تكررت حوادث الاعتداء علي القضاة وإرهابهم حتي أصبحت ظاهرة امتدت من قاعات الجلسات ودور العدالة إلي أن وصلت إلي مساكن القضاة ومحال إقامتهم, وأصبحنا نشهد ولأول مرة الوقفات والاحتجاجات والتهديدات أمام وداخل مباني المحاكم المختلفة, التي لم تسلم منها المحكمة الدستورية العليا ودار القضاء العالي ومكتب النائب العام, وأخيرا امتدت هذه الأعمال الإجرامية إلي منازل القضاة لإرهابهم وفرض الرأي عليهم, وهو ما حدث مع المستشار الجليل عضو الدائرة التي تنظر قضية الرئيس المعزول, ومازال تكرار الاعتداءات مستمرا, وهو ما يحتاج إلي وقفة ومناقشة. حيث يقول المستشار إسماعيل حمدي عضو مجلس القضاء الأعلي ورئيس محاكم أمن الدولة العليا وأمن الدولة طوارئ السابق: إنه من المعروف أن واجب السلطة القضائية هو تحقيق العدل وتطبيق القانون تطبيقا صحيحا حسبما يقتنع به القاضي بصرف النظر عن الأشخاص الماثلين أمامه محتكما في ذلك إلي ضميره, ومستعينا بتكوينه المهني والأخلاقي التي تشبع بها, وقد اعترف العالم بالدور المتميز للسلطة القضائية في مصر, وما تتصف به من الجيدة والاستقلال وبتحررها من أي قيود أو نفوذ أو ضغوط أو تهديدات, وهي المستلزمات الأساسية للمحاكمات العادلة والجديرة بالثقة والاحترام.. إلا أنه في الآونة الأخيرة تكررت حوادث الاعتداء علي القضاة حتي أصبحت ظاهرة تهدد استقلال القاضي الذي عهدت إليه حقوق الناس وأصبحت أحوالهم وأرواحهم وديعة بين يديه, وتطورت حوادث الاعتداء من مجرد عبارات وأفعال عفوية غير منظمة إلي أن أصبحت تشكل جنايات إرهاب منظم. ويضيف المستشار إسماعيل حمدي أن جرائم الاعتداء علي القضاة كانت وإلي وقت قريب لا تتعدي جريمة الإهانة بالقول أو الإشارة أو التهديد سواء في أثناء انعقاد الجلسات أو خارجها, ولا تتجاوز في أوقات قليلة جدا جرائم السب وهي الجرائم التي أعطي القانون للمحكمة الحق في إقامة الدعوي علي المتهم في الحال عند حدوثها في الجلسة, وأن تحكم فيها بالعقوبات المقررة بعد سماع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم.. أما حاليا فقد أصبحت الجرائم التي ترتكب ضد القضاء جرائم منظمة, حيث ظهرت في السنوات الأخيرة صور جديدة للتعدي علي دور العدالة ورجالها لم يكن يعرفها المجتمع المصري من قبل, ترتكب بوسيلة معينة هي القوة والعنف والتهديد والترويع, وتستهدف أغراضا خطيرة تقوم بها جماعة لها قيادة ويخضع مرتكبوها لطاعة عمياء للجماعة المنضمين إليها, والتي ترتبط بصلات بجماعات مماثلة خارج الوطن تسعي إلي الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر عن طريق تعريض حياة أفراد السلطة القضائية للخطر, وإلحاق الضرر بمباني دور القضاء, وعرقلة رجاله عن القيام بعملهم, وليس أدل علي ذلك من محاصرة مبني المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من مزاولة عملهم, والحصار المستمر والمتكرر لمبني دار القضاء العالي ومكتب النائب العام ومنع الموظفين بها من ممارسة عملهم, ثم ما حدث من إرهاب وترويع لعضو الدائرة التي تنظر محاكمة الرئيس المعزول وتعريض حياته وأمنه وحريته للخطر, وأخيرا تهديد الرئيس المعزول من داخل محبسه بأنه سيخرج لتطهير القضاء. ويضيف المستشار إسماعيل حمدي أن هذه الجرائم جميعها قد توافرت لها كل الأركان القانونية للجرائم الإرهابية المنصوص عليها في قانون العقوبات دون الحاجة إلي إصدار قانون آخر يجرمه, والتي نأمل في سرعة تقديم مرتكبيها إلي المحاكمة حتي ينالوا العقاب الرادع عما اقترفوه من آثام, وحتي يكونوا عبرة لغيرهم ممن غيبت عقولهم وماتت ضمائرهم. وأخيرا ينبه المستشار إسماعيل حمدي إلي ضرورة إعمال ما تنص عليه المادة التاسعة عشرة من مشروع الإعلان العالمي لاستقلال القضاء الصادر عام1983 من أنه تكفل السلطات التنفيذية للقضاة ولأسرهم الأمن والحماية الشخصية في جميع الأوقات, فضلا عما تنص عليه المادة الثامنة عشرة من ذات الإعلان علي ضرورة أن تكون مرتبات القضاة ومعاشاتهم ملائمة ومناسبة مع ما يقترن به منصبهم من مكانة وكرامة ومسئولية وأن يعاد النظر فيها دوريا من أجل التغلب علي أثر التضخم أو التقليل منهم, فضلا عما تنص عليه الفقرة( ج) من ذات المادة من أنه لا يجوز بلوغ سن التقاعد بالنسبة إلي القضاة العاملين دون موافقتهم.