مفتي الجمهورية‏:‏ وصيتي للحجيج تخصيص ثلثي الدعاء لمصر

في الوقت الذي بدأ فيه ضيوف الرحمن قلبا وقالبا الذهاب إلي الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج‏,‏ وإعمالا لقوله تعالي فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون توجهنا إلي المسئول الأول عن الفتوي في مصر‏. توجهنا إلي فضيلة مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة وأجرينا معه حوارا خاصا جامعا شاملا حول مناسك رحلة الحج بدءا من الاستعداد لهذه الشعيرة مرورا بالسفر برا وجوا وبحرا وأثناء أداء المناسك حتي الانتهاء منها والعودة إلي الأهل بسلام. طرحنا علي فضيلة المفتي كل ما يدور في ذهن الحاج من أسئلة, لم نترك شاردة ولا واردة إلا سألنا عنها وأجاب فضيلته بكلمات واضحة مبسطة كما عهدناه في رحابة صدر العالم الواثق المتواضع قائلا: في البداية الحج الأكبر نشيده التلبية وهو إكمال الدين وإتمام النعمة.
سألناه: ما الحكمة من مشروعية الحج والعمرة ؟
أجاب المفتي: لا وصول إلي الله سبحانه وتعالي إلا بالتنزه عن طغيان الشهوات, والخروج عن غفلة اللذات, والتجرد لله سبحانه في الحركات والسكنات, ولأجل هذا انفرد الرهبانيون في الملل السالفة عن الخلق, وآثروا التوحش عنهم لطلب الأنس بالله عز وجل, فتركوا لله عز وجل اللذات الحاضرة, وألزموا أنفسهم المجاهدات الشاقة طمعا في الآخرة, فلما اندرس ذلك وأقبل الخلق علي اتباع الشهوات, وهجروا التجرد لعبادة الله عز وجل وفتروا عنه بعث الله عز وجل نبيه محمدا- صلي الله عليه وآله وسلم- لإحياء طريق الآخرة وتجديد سنة المرسلين في سلوكهم, وشرع الحج للناس سياحة لهم; تجردا لله, وتهذيبا وتربية لنفوسهم في طريقهم إليه سبحانه.
ما هي فضائل الحج والعمرة ؟
المفتي: جاء في فضائل الحج والعمرة الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة منها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله نري الجهاد أفضل العمل, أفلا نجاهد؟ قال: لا, لكن أفضل الجهاد حج مبرور.
ما هي الآداب العامة التي ينبغي للحاج والمعتمر التحلي بها ؟
المفتي: ينبغي للمسافر للحج أو العمرة أن يبذل بالصدقة والإحسان يديه, ويكف أذاه.
وأن يطلب رفيقا صالحا موافقا راغبا في الخيرات, وقد قالوا: الرفيق قبل الطريق.
وأن يحسن إلي رفيقه ما استطاع, حتي يحسن إلي الدواب التي تحمله, فلا يحمل عليها أكثر مما تتحمل, فإن النبي- صلي الله عليه وآله وسلم- قال: إن الله كتب الإحسان علي كل شيء.
فإن مزح فلا يقولن إلا الحق, فإن الله حرم من الباطل هزله وجده.
ويتحري أن تكون نفقته حلالا; ليكون أبلغ في استجابة دعائه, فإن حج بمال حرام صح حجه في ظاهر الحكم, لكنه ليس حجا مبرورا.
ما هي أركان الحج ؟ وما أنواعه ؟
المفتي: أركان الحج أربعة:
1- الإحرام2.- السعي بين الصفا والمروة.
3- الوقوف بعرفة4.- طواف الإفاضة.
الركن الأول: الإحرام
الإحرام هو: نية أحد النسكين, أو هما معا, مفردا, أو قارنا, أو متمتعا, وهو ركن من أركان الحج والعمرة, لا يصحان بدونه.
والإحرام بالحج له ميقات زماني وميقات مكاني:
فالميقات الزماني: من أول ليلة عيد الفطر في شوال إلي فجر يوم النحر, أي يجوز لك أن تحرم بالحج من هذا الوقت, ويفوت الإحرام بالحج بعد فوات فجر يوم النحر.
