في ظل ما تشهده البلاد من أحداث وتطورات سياسية, والتراشق والعنف اللفظي وتبادل الاتهامات والتخوين, طالب علماء الدين جميع المصريين بالتحلي بالأخلاق الحسنة والقيم النبيلة التي دعا الرسول, صلي الله عليه وسلم, إلي التمسك بها في التعامل مع الآخرين بالرفق واللين والسماحة والعفو, وإعلاء قيمة العلم والعمل والإنتاج. وأكد علماء الدين أن التفاؤل وعدم الاستسلام لمحاولات البعض لجر البلاد إلي فتن ونزاعات, هو الضمانة لعبور الأزمة الراهنة, مؤكدين أن التفاؤل سنة نبوية, بها يصنع الرجال مجدهم, وهو مخرج وقت اشتداد الأزمات, ومتنفس عند الشدائد والكربات. ويقول الدكتور محمد أبو زيد الأمير, عميد كلية الدراسات الإسلامية و العربية بالمنصورة, دعت شريعة الإسلام إلي التعامل بالأخلاق الحسنة والقيم النبيلة, ومن القيم التي دعت لها شريعة الإسلام السماحة والمروءة, فقد ورد عن رسول الله, صلي الله عليه وسلم, إنما بعثت بالحنيفية السمحة أي السهلة المحفوظة عن الإفراط و التفريط. وأضاف, أن الناظر لدعوة الإسلام يتبين له أنها انتشرت علي هذا الأساس القويم فالنبي المصطفي, صلي الله عليه وسلم, ما قال كلمة نابية ولا تحدث بلفظة جافية ولكن كانت سمته السماحة والعفو, فيحدثه الحق جل علاه فيقول: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين آل عمران آية:.159 وأوضح أن من الظواهر التي يأباها الإسلام ويرفضها الغلظة والتعنت وعدم تقدير الناس قدرهم والتي نري كثيرا منها في هذا الزمان مما أودي بنا إلي ما نحن فيه الآن فالسعادة كل السعادة إنما تكون في إتباع هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم في سماحته ومروءته, ونحن في هذه الحقبة العصيبة التي تمر بها مصر في أمس الحاجة إلي التعامل بهذه القيم النبيلة, وهذا ما يدعوا إليه الأزهر في مناهجه الوسطي. التحلي بالفضائل من جانبه قال الدكتور حسن خليل, الباحث الشرعي بمشيخة الأزهر, إن الإسلام دين سماوي يهدي إلي الحق وإلي طريق مستقيم, وهو دين صالح لكل زمان ومكان, من تمسك بمبادئه وعمل بأركانه وفرائضه وتخلي عن المحرمات فاز في الدنيا و الآخرة, وعاش في سعادة لا تقدر بمال أو جاه مهما كان فقيرا في الأمور المادية الدنيوية فهو غني بالقيم والأخلاق الإنسانية, كما أن الدين الإسلامي عرف قيمة العلم ودوره في تحقيق الرفاهية لبني آدم جميعا فأمر بتحصيله وحث عليه وبين فضله, وحذر من كتمانه لأن العلم أمانة عند العالم يؤديها إلي طلاب العلم علي أكمل وجع وعلي العالم أن يكون لديه قناعة بما معه من خير لا يضاهيه عرض الدنيا. ومن الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله تبارك وتعالي بها نبينا محمد, صلي الله عليه وسلم, صفة التفاؤل, وكان صلي الله عليه وسلم متفائلا في كل أموره وأحواله, في حله وترحاله, في حربه وسلمه, في جوعه وعطشه, وربي أتباعه علي التفاؤل والأمل والبعد عن التطير والتشاؤم, حيث ذم القرآن الكريم هؤلاء المتطيرين فقال تعالي: قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم.قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون سورة يس. يقول الدكتور أحمد كريمة, أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر, إن المسلم المؤمن يعلم أن الأمور تجري بأقدار الله عز وجل لقول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن أن أمره كله خير إن أصابته ضراء صبر وان أصابته سراء شكر وبالصبر الجميل كانت المنح, قال تعالي: إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب سورة الزمر آية.10 وأضاف: أن شعبنا المصري ليس في بلاء أو كارثة بل هي مرحلة عابرة بالقياس إلي أمم أخري في مراحل التاريخ فالتحولات الاجتماعية والسياسية تأخذ أوقاتا من عمر الدول والشعوب والأمم وليست وليدة لحظه, ويجب علي الإنسان ألا يستبطئ النصر ولنا في الصحابة أسوة حينما طمأنهم الله في غزوة الأحزاب. وأشار إلي أننا في نعم مقارنة ببلاد أخري تعاني الأزمات والكوارث لان الله تعالي أراد لليل أن يدبر, وللصبح أن يسفر وقدر أهل الحق أن يجابهوا بالمعاندة من أهل الباطل لنصبر علي عبث العابثين ومكائد الكائدين وكلها ستذهب أدراج الرياح ويهدأ البركان وسيصفو الماء المضطرب وعما قريب ستعود بلد الأمن والأمان والسلم والسلام إلي سالف عهدها بعد أن تتطهر من الإرهاب. ويؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية, أن الإيمان الحقيقي إنما يظهر وقت الشدائد فكم من محن وأزمات وكوارث تطرأ علي حياتنا لكن المؤمن إيمانا حقيقيا يستطيع أن يقف بصلابة وقت المحن والشدائد لأنه معتصم بإيمانه وهذا يمثل حائط صد ضد الكوارث والأزمات, وذلك لقول الله تبارك وتعالي: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء, وهذا وصف حقيقي للإنسان المؤمن عند السؤال والامتحان وفي المواجهة مع حصاد حياته, فالحياة الدنيا مهما كانت المآسي والمصائب فإن الإنسان المؤمن ينبغي أن يعتصم بالتفاؤل ومقاومة اليأس, ولابد من الصبر والاجتهاد, والصبر نصف الإيمان رغم ذلك لابد أن يكون المؤمن متفائلا مستبشرا لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا, وعلي الجميع أن يتمتعوا بالتفاؤل, وألا يستسلم الإنسان لأحزانه, وان يأخذ بالأسباب ويعتصم بنصر الله, ويثق في أن الله مع المؤمنين وان الإنسان إذا نصر نفسه فإن الله ناصره, وتلك هي الحقائق التي أرساها الرسول الكريم, صلي الله عليه وسلم, وسار علي أثرها الخلفاء الراشدون في النهي عن التشاؤم, وبالتالي فإن الاستبشار والتفاؤل والثقة بأن بعد العسر يسرا إنما يكون معلما من معالم الشخصية المسلمة والمؤمن هو من يستطيع الجهاد في الدنيا وكذلك الاستعداد للآخرة.