شهد العقد الأول في القرن ال21 عودة لتنامي الثروة العامة والاستثمار العام والملكية العامة ولسيطرة الحكومات علي القطاعات الاقتصادية الحيوية بهدف تحقيق استدامة مسار التنمية. فشركات البترول المملوكة للدول علي سبيل المثال تتحكم حاليا في ثلاثة أرباع احتياطي العالم من النفط الخام, كما تدفع الحكومات الشركات العامة والخاصة التي ترعاها لدخول الأسواق العالمية في مجالات الطيران والنقل البحري وتوليد الطاقة والاتصالات والمعادن والبتروكيماويات وغيرها, وخلال الفترة ما بين2004 و2008 أنشئت117 شركة كبري مملوكة للدولة في مجموعة البريك( البرازيل/ روسيا/ الهند/ الصين) بينما تمتلك الصين اكبر ثلاثة بنوك علي مستوي العالم, كما قامت الدول بتأسيس صناديق الثروة السيادية التي أصبحت مصدرا مهما لتوفير رأس المال في السوق العالمي, ولقد أدت الأزمة المالية الكبري لعام2008 إلي التدخل الحكومي علي نطاق واسع في الاقتصاد, فقامت أمريكا وبريطانيا واليابان بضخ أموال طائلة من الخزانة العامة لمساندة القطاعات المتعثرة وأحيت الحكومة الفرنسية تقليدا تواري منذ عهد الرئيس ميتران في توجيه الاقتصاد, ولعل أهم نتائج هذه الأزمة الطاحنة اعتراف أدبيات التنمية بفشل الرأسمالية غير المقيدة. ورأسمالية الدولة ليست عودة للتخطيط المركزي بل هي نوع من الهندسة الادارية للرأسمالية تشكلها كل حكومة طبقا للخصائص والمعطيات المحلية, وهناك ثلاث طرق طبقت فيها رأسمالية الدولة في العالم الحر علي امتداد التاريخ الحديث استخدمت الكلمة لأول مرة في المانيا عام1896 عند تأسيس حركة الديمقراطية الاجتماعية الطريق الاول تحتفظ الدولة في اقتصاد السوق بالصناعات الحيوية والثاني تسيطر فيه الحكومة علي السوق من خلال حشد وتخصيص الموارد في زمن الحروب والازمات والثالث تسمح فيه الحكومة لبعض الشركات الخاصة باحتكار صناعة بعينها.ورأسمالية الدولة ليست ايديولوجية سياسية متماسكة الأركان ولايوجد نموذج نمطي وحيد لها النموذج المطبق في دول الخليج مثلا يختلف عن النموذج الايراني المجاور وهي لا تمثل تراجعا عن اقتصاد السوق إلي اقتصاد الأوامر الذي ثبت فشله, كما أنها لاتعتمد علي طبيعة النظام السياسي للدولة. وأما مظاهر رأسمالية الدولة حاليا فتتمثل في الشركات الوطنية للطاقة( البترول والغاز) باعتبارها أدوات سياسية استراتيجية, وعلي سبيل المثال فان دستور المكسيك ينص علي امتلاك الدولة لكل موارد الطاقة, وايضا الشركات العامة المملوكة للدولة والشركات الوطنية الخاصة التي تعتمد علي مساندة الحكومة لتحقيق وضع مميز في الاقتصاد المحلي وفي اسواق التصدير وفي الحصول علي عقود في الدول الاخري, وتأتي الصناديق السيادية كما أسلفنا كأداة مهمة لتمويل الشركات العامة والخاصة دون تحميل عبء هذا التمويل علي الموازنة العامة, وهذه الصناديق المملوكة والمدارة من الدول عبارة عن أوعية للفوائض المالية تستثمر استراتيجيا في الداخل والخارج, وسوف يتزايد الدور الذي تلعبه في الاقتصاد الدولي, حيث يقدر صندوق النقد محفظة هذه الصناديق بقرابة عشرة تريليونات دولار في.2013 ويبقي التحدي امام السياسة المصرية لتأخذ في الاعتبار هذا التحول في النهج الاقتصادي وذلك من خلال تحديد درجة تدخل الدولة في السوق في ظل ظروف الازمة الراهنة, فحكومة ساركوزي مثلا وفرت في أثناء الازمة المالية قروضا بشروط سخية للشركات الوطنية بهدف حماية الوظائف في فرنسا, ومن خلال تحديد ايضا درجة الحمائية المطلوبة للمنتجات والخدمات المصرية في برنامج التحفيز المقترح دون الاخلال باتفاقيات التجارة, فعلي سبيل المثال أدرجت ادارة اوباما بندا في حزمة التحفيز الاقتصادي لعام2009 ينص علي شراء المنتج الامريكي, وأخيرا تحقيق فك الارتباط أي تقليل اعتماد النمو علي أسواق خارجية بعينها استيرادا تصديرا, ولقد أصيبت الصين باضرار بالغة في الأزمة العالمية نتيجة اعتمادها علي السوق الأمريكية. لمزيد من مقالات شريف دولار