أما الميقات المكاني: فيختلف بالنسبة لمن يقيم في مكة( أو داخل حدود الحرم) ومن يقيم خارجه:
أولا: المقيم في مكة: يختلف ميقات المكي باختلاف نوع الحج, فبالنسبة للمفرد والمتمتع: يحرم من مكة سواء كان من أهلها أم لا.
وبالنسبة للمعتمر والقارن: يخرج المقيم في مكة للحل; ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم, والسنة أن يخرج إلي منطقة التنعيم فيحرم منها.
ثانيا: المقيم خارج مكة ومنهم المصريون:( الجحفة): ميقات أهل الشام, ومن جاء من قبلها كأهل مصر والمغرب, وهي قرية خربة بين مكة والمدينة( علي بعد187 كم من مكة). ويحرم الحجاج من رابغ- علي بعد204 كم شمال غرب مكة- بدلا منها, وتقع قبل الجحفة إلي جهة البحر, فالمحرم من رابغ محرم قبل الميقات. وقد قيل إن الإحرام منها أحوط لعدم التيقن بمكان الجحفة.
- من تعدي الميقات بلا إحرام رجع إليه إلا لعذر, وإن كان دخل مكة فعليه العود إلي الميقات, وإلا فعليه هدي.
ما هو ملبس الإحرام ؟
المفتي: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي- صلي الله عليه وآله وسلم- سئل: ما يلبس المحرم؟ فقال: لا تلبسوا القمص, ولا العمائم, ولا السراويلات, ولا البرانس, ولا الخفاف, إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين, وليقطعهما أسفل من الكعبين, ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس.
قال العلماء: هذا من بديع الكلام وجزله, فإنه- صلي الله عليه وآله وسلم- سئل عما يلبسه المحرم, فقال: لا يلبس كذا وكذا, فحصل في الجواب أنه لا يلبس المذكورات, ويلبس ما سوي ذلك, وكان التصريح بما لا يلبس أولي; لأنه منحصر, وأما الملبوس الجائز للمحرم فغير منحصر, فضبط الجميع بقوله- صلي الله عليه وآله وسلم-:( لا يلبس كذا وكذا) يعني: ويلبس ما سواه.
وأجمع العلماء علي أنه لا يجوز للمحرم لبس شيء من هذه المذكورات, وأنه نبه بالقميص والسراويل علي جميع ما في معناهما وهو ما كان محيطا مخيطا معمولا علي قدر البدن, أو قدر عضو منه.
وأما المرأة فيباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر من مخيط وغيره, إلا ستر وجهها فإنه حرام, والأصح تحريم ستر يديها بالقفازين.
ونبه- صلي الله عليه وآله وسلم- بالورس والزعفران علي ما في معناهما, وهو الطيب, فيحرم علي الرجل والمرأة جميعا بعد الإحرام جميع أنواع الطيب.
والمراد ما يقصد به الطيب, وأما الفواكه ذات الرائحة الطيبة كالأترج والتفاح وأزهار البراري كالشيح والقيصوم ونحوهما فليست بحرام; لأنها لا تقصد للطيب, وفي حكم ذلك أيضا المنظفات المعطرة; فإنها لا تسمي طيبا.
وقوله- صلي الله عليه وآله وسلم-: إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين.
ما هي محظورات الإحرام ؟
المفتي: يحرم علي المحرم أشياء مخصوصة تسمي( المحظورات) هي ما يلي:
1- لبس المخيط المحيط, وهو ما فصل علي قدر الجسم أو العضو بالخياطة; لقوله- صلي الله عليه وآله وسلم- لما سئل عما يلبس المحرم: لا يلبس القميص, ولا العمائم, ولا السراويلات, ولا البرنس, ولا ثوبا مسه زعفران, ولا ورس, وفي الحديث: ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين.
2- تغطية الرأس أو جزء منه بالنسبة للرجل.
3- تغطية الوجه أو جزء منه بالنسبة للمرأة, إلا ما يحتاج إليه لستر الرأس فلا يحرم تغطيته.
4- حلق الشعر أو دهنه.
5- استعمال الطيب في الثوب والبدن6.- تقليم الأظافر7.- قتل الصيد.
