الطواف حول الكعبة المشرفة, فيه من الأسرار والفيوضات والروحانيات الربانية, ما يغنيك عن كل هم وغم ونصب في هذه الحياة الدنيا الفانية. فمحو الذنوب وغسل الإنسان من الخطايا, وتقبل العمل الصالح وعودة المرء كيوم ولدته أمه, ارجي ما يطلبه كل موحد بالله تعالي, والطواف الواقع في الحج إما أن يكون: ركنا, كطواف الإفاضة, أو واجبا, كطواف الوداع- علي الخلاف في وجوبه واستحبابه, أو نفلا, كطواف القدوم. ويقول الدكتور علي جمعة, مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء: الطواف من الحجر الأسود المركوز في الركن الذي قبل باب البيت العتيق, فيبتدئ الطواف مطلقا سواء كان طوافه ركنا, أو نفلا, أو واجبا من ركن الحجر الأسود, فيستحب أن يحاذيه الطائف في مروره بجميع بدنه إن استطاع من أول شوط إلي آخره, بأن يبتدئ حركة الطواف من الجهة التي فيها الركن اليماني, بحيث يصير جميع الحجر الأسود عن يمينه لو كان الحاج مستقبلا له بوجهه, وبذلك يكون مارا بجميع بدنه علي جميع أجزاء الحجر الأسود, والواجب محاذاة الحجر, ولو ببعض بدنه لبعض الحجر, فإن ابتدأ من الركن اليماني مثلا ألغي ما قبل ركن الحجر وأتم إليه, فإن لم يتم إليه وطاف عقبه أعاد طوافه. فإذا شرع في طواف القدوم قال: نويت طواف القدوم سبعة أشواط, إن كان محرما بالحج فقط, أو نويت طواف العمرة سبعة أشواط, إن كان محرما بالعمرة, وإن كان محرما بالحج والعمرة قال: نويت طواف القدوم سبعة أشواط, ثم يمشي بعد النية مستقبلا الحجر الأسود مارا إلي جهة يمينه حتي يجاوز الحجر, فإذا جاوزه جعل البيت عن يساره. واشار الي ان علي الحاج أن يمر تلقاء وجهه طائفا حول البيت, فيمر علي الملتزم وهو جدار البيت الذي بين الحجر الأسود وباب الكعبة, ثم يمر علي الركن الثاني المسمي بالعراقي, ثم يمر وراء حجر إسماعيل فيمشي حوله حتي ينتهي إلي الركن الثالث المسمي بالشامي, ثم يدور حول الكعبة حتي ينتهي إلي الركن الرابع المسمي باليماني, ثم يمر منه إلي الحجر الأسود, فيصل إلي الموضع الذي بدأ منه فيكمل له حينئذ طوفة واحدة, ثم يطوف كذلك حتي يكمل سبع طوفات. استلام الحجر واوضح ان الواجب في عدد أشواط الطواف أن يطوف سبعة أشواط من الحجر إلي الحجر, ويستحب أن يكون الطواف متواليا بلا فصل كثير بين الأشواط السبعة, ويستحب المشي للقادر, ويستحب قبل الشروع في الطواف تقبيل الحجر الأسود أول الطواف, كما يستحب له تقبيله في أول كل شوط وليس له أن يزاحم عليه, ويكون التقبيل بلا صوت, وأكمل التقبيل أن يقبله ثلاثا يسجد عليه بجبهته بعد كل تقبيلة, فإن لم يمكنه تقبيله فليستلمه, والاستلام أن يلمسه بيده ثم يقبلها, فإن لم يستلمه فليشر إليه من بعيد بيده أو بعود ونحوه, ولا بأس بتقبيل ما أشار به. وكذلك يستحب استلام الركن اليماني من البيت إن قدر ثم يقبل يده, والركن اليماني هو الركن الذي يسبق الركن الذي به الحجر الأسود. فإن قبله مباشرة فلا