استخراج اسماء المشمولين بالرعاية الاجتماعية الوجبة الاخيرة 2024 بالعراق عموم المحافظات    تمويل السيارات للمتقاعدين دون كفيل.. اليسر    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    نيفين مسعد: دعم إيران للمقاومة ثابت.. وإسرائيل منشغلة بإنقاذ رأس نتنياهو من المحكمة    رئيس إنبي: من الصعب الكشف أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال للزمالك    «هساعد ولو بحاجه بسيطة».. آخر حوار للطفلة جنى مع والدها قبل غرقها في النيل    رابط نتائج السادس الابتدائى 2024 دور أول العراق    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    بيكلموني لرامي جمال تقترب من 9 ملايين مشاهدة (فيديو)    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    نائب محافظ بنى سويف: تعزيز مشروعات الدواجن لتوفيرها للمستهلكين بأسعار مناسبة    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    حلمي طولان: حسين لبيب عليه أن يتولى الإشراف بمفرده على الكرة في الزمالك.. والفريق في حاجة لصفقات قوية    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    ملف يلا كورة.. إصابة حمدي بالصليبي.. اجتماع الخطيب وجمال علام.. وغياب مرموش    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فؤاد زكريا: أطروحات نصر حامد أبو زيد لم تكن بالخطورة التي صورها الإعلام..
نشر في القاهرة يوم 16 - 03 - 2010

وما كتبه القرضاوي عن «الإسلام والعلمانية» تشويه كبير
غادر عالمنا فجر الجمعة الماضي المفكر الكبير د. فؤاد زكريا عن عمر ناهز 83 عاما، بعد رحلة طويلة من الإبداع الفكري العقلاني وقبل أسابيع من وفاته التقته القاهرة ليتحدث إليها عن أهم محطات حياته وأشهر معاركه الفكرية. الدكتور فؤاد زكريا مفكر عقلاني من طراز فريد قل نظيره، وأستاذ للفلسفة تمكن من ترك بصمات غائرة في مسيرة الفكر العربي خلال نصف القرن الأخير، وكان علماً علي مدرسة فكرية فلسفية عقلانية نقدية تعتمد النظر النقدي وفعل المساءلة في كل ما تتعرض له من مشكلات أو بحوث. وهو ممن يؤمنون إيمانا جازما بسلطة العقل وحده في كل القضايا والمسائل التي يتناولها وإن صدمت جموع الناس وجلبت لصاحبها سخط الساخطين وغضب الغاضبين. والإيمان بقدرة هذا العقل علي فهم واستيعاب القوانين الطبيعية والاجتماعية التي يحيا في ظلها هذا العقل، ومن ثم قدرته علي السيطرة علي هذا العالم والتحرر من قيود الضرورة وانفساح المجال أمامه كي يبدع وينطلق إلي آفاق أرحب من الإبداع والتطلع إلي مستقبل واعد دون قيود أو معوقات.
ومنذ أن حصل علي درجة الماجيستير عن أطروحته «النزعة الطبيعية عند نيتشه»، ودرجة الدكتوراة عن أطروحته المهمة «مشكلة الحقيقة» عام 1956م، ظل فؤاد زكريا شديد العناية والانتقاء لما يكتب أو يترجم أو حتي في تعليقاته ومراجعاته علي أعمال الآخرين.. وهو يصدر في كل ما يكتب عن وعي شديد بافتقار الثقافة العربية والعقل العربي إلي العقلانية النقدية والتفكير العلمي المنهجي السليم.