8- عقد النكاح لنفسه أو لغيره بولاية أو وكالة; لقوله- صلي الله عليه وآله وسلم-: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب, أما الخطبة فتكره.
9- مقدمات الوطء من اللمس والتقبيل بشهوة.
فتحرم هذه الأشياء من أول الإحرام وإلي التحلل, ومن فعل أي محرم منها وجبت عليه الفدية إن كان عامدا بالإجماع, وإن كان ناسيا فلا فدية علي الصحيح.
ما هي سنن الإحرام ؟
المفتي:1- يسن للمحرم المكلف تلبية موصولة بالإحرام.
2- وأن يلبي اتباعا لسنة النبي- صلي الله عليه وآله وسلم-, فإن اقتصر علي تلبية رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم- وهي: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك لك, لا شريك لك فحسن, وإن زاد عليها فحسن, قال أهل العلم: له أن يزيد عليها ما شاء; فقد روي الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يزيد فيها: لبيك وسعديك, والخير بيديك, والرغباء إليك والعمل.
3- وأن يبدأ الحاج والمعتمر بالتلبية بعد الإحرام إلي أن يدخل مكة ويري البيت الحرام, وإلا ففي الأمر سعة, ولا بأس بالتلبية في الطواف والسعي عند بعض العلماء.
4- ويسن للحاج أن يشرع في التلبية ثانية بعد الطواف والسعي, وإن كانت بالمسجد الحرام.
5- ويسن للمعتمر أن يستمر في التلبية إلي أن يتحلل من عمرته بالحلق أو التقصير.
السعي بين الصفا والمروة
ما هي الصفة المستحبة للسعي بين الصفا والمروة؟
المفتي: اصعد علي الصفا حتي تري الكعبة من الباب, واستقبل الكعبة, وقل: نويت أن أسعي بين الصفا والمروة سعي الحج أو العمرة سبعة أشواط لله تعالي مكبرا مهللا حامدا, داعيا بما شئت, فإن الدعاء مستجاب في هذا الموضع, ثم انزل متوجها نحو المروة ماشيا بتؤدة واطمئنان قائلا: رب اغفر وارحم, وتجاوز عما تعلم, إنك أنت الأعز الأكرم. واشتغل بالذكر والصلاة علي النبي- صلي الله عليه وآله وسلم- حتي يبقي بينك وبين الميل الأخضر قدر ستة أذرع فهرول, بحيث يلتوي إزارك بساقيك دون عنت أو مبالغة, ناويا بذلك العبادة, لا المسابقة, حتي تتجاوز الميلين الأخضرين, ثم امش بتؤدة حتي تصل إلي المروة فاصعد عليها, وافعل كما فعلت علي الصفا من تكبير وتهليل وتحميد ودعاء; فهذا شوط واحد, ثم عد قاصدا الصفا, وامش في موضع مشيك في مجيئك, وهرول في موضع هرولتك, فإذا وصلت إلي الصفا فافعل كما فعلت أولا, وهذه مرة ثانية, وهكذا حتي تكمل سبع مرات مبتدئا بالصفا مختتما بالمروة.
الوقوف بعرفة
كيف يتم الوقوف بعرفة ووقته وأفضل الدعاء فيه؟
المفتي: الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأكبر, والوقوف بعرفة يكون يوم التاسع, ولو لحظة, في أي جزء منها, ولو مارا.
ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع عند الحنابلة, ومن زوال شمس يوم التاسع قبيل الظهر عند الأئمة الثلاثة, ويستمر وقت الوقوف إلي طلوع فجر يوم النحر( يوم العاشر من ذي الحجة), وأقل الوقوف الذي يكون به مدركا للوقوف بعرفة ركن الحج الأكبر هو: أن يدرك فيها لحظة.
والمستحب في قدر الوقوف وصفته: الوقوف بجبل الرحمة, متوضئا بعد أن يكون قد أدي صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا بنمرة مستمعا للخطبتين, والاتجاه مع الإمام إلي عرفة, ملتزما بالدعاء, والتضرع إلي الله, حتي غروب الشمس من يوم التاسع من ذي الحجة.
