الفنان الكبير هناء عبد الفتاح الذي رحل عن عالمنا في أواخر أكتوبر من العام الماضي حالة خاصة تدعو الي التأمل والدهشة. ليس فقط لأنه يعشق المسرح الي حد الدروشة.. فكثيرين مثله أفنوا أعمارهم علي خشبة المسرح وفي داخل الكواليس دون أن يتلقوا المقابل المادي أو النجومية التي تكافئ مجهودهم. ولكن الدكتور هناء عبد الفتاح واحد من الفنانين الذين ذاقوا حلاوة النجاح والشهرة الواسعة في طفولتهم.. فعمل في السينما في أفلام ناجحة ومهمة منها الفتوة وباب الحديد ورد قلبي كما وقف علي خشبة المسرح في طفولته الي جوار أساتذة وعمالقة المسرح المصري مثل حسين رياض وأمينة رزق وحسن البارودي في مسرحية إيزيس لرائد التأليف المسرحي الأستاذ توفيق الحكيم ومسرحية ملك القطن للدكتور يوسف إدريس الي جوار شفيق نور الدين وفؤاد شفيق ومسرحية كفاح بورسعيد من تأليف نعمان عاشور وبطولة أمينة رزق وكمال حسين. وغالبا ما يكون مصير الأطفال الذين يتجهون الي الفن في بداية حياتهم هو البحث الدائم عن الأضواء والتواجد من خلال أي عمل لذلك ينطفئوا سريعا. ولا يستمروا بنفس التألق عادة إلا إذا كان الطفل صاحب موهبة تمثيلية خارقة كالنجمة فاتن حمامة مثلا.. وهي ما تمثل استثناء للقاعدة.. لكن هناء عبد الفتاح لم يبحث عن التواجد والاستمرار في مجال الشهرة.. بل قرر بحب وتصميم أن يصبح خلف النجوم مكتشفا لهم كمخرج مسرحي وأستاذ محاضر وناقد فني يؤمن في كل الأدوار التي يلعبها أنه صاحب رسالة تسعي الي ان يكون التجريب المسرحي وسيلة لتفريخ أجيال جديدة من المبدعين وأيضا لإ لتحام المسرح بالجماهير من خلال مسرح الفلاحين والنزول الي الساحات والقري والمصانع وعدم الإكتفاء بعرض التجارب الطليعية في قاعات صغيرة مغلقة لجمهور أغلبه من المثقفين والعاملين في مجال المسرح. لذلك أحسن الباجث والمخرج المسرحي الدكتور عمرو دوارة في إختيار عنوان كتابه د. هناء عبد الفتاح فارس التجريب المسرحي عارضا مشوار الفنان الراحل من كافة الجوانب بأسلوب يختلف كثيرا عن أسلوب كتب المناسبات التي تعد ضمن فعاليات مهرجان أو مناسبة ما. صحيح أن الكتاب طبع ضمن إصدارات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السادسة في نهاية شهر مارس من هذا العام.. لكن الصحيح ايضا ان الكتاب بما احتواه من مجهود علمي مدقق وتبويب غير تقليدي يجعله يرتفع عن المناسبة ليصبح مرجعا هاما عن واحد من أهم صناع المسرح المعاصر في مصر.. لم يحظ بما يستحق من إلقاء الضوء علي ابداعاته ربما لأنه كان يتعمد البعد عن مناطق الضوء الأعلامي لإيمانه بأن المسرح رسالة وحق لكل مواطن في الريف وفي المناطق المحرومة من الخدمة الثقافية. ويقدم د. عمرو دوارة في فصول قصيرة المسيرة الإبداعية لعاشق المسرح هناء عبد الفتاح ثم فصلا عن تجربة فرقة دنشواي أو ما عرف بمسرح الفلاحين.. ثم فصلا عن مسرحه في عيون النقاد وفيه يقول الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي تحليلا لمسرحية رقصة سالومي الأخيرة كان علي الإخراج أن يترجم الصور الشعرية الي أفعال ومشاهد ويوازنها بحضور مسرحي يجند له كل عناصر العرض وأدواته من التامثيل الي المناظر ومن الموسيقي الي الرقص ومن الإضاءة الي المؤثرات الصوتية ومن قطع الأثاث الي الأزياء ولقد حقق المخرج في هذا العرض نجاحا بعيدا ووجد للمشاكل التي أعترضته حلولا لا تخطر إلا لكبار المخرجين... وعن نفس المسرحية رقصة سالومي الأخيرة كتبت الناقدة الكبيرة سناء فتح الله في جريدة الأخبار تقول المسرحية من إخراج الفنان هناء عبد الفتاح وقد أصبح من قلائل مبدعي الإخراج المسرحي في المسرح المصري.. استغل المخرج في نهايةالمسرحية قبة قاعة عرض المسرح القومي وأضاءها لترمز لقبة المسجد الأقصي وشبح يوحنا يحتضن الثائر وكلاهما يرفع يده بعلامة النصر.. ثم فصول عن أفكاره ورؤاه ومقتطفات من كتاباته وأصداء الرحيل.. ولعل من أسباب الدهشة أيضا أن يعود د. هناء عبد الفتاح الي التألق والنجومية في آخر سنوات عمره ليقدم مجموعة أدوار شديدة التميز في السينما وأغلبها مع الفنان الكبير عادل إمام مثل السفارة في العمارة ومرجان احمد مرجان وحسن ومرقص وزهايمر وأيضا دوره في فيلم الشبح الذي جسد فيه شخصية رجل أعمال ثري يريد تزوير قضية لإنقاذ ابنه من جريمة قتل.. وفيلم ابن القنصل الذي أدي فيه دور رجل مشلول صامت ومكتئب ثم يتضح أنه جزء من اللعبة التي يقوم عليها الفيلم. وهناء عبد الفتاح كمخرج وممثل يصعب أن يطويه النسيان