وعندما أصدر كتابه القيم «التفكير العلمي» عام 1977م، ظل هذا الكتاب فريدا في بابه ولم يكتب مثله في دقة التحليل وعمق التناول، وكذلك في كتابه الفذ عن الفيلسوف اليهودي «اسبينوزا» الذي نال عنه جائزة الدولة التشجيعية في مصر عام 1962م، وظل هذا دأبه وديدنه في كتبه التالية مثل «نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان»، و«الإنسان والحضارة»، و«خطاب إلي العقل العربي»، و«آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة»، وغيرها من الأعمال والمؤلفات التي تشهد كلها بأنه كان غزير المعرفة عميق التأمل ثاقب النظر، يتمتع بعقلية نقدية جبارة ومنهج صارم طبقه دائما ومارسه باستمرار، مما أهله وساعده ليكون أحد أهم المفكرين في العالم العربي..
كما ساهم بجهد ثقافي رفيع من خلال ترؤسه لتحرير مجلتين من أهم المجلات الفكرية والثقافية التي صدرت في القرن العشرين وهما مجلتا «الفكر المعاصر»، و«تراث الإنسانية» اللتان كانتا تصدران في مصر في الستينات والسبعينات من القرن الفائت. بالإضافة إلي تأسيسه وعمله كمستشار لسلسلة «عالم المعرفة» التي تصدر بالكويت منذ يناير 1978م.
وللأسف الشديد لم تسمح ظروفه الصحية بوقت أطول مما كان مسموحاً لنا به لإجراء الحوار قبل وفاته بأسابيع قليلة ولو كان متاحاً لنا أكثر من هذا لكنا خرجنا بزاد وفير وحصيلة معرفية وفكرية وحوار أشمل وأطول من هذا.. رحمه الله
مشكلات مزمنة
يعاني العقل العربي، من مشكلات مزمنة منها الانسياق وراء الوهم والخرافة والخلط بين ما هو علمي وغير علمي والبعد عن مواجهة الحقائق في طبيعتها المحايدة.. في رأيك لماذا؟ وما المشكلة الأكثر بروزا من بينها؟
- إن التحليل الدقيق للمشكلة هو أن استمرار أو سيادة نمط واحد محدد من أنماط التفكير أو شيوع التفكير اللاعقلاني وغياب المنطق وحضور الخرافة، كل هذا يؤدي في النهاية إلي تكريس وتثبيت الأوضاع الصعبة التي تعاني منها الشعوب العربية، وبقاء هذه الأوضاع حتي الآن يعني أن التفكير العلمي السليم ما زال بعيدا عن التغلغل في أذهان الناس وحياتهم العامة علي جميع المستويات والطبقات.
العقول لا تتغير من فراغ، فلا معني لدعوة تغيير طرق التفكير عند الناس أولا، ثم بعد ذلك تغيير الظروف والأوضاع، لأن الدعوة بهذا الشكل دعوة معكوسة، لأن العقول لا يعاد تشكيلها بقرار فوقي أو خطة طويلة المدي، العقول لا تبدأ في التغير إلا بعد أن تتغير الأوضاع من حولها..
نحن ما زال لدينا أناس يدافعون ويروجون للشعوذة والسحر والدجل إلي يومنا هذا، ومنهم من يؤمنون بهذا وهم حاصلون علي مستويات تعليمية عليا، وكل هذا نتيجة إحساس الإنسان بالعجز عن مواجهة أزماته ومشكلاته التي يواجهها.
أما أهم مشكلة نعاني منها، فبالطبع هي مشكلة الحرية، بمعني ترك كامل الحرية للكتاب والمفكرين في أن يقولوا ما يعتقدونه وما يريدونه دون قيود مفروضة عليهم من أي نوع ودون فرض تحريمات أو قيود عليهم في أهم الميادين التي يرتادونها أو المجالات المعرفية والفكرية التي يعالجونها ويدرسونها، وبالأخص في الدين والسياسة، ومختلف المجالات المطروقة للدراسة والتفكير.
