في العام الرابع لحكم أخناتون اختار موقعا لعاصمته الجديدة للأبتعاد عن طيبة مركز عبادة' أمون رع' وكهنتها الذين يقاومون بشدة ديانته الجديدة. كما شرع في العام التالي في بناء معبدا جديدا للإله آتون وقصرا كبيرا تحيطهما مدينة كبيرة أطلق عليها اسم' أختاتون' أي( أفق آتون) ونقل مركز الحكم إليها والتي موقعها الحالي تل العمارنة. كانت المدينة تتميز بالتخطيط العمراني الرائع. عنصر الحساسية استحدثه فنان العمارنة لأول مرة في تاريخ الفن المصري. وإذا عقدنا مقارنة بين تمثال من تماثيل الدولة القديمة أو الدولة الوسطي وآخر من عصر ثورة أخناتون الثقافية وبالتحديد تماثيل نفرتيتي وبنات أخ+ناتون وتماثيل الملك نفسه, لوجدنا أن الفنان أبدع في رسم حركات الأيدي والأرجل ورسم النباتات والزهور وأسراب الطيور. والجدير بالذكر أن أسلوب الثورة الثقافية الآتونية الفني قد أهتم بتمثيل أفراد الشعب اهتمامه بتمثيل أعضاء الأسرة المالكة, فظهر فنانون وعمال يقومون بأعمالهم مصورين علي جدران معبد آتون حيث يمكن للمرء أن يشاهد صورهم ضمن الصور الملكية. كما أنه لم يعد جسم الملك ينحت ملتفا في ثياب الإله' أوزوريس', بل حتم أن تنحت تماثيله مع إظهار عيوبه الجسدية وضعفه, ذلك لأن الديانة الآتونية تعتمد أساسا علي الصراحة والوضوح والتحرر, كما تحرص علي التعبير علي النزعات الفردية والحياة الملكية الخاصة وأظهار العواطف الشخصية. ولقد برع الفنانون حقا في بث الحياة في أعمالهم وحاولوا في صدق بالغ التعبير عن الحياة الباطنية المنعكسة علي الوجه. وهذا ما نراه بوضوح في تمثال نفرتيتي الذي يعكس الجمال الطبيعي بصدق وأيضا مظاهر الشيخوخة, أيضا ما أصاب إحدي عينيها. ويعتقد الدارسون لفن النحت بأن الاهتمام الذي أعطاه النحات للرأس علي حساب بقية الجزء الأعلي من الجسم, كان بغرض إعطاء الأهمية لما هو داخل الرأس أي عقل الإنسان, والمقصود بأن نفرتيتي لم تكن فقط جميلة بل ذكية أيضا. وأن رقبتها الطويلة الشهيرة تدل علي الكبرياء والشموخ. في6 ديسمبر1912, عثرت بعثة ألمانية للتنقيب علي الآثار بقيادة عالم الآثار الألماني' لودفيج بور شاردت'علي تمثال الملكة' نفرتيتي' بورشة النحات' تحتمس' بمنطقة تل العمارنة محافظة المنيا, بالأضافة إلي عدد من التماثيل النصفية التي بلا عدد للملكة نفرتيتي, وهو مصنوع من الحجر الجيري ملون بطبقة من الجص. جانبا الوجه متماثلان تماما, وهو في حالة سليمة تقريبا, ولكن العين اليسري تفتقر إلي البطانة الموجودة في اليمني. قزحية العين اليمني من الكوارتز المطلي باللون الأسود والمثبت بشمع العسل, بينما خلفية العين من الحجر الجيري. ترتدي نفرتيتي تاجا أزرق مميز مع أكليل ذهبي, وعلي جابينها ثعبان كوبرا( وهو مكسور حاليا), بالإضافة إلي قلادة عريضة منقوشة بالزهور. الأذنان أيضا بهما بعض الأضرار. والتمثال يعد رمزا للنحت في الفن المصري القديم. كما يعتبر أشهر تمثال من الفن القديم, ولا يماثله شهرة سوي قناع' توت عنخ أمون'. نفرتيتي( والتي تعني الجميلة آتية) هي زوجة أمنحوتب الرابع( الذي صار فيما بعد أخناتون), عاشر فراعنة الأسرة الثامنة عشر الذي حاول توحيد آلهة مصر القديمة حيث تعددت الالهة فيها التي تعبد في مناطقها المختلفة بما فيها الإله الأكبر أمون رع وذلك في شكل الإله الواحد وهو إله الشمس وحدهن ورمز لها بقرصها الذي سماه' آتون'. لقد أحب قدماء المصريين مصطلح' نفر'nefer أي( جميل) وأستخدموه بكثرة, وهو يظهر بعشرات المعاني المختلفة في الأدب المصري كلها معان إيجابية وأدمج في أسماء شخصيات كثيرة, بما فيها تلك الاسماء الشهيرة: نفرتيتي( زوجة إخناتون) ونفرتاري( زوجة رمسيس الثاني أو رمسيس العظيم). والحرف الهيروغليفي لكلمة' نفر' يتكون من رئتين وقصبة هوائية. وما زال كثير من المصريين في عصرنا الحالي يطلقون نفس الاسماء علي أبنائهم وبناتهم مثل: فرت, نوفر, نوفير... الخ. شاركت الملكة نفرتيتي زوجها في عبادة الديانة الجديدة وكانت هي وزوجها أخناتون الوسيط بين الشعب وآتون. وقامت نفرتيتي خلال السنوات الأولي لحكم زوجها بتغيير اسمها طبقا لتغيير عقيدتها إلي' نفرنفرو- آتون نفرتيتي' أي الكاملة في كمال آتون. كانت تساند زوجها أثناء الإصلاحات الدينية والإجتماعية, ثم انتقلت معه إلي أختاتون( تل العمارنة) وظهرت معه أثناء الإحتفالات والطقوس الدينية, وبالمناسبات العائلية المختلفة, حتي في المناظر التقليدية للحملات العسكرية والتي صورت فيها وهي تقوم بالقضاء علي الأعداء. أنجبت نفرتيتي ست من البنات:' ميريت آتون',' ميكت- آتون',' عنخس- إن با- آتون' والتي أصبحت فيما بعد زوجة ل' توت- عنخ أمون',' نفرنفرو آتون تاشريت',' نفر نفرو رع' بمعني( الكاملة بكمال الشمس),' ستب إن رع' وهذا الاسم يعني( التي أختارتها الشمس). يقال أن نفرتيتي توفيت في العام الرابع عشر لحكم إخناتون( الذي حكم لمدة17 سنة منذ عام1353 قبل الميلاد وتوفي في عام1336 قبل الميلاد) ودفنت في مقبرة ب' إختاتون' التي هي تل العمارنة. كان يحلو ل' أخناتون' أن يقول عن زوجته' نفرتيتي':( تلك التي تهدهد للشمس بصوتها الساحر فتشرق الشمس من أجلها). ومازالت الأرض المصرية تحوي الكثير من الكنوز التي لم يتم الكشف عنها بعد. لمزيد من مقالات د. مينا بديع عبد الملك