خريجو احدي كليات الإعلام استضافوني في حديث تصوروا أنني سوف أقدم لهم في كلمات سريعة روشته نجاحهم والوصول إلي الشهرة والمجد.. وقد قلت لهم إن المشكلة أنهم يبدأون في عصر مختلف تماما عن العصر الذي بدأ فيه جيلي عندما لم يكن هناك محمول وكمبيوتر وانترنت وسماوات مفتوحة, وأخبار تطير عبر العالم كل ثانية, وقدرة علي مطالعة أية صحيفة تصدر في أي مكان في العالم وتخزين أكبر المعلومات في شبه نوتة بحجم ورقة الكراسة.. قلت لهم إننا كنا نكتب بطاقات الأرشيف بأيدينا.. وعندما قررت دراسة البترول والتخصص فيه فترة دامت عشر سنوات (76 77) كان لها أكثر الأثر في تفكيري ورؤيتي للقضايا السياسية والقرارات والعلاقات, كتبت آلاف البطاقات, ويوم أردت التخلص منها دهشت للوقت الذي كان لدي وكتبت فيه كل ذلك, مع ذلك فقد أصبح ماتضمنته هذه الآلاف من البطاقات ضئيلا أمام أبواب المعرفة والمعلومات التي أصبح يستطيع الوصول اليها من يريد من خلال الوسائل المتطورة, وقلت لهم إنه لو أتيح لي أن أوفر الجهد الذي بذلته في كتابة آلاف البطاقات التي كتبتها لاستطعت أن أنجز في مجالات أخري أضعاف ماأنجزته, وقلت لهم: اذا كانت هناك نصيحة واحدة خرجت بها من تجربة عمل في المهنة تجاوز السنوات الخمسين فهي ألا يتصور أي منهم أنه تخرج في كليته ولم يعد تلميذا, وأنه في كليته كان تلميذا لمواد محددة أما بعد تخرجه فهو تلميذ لمواد غير محددة موضوعا وآفاقا.. وعندما عايشت كل الأساتذة والعمالقة الذين عرفتهم اكتشفت أن أساس نجاحهم أنهم استمروا جميعا طوال حياتهم تلاميذ في مدرسة المعرفة, وهي مدرسة لاتمنح تلاميذها أية شهادة لأنه لاتخرج فيها, ولأنهم عاشوا حياتهم تلاميذ حتي آخر العمر فقد أصبحوا أساتذة.. فكل أستاذ تلميذ ولكن ليس كل تلميذ استاذا! ولاأعرف ان كانت رسالتي وصلت أم أنهم سخروا من الذي يطالبهم بأن يعودوا تلاميذ بعد أن حصلوا علي شهادات التخرج! [email protected] المزيد من أعمدة صلاح منتصر