بأس به; كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم. ويستحب للحاج التكبير كلما قام بتقبيل الحجر الأسود, أو وضع يده عليه, أو لمسه بعود وقبله بفمه, أو أشار إليه, كما يستحب له أن يدعو الله, ويصلي علي النبي- صلي الله عليه وآله وسلم, ويستحب أن يرمل الرجل في الأشواط الثلاثة الأولي من الطواف إلا لازدحام يمنعه من ذلك, والرمل هو الهرولة, بأن تسرع بمشيك مقاربا خطاك حتي يلتف ثوبك علي ساقك من السرعة, والرمل مستحب في حق الذكر فقط وأما الأنثي فيكره لها الرمل, فمن كان معه نساء يخاف أن لا يدركنه فلا يرمل; لأن الضعيف أمير الركب. ويجب علي الطائف أن يجعل البيت حين الطواف عن يساره, فمن لم يجعل البيت عن يساره لم يعتد بطوافه, كما يجب خروج كل البدن عن شاذروان البيت الحرام, ويجب الخروج عن حجر إسماعيل عليه السلام, ولا تضع يديك علي حائط الحجر الأسود ولا علي الشاذروان الذي في جدار البيت, ولا تدخل في إحدي فتحتي حجر إسماعيل, وإلا لم يعتد بطوافك. ويجب الطهارة من الحدث, والخبث, وستر العورة كالصلاة, ويستحب الدعاء في أثناء الطواف بما يحب من طلب علم, وعافية, وتوفيق, وسعة رزق, ويستحب أن يقطع الطواف لصلاة الفريضة جماعة مع الإمام الراتب, ويبني علي ما فعله من طوافه بعد سلامه من الصلاة, فيكمل ما بقي له من أشواط الطواف السبعة. ويستحب صلاة ركعتين بعد الفراغ من الطواف, وينوي بهما ركعتي الطواف اللتين بعده, ويستحب أن تكون الركعتان خلف مقام إبراهيم, بحيث يكون مقام إبراهيم بين الحاج وبين الكعبة, وإن لم يتيسر فليصل في حجر إسماعيل, وإلا ففي بقية المسجد, ويستحب أن يدعو عقب صلاته بما يحب من أمور الدنيا والآخرة, ثم يرجع إلي زمزم, ويشرب من مائها متضلعا( يشرب الماء حتي تمتلئ أضلاعه) مستقبلا الكعبة ذاكرا اسم الله داعيا عند شربه ناويا به دفع العطش يوم القيامة, ثم يخرج من باب الصفا ويقدم الرجل اليسري في الخروج, فإذا انتهي إلي الصفا بدأ بالسعي. واشار الي ان طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج دونه وهو كطواف القدوم في واجباته وسننه, وإذا فرغ الحاج من رمي جمرة العقبة والذبح والحلق: استحب له أن ينزل من مني إلي مكة يوم النحر لطواف الإفاضة, عقب الحلق, بلا تأخير, إلا لقضاء حاجة. ويشترط أن يكون طواف الإفاضة مسبوقا بالإحرام والوقوف بعرفة, وأن يكون بعد منتصف ليلة النحر عند الشافعية والحنابلة, أما الحنفية والمالكية فاشترطوا فيه أن يكون بعد طلوع فجر يوم النحر( يوم العاشر), والأمر في ذلك واسع. ويسن أن يكون طواف الإفاضة عقب الذبح والحلق بلا تأخير, فإذا طاف الحاج طواف الإفاضة تحلل التحلل الأكبر, فيحل له كل ما كان محظورا عليه من محظورات الإحرام, ثم يعود الحاج بعد طواف الإفاضة من يومه( وهو اليوم العاشر) إلي مني, فيصلي الظهر بها إن استطاع, ويبيت بها أيام التشريق, ويكره للحاج تأخير طواف الإفاضة بعد أيام التشريق.