ومن أسرار الوقوف بعرفة: نقلك إلي بداية الخلق; فإن هذا المكان هو الذي عرف فيه آدم حواء عندما نزل إلي الأرض, ولذلك سمي بعرفة, وهنا بدأت الحياة علي هذا الكوكب, وبداية كل شيء لا بد أن نبدأ فيها بالله سبحانه; ولذلك يقول رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم-: كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر أو قال: أقطع, وفي رواية: كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم, فمعني ذلك أن الله تعالي يعلمنا أن نبدأ باسم الله, ولذلك نقول: بسم الله في بداية الأكل والشرب, وفي الجلوس, وعند الانصراف, ونذكر اسم الله عند اللقاء السلام عليكم, وعند الانتهاء من الصلاة, وعند البدء فيها نبدأ بالله أكبر وننهي بالسلام.. وهكذا, فلا بد أن تبدأ حياتك باسم الله; يعني: أن يتعلق قلبك بالله. الوقوف بعرفة يعلمنا: أن بداية هذه الحياة- إذا أردت أن تكون مستقيما- يجب أن تكون من هنا.
طواف الإفاضة
ما هو طواف الإفاضة ؟
المفتي: الطواف الواقع في الحج إما أن يكون: ركنا; كطواف الإفاضة, أو واجبا; كطواف الوداع- علي الخلاف في وجوبه واستحبابه-, أو نفلا; كطواف القدوم. وصفة الطواف كالتالي:
- ابتداء الطواف من الحجر الأسود المركوز في الركن الذي قبل باب البيت العتيق.
فيبتدئ الطواف مطلقا سواء كان طوافه ركنا, أو نفلا, أو واجبا من ركن الحجر الأسود, فيستحب أن يحاذيه الطائف في مروره بجميع بدنه إن استطاع من أول شوط إلي آخره, بأن يبتدئ حركة الطواف من الجهة التي فيها الركن اليماني, بحيث يصير جميع الحجر الأسود عن يمينه لو كان الحاج مستقبلا له بوجهه, وبذلك يكون مارا بجميع بدنه علي جميع أجزاء الحجر الأسود, والواجب محاذاة الحجر, ولو ببعض بدنه لبعض الحجر.
فإن ابتدأ من الركن اليماني مثلا ألغي ما قبل ركن الحجر وأتم إليه, فإن لم يتم إليه وطاف عقبه أعاد طوافه.
فإذا شرع في طواف القدوم قال: نويت طواف القدوم سبعة أشواط, إن كان محرما بالحج فقط, أو نويت طواف العمرة سبعة أشواط, إن كان محرما بالعمرة, وإن كان محرما بالحج والعمرة قال: نويت طواف القدوم سبعة أشواط.
ثم يمشي بعد النية مستقبلا الحجر الأسود مارا إلي جهة يمينه حتي يجاوز الحجر, فإذا جاوزه جعل البيت عن يساره.
- ويستحب قبل الشروع في الطواف: تقبيل الحجر الأسود أول الطواف, كما يستحب له تقبيله في أول كل شوط وليس له أن يزاحم عليه, ويكون التقبيل بلا صوت, وأكمل التقبيل أن يقبله ثلاثا يسجد عليه بجبهته بعد كل تقبيلة, فإن لم يمكنه تقبيله فليستلمه, والاستلام: أن يلمسه بيده ثم يقبلها, فإن لم يستلمه فليشر إليه من بعيد بيده أو بعود ونحوه, ولا بأس بتقبيل ما أشار به.
- وكذلك يستحب استلام الركن اليماني من البيت إن قدر ثم يقبل يده, والركن اليماني هو الركن الذي يسبق الركن الذي به الحجر الأسود. فإن قبله مباشرة فلا بأس به; كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم.
- أما الركنان الباقيان فلا يستحب استلامهما ولا تقبيلهما عند الأئمة الأربعة, لكنه إن مسحهما فحسن; حيث ورد ذلك عن بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم, قال الإمام الشافعي في الأم: فإن مسحهما رجل كما يمسح سائر البيت فحسن, بل إن قبلهما أيضا فحسن, قال الإمام الشافعي في الأم: وأي البيت قبل فحسن.