كان لكم مجهود كبير وبارز في إعمال التفكير النقدي والقيام بفعل المساءلة النقدية في كل ما ألفتم من كتب أو كتبتم من مقالات أو ألقيتم من محاضرات.. هل تري أننا نفتقد الآن إلي فعل النقد والمساءلة في ثقافتنا المعاصرة؟
- الإجابة عن هذا السؤال ترتبط بالإجابة عن السؤال السابق.. لأن فعل النقد والمساءلة لا يمارس الآن كما ينبغي ولا يقوم بالدور الفاعل واللازم له بسبب القيود الموضوعة علي حرية المفكرين والكتاب.. بمعني أن فعل النقد الآن لا يتمتع بالصلاحيات الواجبة وكما يراد له أن يكون نتيجة القيود التي توضع علي حرية المفكر تجاه قضايا الواقع وقضايا المجتمع..
أزمة الفكر العربي
المشاريع العربية الفكرية التي حاولت أن تشخص أزمات الفكر العربي وتطرح رؤي من زوايا مختلفة ومناهج متنوعة لمعالجة أزمات وقضايا الواقع العربي والفكر العربي والثقافة العربية.. مثل مشروعات محمد عابد الجابري وعبد الله العروي ومحمد أركون وطيب تيزيني وغيرهم.. ما رأيكم في هذه المشاريع وهل شكلت في مجملها مشروعا فكريا كبيرا له ملامح وقسمات محددة؟
- بداية أنا لا أحب استخدام كلمة «مشاريع» فكرية؛ لأنها تضخم محاولات عادية للتفكير في مسائل محددة، وهي كلمة فيها تعميم وتضخيم لا أحبهما ولا أميل إلي استخدامها أكثر من اللازم لما قام به هؤلاء الأساتذة الذين ذكرتهم في سؤالك. وهؤلاء الأشخاص الذين ذكرتهم في سؤالك وغيرهم ممن قاموا بمحاولات للتفكير في أوضاع الواقع العربي والبحث عن جذور أزماته ومشكلاته لم ينجحوا في تكوين تيار فكري عربي محدد المعالم والقسمات، يمكن أن يكون له صدي واسع في إحداث حركة تحرير اجتماعي واستنارة فكرية حقيقية. لم تنجح هذه الجهود في إيجاد تيار فكري تنويري يماثل ما قام به المفكرون والفلاسفة الفرنسيون أو من يطلق عليهم «الموسوعيون» في القرن الثامن عشر قبل الثورة الفرنسية، أو أدباء روسيا ومفكريها في القرن التاسع عشر قبل الثورة الروسية.
وعموما وكما بدا لي سابقا فإن كل دارس أو مهتم بالعقل العربي وقضاياه وإشكالياته المتعددة يجب عليه أن يبدأ بما سبقه من محاولات وجهود قام بها الآخرون السابقون عليه، وأن يكون واعياً ومدركاً لأهم ما في هذه الجهود حتي يستطيع أن يقوم بمعالجات جديدة لنفس القضايا والموضوعات التي تناولها غيره أو يضيف جديداً لم يسبق إليه. والعقل العربي في ظل ظروفه الآنية يظل في حاجة الي تأمل ذاته ومراجعة أوضاعه وأحواله تأملا نقديا جادا وشاملا.
تجديد الخطاب الديني
تصاعدت الدعوات إلي تجديد الخطاب الديني بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وتغيرت صورة الإسلام والمسلمين لدي الآخر الغربي تغيرا شديدا للأسوأ. ما رأيكم وتحليلكم لهذه المسألة؟
- أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، كان لها علاقة بالإرهاب المباشر ولا صلة لها من قريب أو بعيد بتجديد الخطاب الديني كما زعم الزاعمون. الخطاب الديني كان جهده مركزا خلال هذه الفترة علي الفصل بين الإسلام والإرهاب.
