مع تصاعد وتيرة الأحداث خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الماضي وما صاحبها من تداعيات و محاولات لتأجيج فتن طائفية, لم يلتفت كثيرون لخبرين قصيرين بتاريخ26 و27ديسمبر.2011 فحوي الخبر الأول, وقوع انهيار بالجهة الجنوبية تحت المدخل الرئيس لمسجد عين سلوان التاريخي وروضة الطفل المسلم في مجمع عين سلوان جنوبي المسجد الأقصي المبارك حيث وقع الانهيار في مدخل الأنفاق التي يحفرها المستوطنون داخل النفق الموصل من عين سلوان شمالا باتجاه المسجد الأقصي نتيجة تفريغ الاتربة والصخور منه مما تسبب في ظهور تشققات في الشارع الرئيسي ومدخل المسجد والروضة وفي اليوم التالي مباشرة طالعنا خبرا عن عزم جمعية إلعاد الاستيطانية بناء مجمعين تجاريين في سلوان,الأول مساحته8400 متر في منطقة وادي حلوة علي بعد أمتار من السور الجنوبي للمسجد الأقصي ويشمل طابقا ارضيا كموقف للسيارات يخدم زوار حائط البراق وفي الطوابق العليا قاعات ومعارض ومطاعم ليتمكن زوار المبني من مشاهدة الآثار اليهودية وخاصة جبل الهيكل ومنطقة سلوان( التي تمثل حسب ادعائهم بداية الدولة اليهودية الأولي مدينة داود) والمبني الثاني من3000 متر في منطقة العين حيث سيقام متحف توراتي وغرف زجاجية ليتمكن الزوار اليهود من مشاهدة الآثار اليهودية القديمة. خبران علي قدر قلة كلماتهما, علي قدر خطورة دلالتهما, فعمليات تهويد القدس وتجريف التراث المسيحي و الإسلامي تتم علي قدم وساق في عين سلوان, لانزال في مصر و العالم العربي نفتعل قضايا وخلافات و كأننا نرفض أن نواجه أو نري ما يحدث أو ما ينتظرنا!! وهنا لابد أن نتوقف برهة لنتعرف علي منطقة سلوان ومكانتها في قلوب مسيحيي ومسلمي المنطقة العربية ومصر الذين انشغل نفر منهم بمشكلة طائفية مختلقة وتناسوا انتهاكا يهدد مقدساتهم. فالنفق الذي بات يهدد الأقصي بدأ حفره منذ اكثر من10 اعوام علي بعد100 متر من الناحية الجنوبية الشرقية للمسجد الاقصي المبارك. أما عين سلوان نفسها التي يعرفها البعض باسم عين ستنا مريم أو عين جيحو فلها مكانة خاصة بالنسبة للمسيحيين لأن المسيح عليه السلام استعمل ماءها لشفاء الرجل الأعمي. ويقال آن السيدة مريم العذراء غسلت بمائها ملابس الرضيع عيسي عليه السلام ولهذا سميت أيضا بعين العذراء. كذلك فقد جاء ذكرها في أكثر من كتاب, فقال عنها ياقوت الحموي عين سلوان عين نضاحه يتبرك بها ويستشفي منها قدس بالبيت المقدس. وفي السفر نامة يصفها ناصر خسرو قائلا ويقال إن من يستحم من ماء هذه العين يشفي مما ألم به من الأوصاب والأمراض المزمنة وذكر عن أبي العلاء المعري قوله وبعين سلوان التي في قدسها طعم يوهم انه من زمزم. كذلك فقد حظيت العين باهتمام كل من عثمان بن عفان وصلاح الدين الأيوبي, فرممها الأول ووسعها, بينما اوقفها الثاني علي فقراء المسلمين في بيت المقدس. في ذات السياق نجد أن السلطات الإسرائيلية تروج لفكرة أن قناة سلوان( بنيت في عهد داود عليه السلام, رغم أن الدراسات تؤكد أنها قناة يبوسية يعود تاريخها إلي أكثر من1800 سنة قبل الميلاد. ويشرح الأثري د.