- ويستحب صلاة ركعتين بعد الفراغ من الطواف, وينوي بهما ركعتي الطواف اللتين بعده, ويستحب أن تكون الركعتان خلف مقام إبراهيم, بحيث يكون مقام إبراهيم بين الحاج وبين الكعبة, فإذا توجه إلي مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام ويقرأ في الركعة الأولي بعد الفاتحة الكافرون وفي الثانية الإخلاص, وإن لم يتيسر فليصل في حجر إسماعيل, وإلا ففي بقية المسجد, ويستحب أن يدعو عقب صلاته بما يحب من أمور الدنيا والآخرة; لأنه يستجاب الدعاء في هذا المكان.
- ثم يرجع إلي زمزم, ويشرب من مائها متضلعا( يشرب الماء حتي تمتلئ أضلاعه) مستقبلا الكعبة ذاكرا اسم الله داعيا عند شربه ناويا به دفع العطش يوم القيامة.
- وإذا فرغ الحاج من رمي جمرة العقبة والذبح والحلق: استحب له أن ينزل من مني إلي مكة يوم النحر لطواف الإفاضة, عقب الحلق, بلا تأخير, إلا لقضاء حاجة.
- ويشترط أن يكون طواف الإفاضة مسبوقا بالإحرام والوقوف بعرفة, وأن يكون بعد منتصف ليلة النحر عند الشافعية والحنابلة, أما الحنفية والمالكية فاشترطوا فيه أن يكون بعد طلوع فجر يوم النحر( يوم العاشر), والأمر في ذلك واسع.
- ويسن أن يكون طواف الإفاضة عقب الذبح والحلق بلا تأخير.
- ويستحب أن يكون طواف الإفاضة قبل حلول شهر المحرم, فإذا طاف الحاج طواف الإفاضة تحلل التحلل الأكبر, فيحل له كل ما كان محظورا عليه من محظورات الإحرام, ثم يعود الحاج بعد طواف الإفاضة من يومه( وهو اليوم العاشر) إلي مني, فيصلي الظهر بها إن استطاع, ويبيت بها أيام التشريق.
ويكره للحاج تأخير طواف الإفاضة بعد أيام التشريق.
ما هي واجبات الحج وسننه ؟
المفتي: واجبات الحج: الإحرام من الميقات, المرور بمزدلفة, رمي الجمرة الكبري, الذبح( الهدي) والحلق أو التقصير, رمي الجمرات, أيام التشريق, والمبيت بمني, طواف الوداع.
أما سنن الحج: فالاغتسال والتطيب قبل الإحرام, التلبية, طواف القدوم, المبيت بمني ليلة عرفة, تمام المبيت بمزدلفة.
ما هي مبطلات الحج ؟
المفتي: الحج لا يفسد إلا بالجماع سواء في القبل أو الدبر, أما من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج; لقوله- صلي الله عليه وآله وسلم-: الحج عرفة, وله أن يتحلل بعمرة, لكن عليه القضاء والهدي في العام المقبل.
الإنابة عن الغير في الحج
ما حكم الإنابة عن الغير في الحج ؟
المفتي: يجوز أن ينوب الإنسان عن غيره في الحج فيحج عنه, سواء كان ذلك تطوعا منه أو مقابل الأجر والنفقة, بشرط أن يكون قد حج عن نفسه أولا.
وبشرط أن يكون المنيب عاجزا عن الخروج للحج بنفسه بموت أو كسر أو عجز بدني أو عاهة أو مرض لا يرجيشفاؤه, أو كان محبوسا آيسا من الخلاص, ويلحق به الأعمي في رواية عند الحنفية.ومن به مرض يرجي زواله وشفاؤه منه لم يجز له أن يستنيب غيره.