والمحاولات التي قدمت للدفاع عن الإسلام وتقديم الصورة الصحيحة له في الغرب.. هل كانت ناجحة بالقدر الذي يمكن أن يغير من النظرة المرتابة لكل ما هو مسلم في المجتمعات الغربية؟
- أنا أعتقد أنه لم يكن لها نصيب كبير من النجاح، لسبب واحد وهو أن كل هذه الأعمال الإرهابية التي كانت تحدث، كانت تتقنع وتتحدث باسم الإسلام، دون أن يكون هناك ما ينفي أن هذه الأعمال بعيدة أو غير مرتبطة بالإسلام. وفي نفس الوقت لم يحاول المسئولون ورجال الدين المسلمون القيام بما يتحتم عليهم القيام به من كشف وفضح زيف وادعاءات هذا الفريق من المسلمين الذين يقومون بأعمال إرهابية باسم الإسلام، وأن يعلنوا تبرؤهم من هذه الأعمال ومن مزاعم وأكاذيب هؤلاء المدعين المحتكرين التحدث باسم الإسلام. وأن يكون هذا الإعلان إعلانا صريحا وواضحا في رفضهم وإدانتهم لهذا الفريق.
إذن فهناك اتهام صريح ومباشر للقائمين علي أمر الإسلام من علمائه ومفكريه بالتقصير الشديد في التصدي لمن يزعم أنه يتحدث باسم الإسلام ويحتكر كل شيء باسم الإسلام؟
- نعم، وبيني وبينك أنا سأذهب إلي أبعد من ذلك بكثير، وأقول إنه كان يجب الإعلان صراحة بعدم انتساب هؤلاء الإرهابيين والمخربين إلي الإسلام، وأن الإسلام منهم ومن أعمالهم وإرهابهم براء. لأن الذين يسيئون للإسلام بهذه الطريقة وفي العالم كله ويتبجحون بالقول إنهم يخدمون الإسلام ويعلون من شأنه، هؤلاء هم من يجب إخراجهم من زمرة الإسلام والمسلمين. وليس أشخاصا مثقفين أو دارسين لم يفعلوا شيئا أكثر من أنهم مارسوا حقهم الطبيعي في التفكير والاجتهاد وإعمال العقل ولم يقوموا إلا بالخروج علي التفسيرات الرسمية للنصوص.
معني هذا أنكم تأخذون علي المثقفين والعلماء والمفكرين المتنورين عدم الحسم الفكري والعقلي في التعامل مع من يمارسون الإرهاب باسم الإسلام في حين يمارس بعضهم عنفا فكريا ضد المخالفين في المنهج أو الرأي حول تفسيرات وتأويلات للنصوص الدينية في إطار الإسلام؟
- نعم، ويكفي أن أشير إلي نموذج الدكتور نصر أبو زيد الذي تعرض إلي الخروج من الجامعة، وتعرض إلي محنته المعروفة، وصدرت ضده أحكام قضائية بالتفريق بينه وبين زوجته.
وأنا أتصور أن الطروحات والأفكار التي قدمها الدكتور نصر أبو زيد لم تكن بالخطورة التي صورت بها إعلاميا والتي تستلزم كل ما مورس ضدها وضده من قمع وإقصاء وإبعاد، إلي أن اقتضي الأمر أن يترك مصر ويعيش في هولندا.. كان من الممكن جدا استيعابها واحتواؤه دون إلحاق أي ضرر أو أذي بالرجل لو كنا نفهم حق الفهم معني وقيمة «الحرية الفكرية».
الإسلام والعلمانية
المناظرة الفكرية التي دارت حول «الإسلام والعلمانية» التي عقدت بدار الحكمة بنقابة الأطباء المصريين.. هذه المناظرة التاريخية لم يشهدها الكثيرون في عموم وأرجاء الوطن العربي.. ولم تسجل إلا من طرف واحد فقط.. فلماذا لم تقوموا بتسجيلها وتدوينها حسب معطياتها ونتائجها من وجهة نظركم؟
- للأسف الشديد، لم أستطع القيام بتدوين هذه المناظرة كما جرت أحداثها، لأن التسجيل الذي كنت أحتفظ به، استعاره أحد الأشخاص مني ولم يقم بإعادته إلي ثانية، فلم أتمكن بالتالي من تدوينها وكتابتها. وحاولت بعد ذلك أن أحصل علي نسخة من هذا التسجيل لكنني لم أنجح في ذلك.