عبد الرحيم ريحان البعد التاريخي للمنطقة فيقول يرتبط تاريخ عين سلوان بتاريخ القدس حيث شكلت مصدر المياه الأساسي منذ الفترة الكنعانية عبر قنوات بناها العرب بناة القدس القدس الأصليون منذ3000 عام قبل الميلاد وما زالت آثارها قائمة حتي اليوم والعين عبارة عن نفق صخري تحت الأرض بطول533 م حتي يصل إلي بركة عين سلوان في الجهة المقابلة مما يعرف بوادي الحلوة حيث مجمع عين سلوان. والعين ذات قداسة خاصة لدي المسيحيين وتحوي أديرة عديدة منها دير اليونان الأرثوذكس ودير بطرس صياح الديك وفي العصر الإسلامي كان لها مكانة خاصة, فعين سلوان التي تبلغ مساحتها57 ألف متر مربع وتبعد300 م عن الزاوية الجنوبية الشرقية لسور الأقصي تحوي العديد من المساجد منها مسجد عين سلوان ومسجد عين اللوزة ومسجد بئر أيوب ومسجد بلال بن رباح والبيوت التي تريد سلطة الاحتلال هدمها بحي سلوان بحجة أنها بدون ترخيص وهي بيوت تاريخية يعود تاريخ بناء عدد كبير منها للفترة ما بين1860 إلي1920 آي قبل الاحتلال الإسرائيلي وإذا ما أضفنا إلي ما سبق تقرير التجاوزات التي تمت في منطقة سلوان منذ1-1-2011 والتي تضمنت هدم منازل ومنشآت و الاعتداء علي( مسجد عين سلوان, مسجد محمد الفاتح, مسجد الزهراء, مسجد بئر أيوب) و3 اعتداءات علي ممتلكات وأراض تابعة للكنيسة, وما سبق من تحذيرات أطلقتها مؤسسة الأقصي للوقف والتراث قبل سنوات بشأن عمليات الحفر التي تقوم بها سلطة الآثار الإسرائيلية يسار مسجد عين سلوان بتمويل ورعاية جمعية إلعاد الاستيطانية ضمن شبكة أنفاق تحفر في حي سلوان علي امتداد مئات الأمتار مرورا بمسجد عين سلوان والمنازل المجاورة.وصولا للمسجد الأقصي, مما يهدد بتدمير المنطقة بالكامل, و تحويل هضبة سلوان إلي ثكنة عسكرية والادعاء بان الآثار الإسلامية التي كشف عنها انهيار السور الملاصق لمدرسة البنات في سلوان أثار الهيكل, يتأكد لنا أن الهدف الحقيقي هو تهويد القدس بشكل كامل وطمس الهوية العربية المسيحية الإسلامية لإنشاء مدينة سياحية دينية يهودية تحت الأرض. وإذا ما عدنا بالذاكرة للوراء قليلا فستطالعنا أكثر من صورة, من بينها معركة فلسطين للانضمام لليونسكو واستمرار تحدي إسرائيل للقرارات الدولية( قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم2253 الذي يتضمن عدم القيام أعمال تنقيب عن الآثار أو نقل هذه الممتلكات أو تغيير معالمها والمحافظة علي المواقع والمباني والآثار وغيرها من الممتلكات الثقافية وقرارات اليونسكو343,342 الخاصة بالمبادئ الدولية لأعمال الحفريات الأثرية وتبني المكتب التنفيذي للجنة التراث العالمي في دورته رقم26 في2002 مشروع قرار لإدانة إسرائيل نتيجة الأضرار التي لحقت بالتراث الثقافي في الأراضي الفلسطينية وخصوصا كنيسة المهد والمركز التاريخي لمدينة نابلس بما في ذلك المساجد ومدينة الخليل العريقة, باعتبارها جريمة بحق تراث الإنسانية المشترك وتأكيد أن كون المواقع المذكورة ليست مدرجة علي لائحة التراث لا يعني انتفاء تمتعها بقيمة عالمية استنادا إلي المادة12 من ميثاق التراث العالمي ودعوة المدير العام لليونسكو للتصدي لمواصلة تدمير التراث الثقافي في الأراضي الفلسطينية,ربما تتكشف لنا الزوايا الخفية في الصور, صور لواقع حقيقي يتجسد علي الأرض.. واقع يعمل علي تزييف التاريخ وطمس الهوية, بينما لانزال نحن نختلق معارك خرافية ونؤجج نعرات طائفية غير حقيقة ننهيها بكلمات ولقاءات تجاوزتها اللحظة..واليوم ومع بداية عام جديد و غداة عيد الميلاد المجيد نقدم التهنئة في شكل دعوة نرجو أن يتبناها الجميع. دعوة أن تتحول كل كلماتنا عن وحدة الدم و المصير لمبادرات حقيقية تجمع الكنيسة و الجامع في مشاريع مشتركة لحماية تراثنا وتاريخنا وحاضرنا قبل أن نصبح أثرا بعد عين..أن تشترك الكنيسة والجامع في مشاريع لمحو الأمية و الرعاية الصحية أو التنمية الثقافية للمجتمع لندرك من خلال العمل المشترك علي أرض الواقع أن الخيار الوحيد أمامنا أن نكون أولا نكون..