رمي الجمرات
كيفية رمي الجمرات ؟
المفتي: رمي الجمرة الكبري: بعد ارتحال الحاج من المشعر الحرام يتجه إلي مني; ليرمي جمرة العقبة الكبري بعد أن تسفر الشمس, وهو واجب من واجبات الحج, ويبدأ وقت الرمي لمن وقف بعرفة قبله من منتصف ليلة النحر عند الشافعية والحنابلة, ومن طلوع فجر يوم النحر عند الحنفية والمالكية, ويمتد عند جماعة من العلماء إلي آخر يوم من أيام التشريق; بناء علي أن أيام مني كالوقت الواحد, ومنهم من يجعل لها وقتين: وقت أداء; إلي غروب شمس يوم النحر, ووقت قضاء; من غروب شمس يوم النحر إلي آخر أيام التشريق. والوقت المستحب لرميها من طلوع الشمس إلي زوالها ظهر يوم النحر( العاشر من ذي الحجة).
ويكون رمي الجمرة بحجر صغير, كحصي الخذف, وهو قدر حبة الفول, أو النواة, ولا يكون صغيرا جدا, ولا كبيرا.
ويستحب أن يجعل مكة عن يساره, ومني عن يمينه, أثناء رمي جمرة العقبة, بخلاف الرمي أيام التشريق فيستقبل القبلة.
ويجب أن يكون الرمي بسبع حصيات, سبع مرات علي الجمرة, كل مرة بحصاة واحدة, ومحل الرمي هو: البناء وما حوله, ولا يعتبر ما رماه من الحصي فجاوز الجمرة واقعا بعيدا عنها, كما لا يعتبر ما وقع دونها.
ولا ينبغي أن يرمي الحاج الجمرة بغير الحصي الصغير, وما يقع من بعض الناس من رمي الجمرة بالنعال ونحوها مما ينبغي تجنبه.
ويستحب رميه حين وصوله لها بسبع حصيات يلتقطها من المزدلفة, ولا مانع من التقاطها من أي مكان, ويستحب التكبير مع كل حصاة عند رمي جمرة العقبة, وغيرها من باقي الأيام, كما يستحب تتابع الحصيات بالرمي, بحيث لا يفصل بينها بشاغل من كلام, أو غيره.
حج المرأة
كيفية حج المرأة وحكم الحائض والنفساء ؟
المفتي: عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم- لا نذكر إلا الحج.
في هذا الحديث وغيره ما يدل علي جواز حج الرجل بامرأته وهو مشروع بالإجماع, وأجمعوا علي أن الحج يجب علي المرأة إذا استطاعته.
واختلف العلماء هل المحرم لها من شروط الاستطاعة؟ والراجح جواز سفرها دون محرم في رفقة آمنة.
وأجمعوا علي أن لزوجها أن يمنعها من حج التطوع, وأما حج الفرض فقال جمهور العلماء: ليس له منعها منه.
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- أنه كان يقول: المرأة الحائض التي تهل بالحج أو العمرة: إنها تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت, ولكن لا تطوف بالبيت, ولا بين الصفا والمروة, وهي تشهد المناسك كلها مع الناس, غير أنها لا تطوف بالبيت, ولا بين الصفا والمروة, ولا تقرب المسجد, حتي تطهر.
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خرجنا مع النبي- صلي الله عليه وآله وسلم- في حجة الوداع, فمنا من أهل بعمرة, ومنا من أهل بحج, فقدمنا مكة فقال رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم-: من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل, ومن أحرم بعمرة وأهدي فلا يحل حتي يحل نحر هديه, ومن أهل بحج فليتم حجه, قالت: فحضت, فلم أزل حائضا حتي كان يوم عرفة, ولم أهلل إلا بعمرة, فأمرني النبي- صلي الله عليه وآله وسلم- أن أنقض رأسي, وأمتشط, وأهل بحج وأترك العمرة, ففعلت ذلك, حتي قضيت حجي, فبعث معي عبد الرحمن بن أبي بكر, فأمرني أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم.
وفي رواية أخري قالت: قدمت مكة وأنا حائض, فلم أطف بالبيت, ولا بين الصفا والمروة, فشكوت ذلك إلي رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم-, فقال: افعلي ما يفعل الحاج, غير أن لا تطوفي بالبيت, ولا بين الصفا والمروة, حتي تطهري.
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة, فأمر رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم- أبا بكر يأمرها أن تغتسل وتهل.
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت, إلا الحيض, رخص لهن رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم-.
