من الأمثلة التي يحفظها التاريخ مثال عودة اسرة البوربون الحاكمة في فرنسا بعد ان إزاحتها الثورة الفرنسية عام 1789, لقد عادت هذه الاسرة الي حكم فرنسا بمساعدة الأعداء الذين نجحوا في هزيمة نابليون. وبدلا من ان تتعلم تلك الأسرة من أخطائها القديمة التي أدت الي اقتلاعها من الحكم, فإنها قررت بعد عودتها أن تنتقم من الشعب الفرنسي بسبب مشاركته في الثورة, وحكمت بالإرهاب والرعب عدة سنوات حتي قامت ثورة أخري عام 1830 لتقتلعهم من حكم فرنسا الي الأبد.. وقد قيل في ذلك عاد البوربون دون أن يتعلموا شيئا او ينسوا شيئا.. ويبدو أن التاريخ يحترف إعادة نفسه.. ففي 25 يناير 2011 قامت ثورة الشعب المصري ضد نظام حكم فاسد متعفن, فازاحته عن الحكم, ولكنها لم تتمكن من نزع جذور الفساد التي توارت خلال عامين عاشت مصر خلالها بالتجربة والخطأ تحاول بناء الدولة الحديثة, وعندما حاول الاخوان اختطاف الدولة الي مصير غامض, انتفض الشعب المصري مرة اخري في 30 يونيو 2013 كي يستعيد ثورته, واثناء ذلك كان الثوار بالاختيار أو بالاضطرار يمدون أياديهم الي بعض رموز النظام القديم, الذين عادوا للظهور من مخابئهم, ولكن يبدو أنهم مثل البوربون لم يتعلموا أو ينسوا شيئا.. ويبدو بعضهم مصرا علي استعادة نفس الأساليب القديمة, بل والانتقام من الشعب الذي ثار ضدهم في 25 يناير.. لذلك نشهد الآن ظهورا مكثفا لبعض رموز فترة مبارك, بل أن بعض المتمترسين في أقبية الإدارة العليا والذين تحوصلوا خلال العامين المنصرمين, قد بدأوا يطلون برؤوسهم ويقذفون بسمومهم تجاه ثورة 25 يناير, وهم يمالئون المؤسسة العسكرية بشكل واضح.. من المفهوم ان بعض مستفيدي نظام مبارك شاركوا في الموجة الجديدة للثورة, ولكن لا ينبغي ان يعني ذلك أي عودة للنظام القديم, حيث يجب العمل علي تغيير جلد المجتمع, واذا ظن أولئك امكانية إعادة عقارب الساعة للوراء, فلا أظن ان مصيرهم سيكون افضل من أسرة البوربون.. أمام الوطن حاليا مهام عاجلة ومهام تحتمل التأجيل.. المهام العاجلة تتعلق بالصورة والانطباعات ومواجهة القضايا العاجلة مثل استتباب الأمن وتلبية الاحتياجات الاقتصادية للفئات المهمشة, مع خطة تقشف في الإنفاق الحكومي.. أما المهام المؤجلة فيمكن الصبر عليها ولكن ينبغي وضع خطوطها العامة والبدء في شق الطريق اليها, مثل اجراءات التنمية المستدامة و تطوير التعليم والبحث العلمي ومكافحة الفقر للقضاء عليه في خمسة اعوام, مكافحة الأمية والقضاء عليها في خمسة اعوام.. الخ.. ما أخشاه هو أن اختلاط الأوراق سوف يفتح ثغرة ينفذ منها البوربون الجدد, فما زلنا نلاحظ حكومة باهتة لم تبد أي ملامح تعكس ثوريتها Businessasusual, يبدو أن الطبيعة البيروقراطية والرؤي المسبقة تحكم سلوكها حتي الآن.. فالسياسة الاقتصادية لا تزال هي نفس السياسة السابقة كامتداد لسياسات مبارك ومرسي (الرأسمالية المتوحشة), دون أن تدرك أن احد أعمدة الثورة الرئيسية هي العدالة الاجتماعية. ومن ناحية أخري فمن الملاحظ التوسع في الإجراءات فوق القانونية, وغياب للشفافية المطلوبة, فما زلنا حتي الآن لا نعرف عن نتيجة التحقيقات في فض الاعتصام, آو حادث موت 36 مواطنا في سيارة الترحيلات, كما لا أظن أن الإيحاءات. بمد حالة الطوارئ سوف تكون مفيدة, وربما يلزم السماح بتشكيل لجنة للمتابعة من مختلف القوي السياسية تلعب دور مجلس الشعب في مراقبة الحكومة وتكون لهذه اللجنة مجموعة من الاختصاصات التي تخول لها بموجب إعلان دستوري. حتي الآن لا تتضح اي خطة حقيقية للمصالحة الوطنية, علما بان التعامل الأمني وحده لن يكون كافيا بل قد يؤدي الي نتائج عكسية, ولابد من فرملة اندفاع المجتمع الي حالة تشبه المكارثية ومحاكم التفتيش فذلك توجه خطير وواجبنا وضع حد له قبل أن يتحول الي حالة مرضية يصعب علاجها فيما بعد. تبرز أهمية الانتقال من حالة المرض الي التعافي في علاقاتنا الخارجية من خلال التحرك المكثف في العالم العربي/ افريقيا/ امريكا اللاتينية, مع الاحتفاظ بمساحة للمناورة مع جيران الإقليم, بحيث لا تقيد تحركنا علي المستوي الاقليمي وفقا لمصالحنا, فعلي سبيل المثال كان الموقف من احتمالات ضرب سوريا ضعيفا, فلا يكفي رفض الضربة وانما يجب ان نتحرك ايجابيا علي المستوي الاقليمي والدولي للحيلولة دون انهيار الدولة السورية وتفككها.. كل ذلك يؤكد ان هناك حاجة ماسة لإنشاء مجلس للأمن القومي يضم مجموعة من الخبراء في كافة التخصصات, برئاسة مستشار للرئيس للامن القومي, تكون مهمته تحليل المعلومات المتدفقة من كافة الجهات (خارجية/ مخابرات عامة وحربية/ امن وطني/ مصادر علنية), وتحديد مجموعة من الخيارات أمام صانع القرار بشكل يضمن الي حد كبير سلامة القرار, ويلعب نفس المجلس دور مجموعة إدارة الأزمة في الأوقات التي تتطلب ذلك. (مثال أزمة سد النهضة, الموقف في سوريا, حوادث انتهاك الحريات). ما سبق هو بعض الإجراءات العاجلة التي تقطع الطريق علي بوربون المحروسة الذين عادوا دون ان يبدو عليهم انهم تعلموا, كما انهم لم ينسوا ولديهم رغبة في الانتقام.. مساعد وزير الخارجية الاسبق لمزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق