جاء قرار مشيخة الأزهر, بتفعيل لجان الفتوي بجميع محافظات الجمهورية, وربطها بالإدارة المركزية للفتوي بالجامع الأزهر, واختيار مفتين جدد بالتنسيق مع دار الإفتاء ووزارة الأوقاف, ليشكل بادرة أمل في انهاء ظاهرة فوضي الفتاوي, ونشر المنهج الوسطي المستنير بين عامة الناس. وأكد علماء الأزهر أن الفتوي لابد أن تكون من جهة متخصصة, وأن الاختلاف في الآراء جائز بشرط البعد عن التعصب والتشدد لآراء بعينها وحول دوافع القرار وأهدافه وآليات تطبيقه علي أرض الواقع, يقول الدكتور عباس شومان أمين عام هيئة كبار العلماء ووكيل الأزهر, إن تفعيل لجنة الفتوي المركزية بالمشيخة والتي تتبعها إدارات فرعية في مختلف المحافظات والمدن بعد تراجع دورها لسنوات عديدة مضت, وربطها إلكترونيا بشكل هرمي بالإدارة المركزية للفتوي بالأزهر, يهدف الي ضبط ساحة الفتوي التي اختلط فيها الحابل بالنابل, ونشر المنهج الوسطي المستنير. وأوضح أن القرار صدر بعد دراسات مستفيضة لدور إدارة الوعظ بالأزهر, وآليات تفعيلها التي تضمنت عددا من التوصيات من أبرزها تنظيم دورات لتدريب الوعاظ الذين يتولون أمور الإفتاء في تلك المراكز بشكل جيد يتناسب مع العصر ومتغيراته السريعة المتلاحقة, وذلك بالتنسيق مع وزارة الأوقاف ودار الإفتاء, وتوفير كل متطلبات الوعاظ التي تعينهم علي أداء رسالتهم التي يحتاجها الأزهر بشدة في تلك الفترة. واختيار الأعضاء الذين تتوافر فيهم شروط الإفتاء ليكونوا أعضاء ثابتين في اللجان الفرعية بالمحافظات للإجابة عن أسئلة الجمهور وحل مشكلات الناس الخاصة بالأمور والأحوال الشخصية والمعاملات. البعد عن التعصب وفي سياق متصل, يؤكد الدكتور القصبي زلط, عضو هيئة كبار علماء الأزهر, أن القرار الصادر من المشيخة قرار صائب, فلابد أن تكون الفتوي لأهل التخصص وأن تبني علي الرأي الراجح وليس علي الآراء الشاذة أو الضعيفة, وأن يكون المفتي أو من يتصدي للفتي ذا علم بفقه المذاهب واختلاف الآراء والراجح منها. وأضاف: إن الفتوي لابد أن تكون من جهة مختصة أو عالم متخصص وإن اختلاف الآراء في الفتوي لابد أن يبني علي دليل, فالاختلاف لا حرج فيه, ولكن بعض من يتصدي للفتوي يتمسك برأي واحد ويتعصب له, وقد يكون هذا الرأي مخالفا لجمهور الفقهاء ولكنه يفتي به معتقدا أنه الصواب, وأن من يخالفه علي خطأ, مع أن أئمة المذاهب يقولون:( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب). شروط الإفتاء وليحقق القرار نتائجه المرجوة, ويستعيد عامة الناس الثقة في الوعاظ المعاملين بتلك اللجان, يري الدكتور محمد دسوقي, أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة, ضرورة الإعداد الجيد لمن يعهد إليهم بالفتوي, وهي مرحلة تحتاج إلي بعض الوقت من حيث الدراسة وإجراء الاختبارات التي تؤهلهم لأن يتصدوا للإفتاء بصورة وافية. وأضاف: وليس كل من يحمل شهادة عليا يمكنه أن يقوم بدور المفتي خاصة أننا نعاني في حياتنا الجامعية من ضعف المستوي العلمي للخريجين, بل إن الأمر تجاوز الدرجة العلمية الأولي وتعداها إلي مرحلة من يحملون الماجستير والدكتوراه, ومن هنا فإن درجة الإفتاء تعني درجة المجتهد الذي يستطيع أن يقارن بين المذاهب ويستخلص منها ما يحقق مصلحة الناس دون خروج عما هو معلوم من الدين بالضرورة. وطالب بإجراء اختبارات وتنظيم مسابقات لاختيار من يسند إليهم هذا العمل الجليل سواء علي مستوي القاهرة أو المحافظات, وأن تعقد لهم دورات علمية توضح لهم الخصائص العامة للتشريع الإسلامي والقضايا الكلية للفقه وأصوله, وأن تكون الفتوي بشكل عام صادرة من عدد من الأفراد ولا تقتصر الفتوي علي شخص واحد. وأوضح أن الفتوي مهمة خطيرة لأنها تتناول قضية الحلال والحرام في الإسلام, وكل من يتصدي لها لابد أن تكون لديه دراسة علمية معمقة في التراث الفكري بحيث يستطيع أن يستخرج منه الحكم الذي يعالج المشكلات العملية الواقعية في حياة الناس, ومن هنا لابد للمفتي أن يكون دارسا دراسة معقولة للفقه الإسلامي وأصوله وعلي دراية بالواقع المعيش والبيئة التي تحيط به, لأن الفقه كله مهمته علاج مشكلات المجتمع وهذه المهمة لا يمكن أن يقوم بها مفت إلا إذا كان لا يتعصب لمذهب معين, وأن يراعي الاعتدال والوسطية, وأن يكون بعيدا عن الأهواء السياسية حتي يتقبله الناس وتكون فتواه خالصة لوجه الله تعالي, وللمجتهد في الفقه الإسلامي شروط بينها الفقهاء بصورة كاملة, ولابد للمفتي أن تتوافر فيه هذه الشروط, إضافة إلي الوقوف علي المقاصد العامة للأحكام الشرعية, فالله تبارك وتعالي يشرع ليحقق لخلقه مقاصد شرعية تنفع في الدنيا والآخرة, وبذلك أجمع جمهور الفقهاء علي أنه إذا تحققت المصلحة بضوابطها الشرعية فثم شرع الله.