والحائض والنفساء والمحدث والجنب يصح منهم جميع أفعال الحج وأقواله وهيئاته, إلا الطواف وركعتيه والسعي; فيصح إحرام النفساء والحائض, ويستحب اغتسالهما للإحرام وهو مجمع علي الأمر به, وكذلك الأغسال المشروعة في الحج تشرع للحائض وغيرها, ويصح الوقوف بعرفات وغيره; لقوله- صلي الله عليه وآله وسلم-: اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي.
فالمرأة تستمر في أداء المناسك وإن كانت حائضا أو نفساء, غير أنها لا تطوف بالبيت حتي تطهر, فإن خشيت أن تفوتها رفقتها, ولم يمكن تأخرهم حتي يذهب حيضها, فقد أجاز بعض العلماء إذا خشيت فوات رفقتها أو سفرهم: أن تطوف بالبيت بعد أن تشد نفسها بما يمنع تلوث الحرم.
أما طواف الوداع فهو مرفوع عنها, وسيأتي بيانه عند الكلام علي طواف الوداع.
زيارة المدينة
ما هي آداب زيارة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم- والوقوف أمام قبره الشريف؟
المفتي: زيارة قبر النبي- صلي الله عليه وآله وسلم- هي من أعظم القربات وأفضل الطاعات وأكثرها قبولا عند رب البريات, وهي من أسباب استحقاق شفاعة الحبيب الأعظم- صلي الله عليه وآله وسلم- وبعض الوفاء لحقه علينا- صلي الله عليه وآله وسلم-.
- ويستحب للزائر أن ينوي زيارة المصطفي- صلي الله عليه وآله وسلم- والسلام عليه والتقرب إلي الله تعالي بالصلاة في مسجده الشريف; لعظم ثواب ذلك كله عند الله تعالي.
- ويستحب أن يكثر في طريقه إلي طيبة( المدينة المنورة) من الصلاة علي الحبيب- صلي الله عليه وآله وسلم- ولا سيما إذا بدت له معالم المدينة وأشجارها وأبنيتها, وأن يسأل الله تعالي أن ينفعه بزيارة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ويتقبلها منه.
- علي المرء وهو في المدينة المنورة أن يستشعر في قلبه أنه في أشرف بقاع الأرض بعد مكة المكرمة; حيث جعلها الله مهاجر حبيبه صلي الله عليه وآله وسلم ومثواه, وأن البقعة التي تضم جسده الشريف- صلي الله عليه وآله وسلم- هي أفضل بقعة في الكون; فهي أفضل من الكعبة بل ومن الجنة والعرش والكرسي بإجماع المسلمين; لأنها تضم أعظم مخلوق وهو المصطفي- صلي الله عليه وآله وسلم-.
- ويصلي في الروضة سنة تحية المسجد, ويشكر الله تعالي علي هذه النعمة ويسأله القبول, ثم يأتي القبر الشريف حيث سيدنا وحبيبنا سيدنا محمد- صلي الله عليه وآله وسلم- فيقف مستقبلا القبر والقبلة خلفه, ناظرا إلي أسفل المواجهة الشريفة, غاض الطرف, ممتلئ القلب إجلالا وتعظيما وتوقيرا لمنزلة من هو في حضرته- صلي الله عليه وآله وسلم- مستحضرا أنه- صلي الله عليه وآله وسلم- حي في قبره يسمعه ويرد عليه السلام, ثم يسلم بصوت, ثم يدعو بما يشاء.
بماذا تنصح حجاج بيت الله الحرام ؟
المفتي: أيها الحجاج والمعتمرون.. أنتم وفد الله تعالي وزواره; ففيكم يقول المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم: وفد الله ثلاثة: الغازي, والحاج, والمعتمر رواه النسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم, وحق علي المزور أن يكرم زائره, فهنيئا لكم ما أكرمكم الله تعالي به من التوفيق للسفر إلي البلاد المقدسة والفوز بهذه النعمة العظيمة التي حرمها كثير ممن يتوق إلي منازل الوحي ومشاعر الدين ويشتاق إلي ديار سيد المرسلين ومثوي خاتم النبيين سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم.ووصيتي للحجيج بتخصيص ثلثي الدعاء لمصروالثلث الاخرلانفسهم واهليهم0