في وقت تتزايد فيه أزمة الطاقة التي تتمثل في النقص الشديد في مصادرها بمصر, وارتفاع الدعم الذي يجب أن توفره إلي نحو100 مليار جنيه سنويا.. ما زالت المحاولات مستمرة للبحث عن مصادر بديلة يمكن أن تساعد في تخفيف حدة الأزمة والقضاء عليها, ومن ذلك مشروعإنتاج الغاز من مخلفات الماشية الذي يمكن أن يوفر2.5 مليار جنيه لمصر سنويا, وبدأ تطبيقه بالفعل في بعض قري محافظتي الفيوم وأسيوط, علي أن يتم افتتاحه رسميا يوم26 أكتوبر الحالي. صفحة' البيئة' عاينت هذا المشروع الواعد, لتوفير الغاز الحيوي, بإحدي قري محافظة الفيوم لنري بأنفسنا كيف يتم استخدام روث الحيوانات لإنتاج غاز الميثان الذي يذهب مباشرة كوقود نظيف إلي أجهزة البوتاجاز في بيوت الفلاحين؟ فكرة بسيطة التجربة كانت أحد ملامح مشروع طموح تنفذه وزارة البيئة حت مسمي' مشروع الطاقة الحيويةللتنمية الريفية المستدامة', وقام حتي الآن بإنشاء مائة وحدة لإنتاج البيوجاز في قري محافظتي الفيوم وأسيوط, ويستهدف الوصول إلي ألف وحدة, وسيتم افتتاحه رسميافي26 اكتوبر الحالي بأسيوط بحضور وزيري البيئة والإسكان. وقد بلغت تكلفته نحو4 ملايين دولار, مناصفة بين الحكومة المصرية, ومرفق البيئة العالمي. فكرة المشروع بسيطة, ويسهل تنفيذها في كل قري مصر, ولا تحتاج إلي إمكانات باهظة التكاليف أو تكنولوجيا مستوردة, لكنها تحقق بالفعل فوائد بيئية واقتصادية كبيرة, شرحها لنا كل من: أحمد مدحت, ونيفين مصطفي, الخبيرين العاملين الوحيدين بالمشروع, ويقومان بكل الجهد لإنجاحه, والترويج له. الفكرة تقوم علي إيجاد حفرة عميقة أسفل' زريبة' المواشي أو في أي مساحة قريبة من منزل الفلاح, ثم بناء قبو داخل الحفرة بالطوب الأحمر ذي مخرجين خارجها.. الأول لوضع روث الحيوانات والماء.. والثاني لخروج السماد من جهة مقابلة, وفي منتصف القبو تجويف يتجمع فيه غاز الميثان, الذي يتكون نتيجة عمل البكتريا الموجودة في أمعاء الحيوانات مع الخليط.. ويخرج من هذا التجويف خرطوم يحمل الغاز إلي البوتاجاز مباشرة, بينما يخرج السماد العضوي تلقائيا من المخرج الثاني. ويحدد حجمالقبو كمية الروث والماء المطلوبين, ليتجمع فيه حجم الغاز اللازم, وعلي سبيل المثال فإن50 كيلوجراما من الروث, تتوافر من3-4 من الماشية مضاف إليها50 لترا من الماء تعطي مترين مكعبين من الغاز يوميا أي60 مترا مكعبا شهريا تعادل24 كيلو من البوتاجاز أي أسطوانتين شهريا, وبمضاعفة حجم البناء وكمية الروث والمياهتتضاعف كمية الغاز. مهارة وتدريب الفكرة بسيطة وفعالة, لكن تنفيذها- كما يقول أحمد مدحت- يحتاج إلي مهارة فنية وتدريب لعمال البناء لمراعاة نسبة الفراغات داخل حجرة التخمير, وتوعية الفلاحين بالمكاسب الاقتصادية والبيئية, التي تنتج عنه, وتوفر له إلي جوار ما يعادل أسطوانتين من الغاز شهريا نحو سبعة أطنان سنويا من السماد العضوي, وهذه الكمية من السماد تعطي نفس القيمة لما تعطيه ستة' شكائر' من السماد الآزوتي و12 شيكارة سوبر فوسفات, وهذا النظام بأكمله يوفر للفلاح نحو1250 جنيها سنويا بالأسعار الرسمية, والعمر الافتراضي له25 عاما. ويشير إلي أن هذه الطريقة مستخدمة في الهند, وبعض دول آسيا منذ15 عاما في ما يزيد علي25 مليون منزل, ويمكن لوحدة إنتاج الغاز أن تعمل لمدة40 يوما في حالة عدم تغذيتها بالروث, وتحتاج إلي20 يوما لبدء تصاعد الغاز بعد إنشائها, ويتكلف إنشاء الوحدة الصغيرة5.5 ألف جنيه بشروط ميسرة, كما أن المشروع مفيد للبيئة لأنه يحد من التلوث, ويوفر سمادا طبيعيا يساعد علي إخصاب التربة, ويقلل من استخدام الكيماوي, ويفيد الصحة العامة, إذ إن تراكم الروث قرب المنازل يسبب أمراض الصدر والتهاب العيون, ويسد الترع والمصارف ويلوث المياه. ويقول: ثروة مصر من رؤوس الماشية يقدر بنحو8.5 رأس, منها7.5 مليون رأس يملكها الفلاحونيمكن أن تنتج3.8 مليون متر مكعب من الغاز سنويا تساوي43.5 أسطوانة بوتاجاز أي ما يساوي12.5 % من استهلاك المصريين, ويمكن للمشروع أن يوفر ما قيمته2.5 مليار جنيه سنويا. فلاحون.. وباحثون وتقول نيفين مصطفي: نجحنا خلال3 سنوات في مساعدة الفلاحين علي إنشاء مائة وحدة في قري الفيوم وأسيوط, وهذا النجاح شجع الباحثين في الجامعات علي إعلان الرغبة في المشاركة, كما لقي المشروع تجاوبا كبيرا مؤخرا.. بعد أن واجهتنا مصاعب كبيرة في إقناع الفلاحين عند بدايته, وخفف كثيرا من معاناة المرأة لأنها غالبا المسئولة عن التخلص من روث الماشية وشراء الغاز بالإضافة إلي أعبائها الأخري. وقد بدأنا في التوعية بالمشروع بالتعاون مع برنامج القري الأكثر فقرا, ونتعاون مع جهاز تنمية القرية لتسهيل حصول الأهالي علي قروض, كما نقوم بتدريب الفنيين لدي أحد المراكز المتخصصة بوزارة الإسكان, وسنبدأ في تنفيذ900 وحدة جديدة بعد قبول طلبات الراغبين من قري الفيوم وأسيوط, كما تلقينا500 طلب منها حتي الآن. وتضيف: بدأنا أيضا من خلال التعاون مع إحدي المؤسسات الخيرية بالصعيد, ولديها نحوخمسة آلاف رأس ماشية لاستخدام الروث في إنتاج الغاز لتسويقه تجاريا أو لإنتاج الكهرباء وفي قرية المظاطلي بمركز طامية بالفيوم, التي يوجد بها نحو50 وحدة, حيث شاهدنا تطبيقا عمليا,ولمسنا تجاوب الأهالي مع المشروع, ومطالبة الأهالي بالمساعدة الفنية كي يناسب الغاز المستخرج أفران الخبز بالإضافة إلي بوتاجازات الطهي. وفي الختام: التجربة تستحق الإشادة والدعم; للتخفيف من حدة أزمة الطاقة بمصر, التي يجب أن ندبر لها الموارد, ما استطعنا إلي ذلك سبيلا.