. وقال أبو حنيفة: الغارم: من عليه دين يسجن فيه) اه. وهذا محل اتفاق بين العلماء, لا نعلم فيه خلافا. وبناء علي ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز إخراج الزكاة للمسجونين في ديونهم. الطلاق المعلق حدثت مشادة كلامية بيني وبين زوجي, وقال لي إن خرجت من البيت بغير إذن فأنت طالق؟ فهل يقع يمين الطلاق إذا خرجت من المنزل بغير إذنه؟ يجيب الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعةالأزهر, قائلا: اختلف الفقهاء في حكم وقوع الطلاق المعلق, إذا تحقق المعلق عليه, ولهم فيه مذهبان: الأول: وهو الذي ذهب إليه الجمهور ومنهم أئمة أهل السنة, أن هذا الطلاق يقع عند تحقق ما علق عليه, سواء كان الذي علق عليه الطلاق فعل من قبل الزوج أو من قبل الزوجة أو من قبل غيرهما, أو أمر سماوي لا دخل للبشر في إحداثه, ومن أدلة الجمهور علي وقوع هذا الطلاق: قول الله تعالي: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان, فقد ورد الطلاق فيه مطلقا غير مقيد بقيد معين, فيشمل الطلاق المنجز والمعلق وغيرهما, وروي عن نافع قال: طلق رجل امرأته البتة إن خرجت, فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بانت, وإن لم تخرج فليس بشيء, وقوله هذا يدل علي وقوع الطلاق المعلق علي شرط بمجرد تحقق الشرط, وقد حدث تعليق الطلاق علي شرط في زمن الصحابة, وأفتوا بوقوعه إذا تحقق المعلق عليه, ولو كان علي وجه اليمين, وبمثل ما أفتوا أفتي فقهاء التابعين وتابعيهم. ولأن الطلاق إنما شرع للحاجة, والحاجة قد تدعو إلي تعليق الطلاق كما تدعو إلي تنجيزه, فقد يقع من الزوجة أمور لا يرضاها الزوج, فيأمرها بتركها, إلا أنها تستمر علي عنادها, ويكره الزوج طلاقها ويرجو صلاح حالها, فيحتاج إلي تعليق طلاقها علي فعل ما يكرهه أو ترك ما يريده, فإما أن تمتنع عما يكرهه وتفعل ما يريده, فيحصل غرضه وتحسن العشرة بينهما, وإما أن تخالف فتكون هي الجانية علي نفسها وهي التي اختارت الفرقة, أما المذهب الثاني: قال به ابن تيمية وابن القيم, إن الطلاق المعلق إن قصد به اليمين فإنه لا يقع, وتجب فيه كفارة يمين إذا حدث المعلق عليه الطلاق, بأن كان المقصود منه حمل الغير علي فعل شيء كان يمتنع منه قبل الطلاق, أو نهيه عن شيء كان لا يكف عن فعله قبله, ودليل هذين علي ما ذهبا إليه: أن الطلاق المعلق إذا كان المقصود منه الحث علي الفعل أو المنع, كان في معني اليمين, فيكون داخلا في قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: من حلف علي يمين فرأي غيرها خيرا منها, فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه, ويرد عليه: بأن الطلاق لا يسمي يمينا علي وجه الحقيقة وإنما علي سبيل المجاز, والأصل أن يحمل اللفظ علي معناه الحقيقي لا المجازي, فتعين إطلاقه علي معني إرادة الفرقة بين الزوجين عند تحقق المعلق عليه. ومن ثم فيرجح مذهب الجمهور, الذين يرون وقوع الطلاق المعلق عند تحقق المعلق عليه, سواء كان علي صيغة اليمين أو علي غيرها, وسواء كان المعلق عليه سببا من قبل الزوج أو الزوجة أو غيرهما, أو سببا لا دخل لآدمي في إحداثه, يضاف إلي هذا أن القول بوقوع الطلاق المعلق يترتب عليه عدم التساهل في التلفظ به, إلا عند إرادة إنهاء العلاقة الزوجية, وحمل الغير علي فعل أمر أو تركه يكفي فيه الحلف باسم الله تعالي, فمن تنكب عن شرع الله سبحانه واتخذ سبيلا آخر يحلف به, فينبغي أن يؤاخذ عليه, خاصة, أن الطلاق يقع من المطلق علي أي وجه كان إيقاعه له, لأنه من الألفاظ التي يستوي الجد والهزل عند التلفظ بها.