هم أطفال يفترض أن يكونوا في المدرسة مع زملائهم, يتعلمون القيم وينهلون من العلم, أو أن يكونوا بمنازلهم بين عائلاتهم التي يولونهم الرعاية, أو في متنزه يلهون مع أقاربهم ممن يقاربونهم في السن. ولكن الواقع يؤكد أنهم في الشوارع علي أطراف المدن أو داخل الأحياء والحواري الضيقة الممتلئة بالسكان, بدلا من أن يحملوا أقلاما يرسمون بها مستقبلا زاهرا لحياتهم, نري أيديهم الصغيرة تتلوث بتدخين السجائر, التي تدمر صحتهم ومستقبلهم, وبدلا من أن يرددوا أناشيد المدرسة وتحية العلم, تجدهم يرددون أغنية أديك في الجركن تركن. إنهم أطفال التوك توك, أولئك الذين رماهم حظهم العثر في هذه المهنة..في الحديث معهم ستجد طموحهم في السفر للخارج أو تعلم مهنة أخري غير قيادة التوك توك, ومنهم من يحلم بجمع المال لامتلاك توك توك جديد, أو امتلاك ورشة لإصلاح السيارات, أو حتي إتقان قيادة التوك توك, علي عكس أطفال غيرهم ظروفهم الأسرية والاقتصادية كانت أفضل, والذين يرددون دائما أريد أن أصبح طبيبا أو مهندسا. المشهد يشعرك بأنك تتحدث مع رجال في هيئة أطفال, ويعود ذلك لانخراطهم في العمل منذ صغرهم, مما جعلهم يرتدون رداء أكثر عبئا ومسئولية عليهم. هكذا كان الواقع الذي اكتشفه ملحق الجمعة خلال زيارته لأحد مواقف التوك توك المنتشرة بطول مصر وعرضها, لكي نعرفمن هؤلاء الأطفال وسبب عملهم في هذه المهنة سائق توك توك. البداية كانت مع الطفل محمد حمدي,15 عاما,يقول: أعمل سائق توك توك منذ ثلاث سنوات, وتركت التعليم في السنة الرابعة من التعليم الأساسي الابتدائي, مهنة سائق التوك توك عمل جيد,فأنا أريد أن اعتمد علي نفسي, وبالنسبة لي هذه المهنة مؤقتة لحين الحصول علي فرصة جيدة لتعلم مهنة أخري, مثل الميكانيكا, فأنا أحلم أن أكون ميكانيكي شاطر. ويضيف محمد حمدي أنه يمتلك التوك توك الذي يعمل عليه, حيث اشتراه بالتقسيط, وغطي أقساطه ويربح كل يوم بعد اقتطاع مصروفات البنزين والصيانة ما يقارب ال70 جنيها, مشيرا إلي أن هذا المبلغ يكفي للصرف علي عائلته واحتياجاته الشخصية. وعن الأسباب التي جعلته يترك التعليم في مرحلة مبكرة يقول محمد حمدي: العنف المستخدم من قبل المدرسات, أو كما يقول المدرسة بتضربني ثانيا: كثرة الواجبات المدرسية المتعبة, فلا يوجد فرصة للعب أو اللهو, ويؤكد محمد أنه لم يترك التعليم لظروف الأسرة الاقتصادية, فهو من أسرة متوسطة الحال ولم يكن في احتياج للعمل للصرف علي أسرته, ولكن جو الدراسة والمدرسة هو ما دفعه للخروج المبكر من العملية التعليمية. أشرف إبراهيم,17 عاما,يقول: أعمل سائق توك توك منذ ثلاث سنوات, وأنا أيضا طالب في الصف الثاني الثانوي بمدرسة الطباعة, فأنا أعمل بهذه المهنة مؤقتا حتي تستقر البلد أو علي حد قوله لما تتظبط البلد, فأنا لدي ثلاثة أشقاء وأساعد في الصرف علي أسرتي, وأسدد أقساط التوك توك, ويتمني أشرف أن تستقر الأمور في البلد, وأن يكمل تعليمه ويحصل علي مجموع كبير يؤهله لدخول كلية الهندسة, وأن يمتلك مشروعه الخاص, فهو يطمح في أن يكون لديه ورشة لإصلاح السيارات بعيدا عن الوظائف الحكومية. أما محمد شريف,16 عاما, فيقول: أعمل بمهنة سائق توك توك منذ أربع سنوات, فقد تركت المدرسة في الصف الثاني الإعدادي بسبب احتياجي للنقود, فقلت لنفسيما الفائدة من التعليم إذا كنت سوف أنضم إلي طابور البطالة؟ فكثير من الذين أعرفهم وانهوا سنوات التعليم بلا عمل, وينتظرون فرصة عمل, وهي ليست بالأمر اليسير. ثانيا الدروس الخصوصية التي تقصم ظهر الأسرة كانت سببا آخر, فقررت ترك الدراسة والعمل علي التوك توك لأعتمد علي نفسي وتوفير مصاريف الدراسة ومساعدة أسرتي. ويضيف محمد شريف أن هذه المهنة ليست دائمة وإنما هي مرحلة لحين الحصول أو تعلم مهنة أخري, مشيرا إلي أن أسباب ظاهرة عمل الصغار في هذه المهنة هو حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها البلد منذ سنوات, والبطالة والركود والعنف المستخدم من قبل المدرسين في المدارس, وطول المناهج والدروس الخصوصية وكثرة الواجبات المدرسية, والظروف الاقتصادية للأسرة, ويري أن ميزة هذه المهنة هو دخلها الكبير, أو كما يقول: يمكن لصاحب أي حرفة أن يعمل يوما ويعاني من البطالة في اليوم الثاني.أما مهنة سائق التوك توك فدائمة الدخل. ويؤكد محمد شريف أن دخله من هذه المهنة يوميا يتجاوز40 أو50 جنيها حسبالرزق, ويختتم حديثه بأمنية وهي السفر لإحدي البلدان العربية للعمل هناك مثل الإمارات أو السعودية أو الكويت. سمير عباس, مشرف علي موقف التوك توك, يحدثنا عن أسباب ظاهرة ممارسة الصغار لمهنة سائق التوك توك فيقول: لا يوجد فرص عمل متوافرة للشباب, فأسهل وأسرع شيء للحصول علي مهنة هي العمل علي توك توك, ويضيف أن هذه المهنة شريفة, فهم لا يعملون بالسرقة أو تجارة المخدرات, وهي ليست طريقا للانحراف, ويتكسبون رزقهم بالحلال من خلال توصيلهم الركاب إلي المكان الذي يصعب الوصول إليهبالمواصلات العامة, فالحكومة مسئولة عن توفير عمل لهؤلاء الشباب, مؤكدا أن العمل بمهنة سائق التوك توكحل مؤقت لمشكلة البطالة, وهذه المشكلة لا يستطيع حلها أفراد إنما القادر علي الحل هي الدولة, ودور الدول يتمثل في توفير عمل شريف لكل مواطن.