عرائس كثيرة منتشرة في غرفة ابنتي, ولكن رغم هذا فإن أكثر ما يفرحها هو الذهاب إلي مسرح العرائس لمشاهدة عرائس الماريونيت المعلقة, وعرائس الظل التي تطل عليها من خلف الستارة البيضاء, والعرائس القفازية التي يرتديها الممثلون في أيديهم لمداعبتها فتضحك من كل قلبها.. فمسرح العرائس عالم ترفيهي كامل ووسيلة تعليمية ناجحة للصغار في كل بلاد العالم, لذلك فقد تم إدراج العرائس بمختلف أنواعها علي رأس البرامج التعليمية في مرحلة رياض الأطفال وفي جميع المدارس. د. رسمية محمد فرغلي متولي المدرس بكلية رياض الأطفال جامعة القاهرة تؤكد في بحثها تطور العرائس عبر العصور وتوظيفها مع الطفل أن المسرح عبر العصور يعتبر من أهم المظاهر الحضارية المرتبطة بتقدم الأمم ورقيها, ومسرح الطفل بشكل خاص يقوم بأدوار مهمة في تنشئة الصغار في مرحلة رياض الأطفال بل وفي أعمار مبكرة, حيث يساعدهم علي التنشئة الاجتماعية السليمة ويفجر طاقاتهم الإبداعية والسلوكية بطرق سهلة وسلسة ومهضومة. ومسرح الطفل هو الوسيلة الأكثر تأثيرا في تكوين إتجاهاتهم وميولهم وقيمهم وأنماط شخصياتهم, وتعتبر عرائس المسرح واحدة من أهم العروض التمثيلية التي يتم توظيفها في العمليات التعليمية والتربوية في أعمار مبكرة, حيث يتوحد الطفل مع العروسة التي تقدم العرض بأسلوب شيق فيكتسب منها المعارف والمعلومات, والعرائس- أو الدمي- هو فن رائع يعلم الأطفال مهارات الحوار وينمي قدرتهم علي الاستماع, ويستخدم كوسيلة في التنفيس عن انفعالاتهم المكبوتة, وقد عرف العلماء مسرح العرائس بأنه نوع من أنواع التمثيل يتم فيه تحريك العرائس من وراء ستار, ويصلح لعرض الموضوعات التي تخص الطفل ببساطة وبطريقة لاتتوافر في التمثيل العادي, وقد تم إدراج العروسة باستخداماتها المختلفة في الأنشطة المقدمة داخل الفصل, وفي أحيان كثيرة يكون العرض مكشوفا ليتم في الهواء الطلق. وكما يؤكد د.كمال الدين حسين أستاذ مسرح الطفل بكلية رياض الأطفال جامعة القاهرة: أن عرائس الماريونيت هي الأسرع في توصيل المعلومة التعليمية إلي الأطفال في مناخ من التسلية البعيد عن جفاف الدروس المدرسية, رغم هذا فإن تصنيعها يتم بأقل تكلفة ممكنة ومن الخامات المتاحة في البيئة( من الخشب أو عجينة الورق المكونة من الورق المقوي والنشا أو الصوف) ويمكن لعرائس الماريونيت التي تتصل أجزاءها بفواصل من المعدن أو الخيط أن تقوم بتمثيل معظم شخصيات الإنسان ومختلف أنواع الحيوانات, وهي بارعة في تقمص الأشباح التي تجذب الأطفال وتثير حماسهم, ويسهل لعروسة الماريونيت الدخول في حياة الأطفال لأنها خفيفة الوزن رغم كبر حجمها وألوان ملابسها الجذابة, ومن عرائس الماريونيت بكار وفلفل وسمسم وغيرها, ومن العرائس الأقرب إلي قلوب الأطفال والأكثر شعبية بينهم عرائس القفاز, وهي تلك التي يرتديها العارض في إحدي يديه أو في كلتيهما كالقفاز, وتعتمد حركاتها علي مهارة الأصابع ومن ثم تتطلب من العارض أو الممثل أن يكون ماهرا حتي يستطيع أداء دوره بما تتطلبه من تعبيرات وإنفعالات فيعيش الأطفال أوقاتا من المتعة الممزوجه بالمعلومات, أما عرائس خيال الظل فهي عبارة عن عرائس متحركة مجسمة أو تتخللها الثقوب, يتم تشغيلها من وراء شاشة بيضاء تسمح بمرور الضوء من خلفها ويوضع بالقرب منها مصباح فتعطي خيالات تمثيلية بها كثير من الإثارة, وجميع عروض عرائس خيال الظل تكون من اللونين الأسود والأبيض فقط, وعرائس العصا أو القضبان وهي عرائس يتم تصنيعها من العصي ومواد صناعية معينة يسهل تشكيلها علي شكل كل دمية, وترسم تقاطيع وجهها حسب الدور الذي تلعبه أو تقوم به, وأكثر مايلفت النظر لهذه العرائس ألوانها الكثيرة الزاهية, أما عرائس القناع فهي عبارة عن اقنعة ترتديها المعلمة- أو الراوي- ويكون القناع علي هيئة كائن حي أو جامد, وترتدي كل شخصية الملابس الخاصة بها, ويكون العرض بتحريك شخصيات الرواية أو القصة. وترجع نشأة مسرح العرائس إلي أجدادنا الفراعنة وقدعرفت بمسرح الدمي, حيث عثر علي بعض منها في مقابر الأطفال, كما أشارت الدراسات إلي وجود بعض منها في الرسوم المنقوشة علي الآثار الفرعونية, وقد كان أول مسرح للعرائس في مصر علي ضفاف النيل وذلك من نحو أربعة آلاف سنة, وقد شهدت مصر القديمة أول عرض مسرحي فرعوني, وأسطورة إيزيس وأزوريس القديمة كان لها أهمية كبري في عالم العرائس الفرعونية, وفي العصر الإسلامي لم يقف الإسلام أي موقف معارض لصنع الدمي, وقد استثمر الفنان المسلم الخامات المحيطة به لصنعها مثل الطين والفخار والعظم والورق والقماش. وقد ظهرت عروسة المولد في العصر الفاطمي, وفي العصر الحديث نال مسرح العرائس إعترافا كاملا بدوره الإنساني ورسالته الخيرة فزالت من أمامه السدود وفتحت أمامه الدروب فوصل إلي قلوب الكبار والصغار علي حد سواء. وقد أنشيء أول مسرح للأطفال في أمريكا عام1903, وأول مسرح للعرائس بمصر في أواخر الخمسينات وكانت أول عروضه هي الشاطر حسن, ومن أشهر الأوبريتات التي قدمها مسرح العرائس والتي استلهمها من التراث الشعبي أوبريت الليلة الكبيرة. ومن هذا المنطلق فقد أوصت دراسة د.رسمية متولي بضرورة استخدام العرائس في مختلف الأنشطة المدرسية للأطفال في مرحلة رياض الأطفال, وأهمية تدريب المعلمات علي طريقة صنعها واستخدامها في الفصل وليس علي المسرح فقط, ولفت أنظار الأطفال لأهمية التراث الشعبي بتقديم العديد منها مثل حمار شهاب الدين, والأميرة والأقزام السبعة, ومغامرات كوكو, والحصان الطيار, ومغامرات البحار الغريق, وعلي بابا والأربعين حرامي, وكهرمانة, وشقاوة سمسم, خاصة أن جميعها يشارك حاليا في العديد من المهرجانات الدولية.