في ظل ما تشهده الساحة المصرية من تعصب للرأي وتبادل الاتهامات بين القوي السياسية وشيوع فتاوي القتل والتكفير, أكد علماء الدين أن التعصب للرأي والتحجر الفكري سواء كان سياسيا في اتجاه حزب سياسي, أو دينيا تجاه جماعة دينية بعينها آفة من آفات النفس البشرية تمنعها من الرجوع إلي الحق. وتهدد الأمم والمجتمعات بالشقاق والتنافر, وتتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ النفس وإسعاد البشرية. وطالبوا بضرورة قبول الرأي الآخر بعيدا عن التعصب والتحجر الفكري والعمل علي تدقيق مختلف الآراء في جميع القضايا للوصول إلي نتائج سليمة تحفظ وحدة المجتمع وتأخذ بيده نحو التقدم والازدهار. ويقول الدكتور عبد الغفار هلال, الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية, إنه من الحقائق المسلم بها أن الحق أحق أن يتبع, ومعني هذا أن الإنسان يخضع في سلوكه وفي تصرفاته لمبادئ الحق, فينظر في الأمور بموضوعية بعيدة عن التعصب لرأيه أو لرأي جماعته التي ينتمي إليها, فإذا كان الحق معه فإنه يتمسك به وإذا كان الحق عليه فإنه يرجع إلي الصواب, وهذا هو الشخص السوي وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب في رسالته في القضاء إلي أبو موسي الأشعري رضي الله عنهما قال, إن الحق قديم وأن الرجوع إلي الحق خير من التمادي في الباطل, والله سبحانه وتعالي في القرآن الكريم يطلب منا أن نلجأ إلي العدل وإلي القسط. وانتقد الدكتور عبد الغفار هلال حرص البعض علي فرض رأيه علي الآخرين وعدم الاستماع إلي صوت العقل والحق, مؤكدا ان مثل هذا المسلك يؤدي الي ضياع الحقوق. وأضاف قائلا: إنه يجب علي المسلم وعلي الإنسان بصفة عامة أن يرجع إلي الحق المأخوذ من الكتاب والسنة ومن مبادئ الإسلام الصحيحة بحيث لا يغش الإنسان نفسه ولا يغير ضميره لأنه يعلم أن الله يراقبه وأنه مسئول أمام الله عن كل كلمة يقولها وعن كل فعل يفعله, فإذا خاف الله سبحانه وتعالي سيرجع عن الباطل إلي طريق الحق والصواب, فسيدنا عمر بن الخطاب وهو علي المنبر يخطب في الناس عارضته امرأة وهو يتحدث عن قضية المهور, فقال سيدنا عمر أصابت امرأة وأخطأ عمر, فهل لنا أسوة حسنة في أن نرجع إلي الحق بعيدا عن التعصب والعصبية والتحجر الفكري الذي لا يرضي الله عز وجل؟ وأوضح الدكتور عبد الغفار هلال, أن التعصب للرأي رذيلة من الرذائل التي يجب البعد عنها, وأن يبرأ الإنسان منها حتي لا يضيع حقوق الآخرين ويتعرض لعقاب الله سبحانه وتعالي لأن الذي يضيع حقوق الآخرين سواء بقصد أو دون قصد ستقع عليه مسئولية إرجاع الحقوق لأصحابها أو انتظار العقاب في الآخرة, ولذلك قال النبي, صلي الله عليه وسلم, لأصحابه يوما: أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع, فقال لهم النبي صلي الله عليه وسلم ليصحح الخطأ الذي في عقولهم: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا وضرب هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته, فإذا نفدت حسناته قبل أن يقتص مما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرحت عليه فطرح في النار. تأخر الأمم من جانبه يؤكد الدكتور جعفر عبد السلام, الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية, أن التعصب للرأي من أهم أسباب تأخر الأمم فالذي يتعصب لرأيه يري نفسه علي صواب وغيره علي الخطأ وهذا ما يسبب الشقاق والتنافر ويضر بالمجتمع ولقد ضرب فقهاؤنا وعلماء المسلمين الأوائل المثل في التسامح وقبول الرأي الآخر بل مناقشة مختلف الآراء للوصول إلي الرأي الصواب. وأوضح الدكتور جعفر عبد السلام أنه من قبيل البعد عن التعصب للفكر أو للرأي, أن الفقيه والمفكر الإسلامي كان دائما ما يقدم الحجج التي يستند إليها في رأيه ومن ثم نقرأ عبارات مثل مستند الإجماع في كتب الأصول, فلابد أن يستند في رأيه إلي دليل عقلي أو نقلي حتي يمكن إقناع الآخرين به وعبارات مثل رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب تؤكد لنا أن الترجيح بين الآراء هو أساس تغليب رأي علي آخر أو ترجيح كفة علي كفة وهذه هي دروس الفقهاء لنا في البعد عن التعصب للفكر وللرأي في الفقه الإسلامي وهو ما جعل الفقه الإسلامي مدارس متعددة وآراء مختلفة كثيرة ومشتركة في أحيان كثيرة. وطالب بأن يكون هذا المثال والدرس في الاجتهاد هو ما يجب أن يسيطر علي الحياة الفكرية والتشريعية في عصرنا الحاضر دون التعصب للفكر وللرأي خاصة بعد أن شاع التحزب للآراء والتمسك بالرأي الواحد في كل المسائل التي هي بطبيعتها لا تقبل الرأي الواحد وتقبل الاختلاف, وفي النهاية أحب أن أوجه رسالة لكل علمائنا في العصر الحديث بضرورة قبول الآخر وتمحيص مختلف الآراء للوصول إلي نتائج سليمة تحفظ وحدة المجتمع وتأخذ بيده نحو التقدم والازدهار.