تخبط ورهان سيئ هما شعارا المرحلة الحالية للسياسة الأمريكية تجاه مصر بعد قرار الولاياتالمتحدة بتجميد بعض المساعدات العسكرية والمالية, وهوما تحفظ عليه بشدة وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيين جون كيري وتشاك هاجل, مما يعطي انطباعا سلبيا للعالم ويؤكد الانقسام داخل البيت الأبيض نفسه حول هذا القرار الخاطئ كما وصفته وسائل الاعلام الامريكية,واعتبره السيناتور جون كيري بمثابة تخلي واشنطن عن مسئولياتها تجاه دعم الديمقراطية في دول الربيع العربي. ولعل ابرز مثال علي تضارب الموقف الأمريكي هو المؤتمرات الصحفية والبيانات والاتصالات التي يجريها كبار المسئولين الأمريكين وتحمل رسائل مغايرة تماما لتصريحات البيت الابيض, ومنافية ايضا لما هو علي أرض الواقع, واتضح ذلك في اتصال وزيرالدفاع الأمريكي تشاك هاجل بنظيره الفريق أول عبد الفتاح السيسي حين أكد له ان الولاياتالمتحدة ملتزمة بدعم مصر في قضايا الأمن والارهاب وتأمين الحدود ونشر الاسلحة بما يخدم الجانبين, وأن مسالة تعليق جزء من المعونات العسكرية هي مسالة مؤقتة, وقد بدا هذا الاتصال وكانه تبرير أو تخفيف من وطأة تصريحات الرئيس الامريكي باراك أوباما تجاه مصر. وتؤكد مصادر دبلوماسية وعسكرية مهمة في واشنطن أن الادارة الأمريكية تشن حربا معلوماتية علي مصر تدار باسم الديمقراطية في ظاهرها, وتدعم في متنها جماعة تمارس الارهاب باسم الدين. وقد تجلي ذلك واضحا في تخلي الولاياتالمتحدة عن حليف مهم كمصر في مرحلة تحولها الديمقراطي, ورهانها علي فصيل خاسر وهو جماعة الاخوان المسلمين التي لفظها الشعب في30 يونيو الماضي, ومازالت أمريكا تدعمها حتي بعد أن أصبحت في حالة فرار بعيدا تماما عن المنطق والحس السياسي. وتجلي موقف مصر واضحا وقويا للغاية عندما وجه وزير الدفاع المصري رسالة شديدة اللهجة الي نظيره الأمريكي ردا علي تجميد المساعدات العسكرية, مفادها أنه مهما بلغ احتياج مصر والقوات المسلحة لهذه المساعدات فان الشعب المصري يرفض الضغوط الخارجية من أي دولة كانت, ولا يسمح باي تدخل من شأنه أن يؤثر في قراراته المصيرية. كما شدد مجلس الوزراء علي ضرورة مواصلة تنفيذ خارطة الطريق التي وضعها الشعب ذاته جنبا الي جنب, مع مكافحة الارهاب,مستنكرا قرار قطع المعونة عن مصر في هذا التوقيت الحرج,أما وزارة الخارجية المصرية فقد انتقدت القرار بشدة ووصفته بانه غير الصائب من حيث المضمون والتوقيت, مؤكدة أن مصر ستتخذ قراراتها الداخلية باستقلالية تامة بعيدا عن اي ضغوط او مؤثرات خارجية. ويري النائب السابق لرئيس أركان القوات المسلحة المصرية اللواء محمد علي بلال أن واشنطن تعلم جيدا أن نوعية المساعدات العسكرية التي جمدتها كمروحيات الاباتشي, تعتمد عليها القوات المسلحة المصرية بشكل أساسي في حربها علي الارهاب في سيناء, لافتا انه بعد أن تصاعدت وتيرة الارهاب في مصر وازدادت أعداد السيارات المفخخة مؤخرا كان لابد أن تتخذ الولاياتالمتحدة موقفا مغايرا لدعم مصر في القضاء علي معاقل الارهاب عوضا عن وقف المعونات العسكرية. وقال ان المساعدات ليست منحة أمريكية لمصر انما هي حصة عسكرية نصت عليها اتفاقية كامب لطرفي السلام مصر واسرائيل, ووقفها يفتح الباب لاعادة النظر في بنودها ككل. الجدير بالذكر أن قرار وقف أو تعليق المساعدات لمصر ليس بجديد علي الاطلاق, فقد بدأ مباشرة عقب ثورة30 يونيو بعد أن أوقفت طائرات اف16, ثم اضافت لها مروحيات الاباتشي وقطع غيار الدبابات الهجومية في محاولة منها لتقليم أظافر مصر بعد أن نجحت بشكل كبير في القضاء علي أكثر من70% من بؤر الارهاب في سيناء حتي الان. وقد وصفت مجلة كومنتاري الأمريكية علي موقعها الالكتروني قرار قطع المساعدات العسكرية عن مصر بانه أكبر خطأ يمكن أن تقع فيه الادارة الأمريكية, مشيرة إلي انه سيترتب عواقب كثيرة علي هذا القرار, اهمها تراجع النفوذ الأمريكي, كما انه سيدفع بمصر في اتجاه مغاير بحثا عن حليف آخر وسيكون موسكو بالتأكيد مع عودة الزخم الروسي في المنطقة علي يد الرئيس فلاديمير بوتين,محذرة من مغبة تفسير هذه الخطوة بانها دعم لجماعة الاخوان وأنصارها علي حساب شرعية الشعب الحقيقية في مصر. ويري الصحفي الكبير بيير روسلان في مقال له في صحيفة لوفيجارو الفرنسية أن قرار تعليق المساعدات الأمريكية الجزئية العسكرية الي مصر يتم في شكل عقوبة أمريكية لدفع النظام المصري علي مسار الديمقراطية, ويؤكد مدي فقدان الولاياتالمتحدة لنفوذها في الشرق الأوسط. وقال ينبغي علي الولاياتالمتحدة أن تدعم النظام المصري اذا كانت واشنطن تريد الدفاع عن أولوياتها الأساسية في المنطقة, والحفاظ علي اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد نشرت حوارا مع السفير الأمريكي السابق لدي الأممالمتحدة جون بولتون وصف فيه جماعة الاخوان المسلمين بانها جماعة أيديولوجية مسلحة تواجه معارضيها بالسلاح وتحرق الكنائس وتدخل في مواجهة الجيش المصري مطالبة بشرعيتها هي وليست شرعية الشعب.وطالب بولتون الولاياتالمتحدة اما الانحياز للجيش والشعب المصري أو جماعة الاخوان المسلمين. وبصرف النظر عن تجميد المعونات العسكرية والعقوبات التي تمارسها أمريكا من أجل في دعمها المستميت للجماعة باسم الشرعية المزعومة, فان ما حدث في30 يونيو و26 يوليو من خروج ملايين المصريين للشوارع معربين عن رفضهم لحكم الاخوان, وتفويض وزير الدفاع لمحاربة الارهاب وارتفاع صوت الشارع منددا باي ضغوط خارجية علي ارادته الحرة, قد اربك الادارة الامريكية التي وجدت نفسها عاجزة عن التعامل مع الأوضاع الجارية في مصر لاسيما بعد أن ضرب المصريون عرض الحائط بالمعونة الامريكة وهو ما زاد المشهد تخبطا وتعقيدا في واشنطن.