وأنا أعتقد أن ما كتبه القرضاوي عن هذه المناظرة كان به تشويه كبير لما حدث فيها، لكي يظهر نفسه ويعلن أنه هو المنتصر في هذه المناظرة، ويظهرني علي أنني كنت متهافتا.. وما حدث في تلك المناظرة كان عكس ما تم الترويج له تماما، أنا أعتقد أنني استطعت الدفاع عن العلمانية والتنوير في تلك المناظرة بطريقة سببت الحرج الشديد لمناظري الشيخين محمد الغزالي ويوسف القرضاوي.
عمل الدكتور فؤاد زكريا بالعديد من الجامعات المصرية والعربية وتخرج علي يديه الكثيرون من الطلاب والتلاميذ.. مَن من هؤلاء التلاميذ يعده الدكتور فؤاد زكريا امتداده الفكري وحامل لواء العقلانية النقدية التي تزعمها؟
- الوحيد الذي يمكنني أن أعتبره تلميذا بالمعني المباشر لكلمة تلميذ، وأنه الوحيد الذي كان قادرا علي استكمال الاتجاه النقدي الذي كنت بدأته، هو المرحوم الدكتور محمود رجب أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، عليه رحمة الله. أما الآخرون فلم يرتفعوا إلي مصاف هذا المستوي الذي بلغه المرحوم الدكتور محمود رجب.
معارك فكرية
كيف يري الدكتور فؤاد زكريا، الآن، وبعد هذه الرحلة الطويلة العامرة معاركه الفكرية والنقدية التي خاضها وهل يراها بعين الرضا أم لو عاد به الزمن لكان له معها شأن ورأي آخر؟
- أنا أري أنني خضت معاركي دفاعا عن قناعاتي الفكرية وكشفا لمواقف وتيارات معينة، وسأحاول أن أضرب لك مثلا بسيطا موضحا، ويلخص الإجابة عن سؤالك.. كنت قد كتبت مقالا عقب حرب السادس من أكتوبر عام 1973 وكان بعنوان «معركتنا.. والتفكير اللاعقلي»، وبعد أن نشرت هذا المقال البسيط في جريدة «الأهرام» المصرية، هوجمت هجوماً شديدا وعنيفا في كل مكان وفي معظم وسائل الإعلام المصرية في ذلك الحين حتي وصل الأمر أنني لعنت علي منابر المساجد لأني حاولت تفنيد الزعم القائل بأن الملائكة نزلت وساعدت الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973م، وقلت آنذاك إنه من الظلم البين أن ننسب الانتصار العسكري الوحيد الذي أحرزناه في العصر الحديث علي الأعداء إلي الملائكة وننكر الجهد الشاق الذي بذلته القوات المسلحة في التدريب والإعداد والاستعداد الشاق، كما أننا بذلك نغفل جهود كل من خطط وجهز وأعد ودرب واستعد لهذه الحرب. وكأنني قد «جاهرت بكفري» عندما أعلنت رأيي هذا!
أما ما أطلق عليه معركة بيني وبين الداعية الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي فلم تكن معركة بالمعني المفهوم، إنما كانت في حقيقة الأمر تعليقا نقديا علي أحد مقالاته أو علي رأي من آرائه التي أعلنها في مناسبة ما. وهو لم يقم بالرد علي ما علقت ولهذا فهي لا تعد معركة بالمعني المفهوم.
ومعركتك التي خضتها مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ردا علي كتابه «خريف الغضب» وحملت نقدا ضمنيا وعنيفا للناصرية؟
- هي كانت أهم معركة إذا جاز التعبير، لأنها كانت ضد محمد حسنين هيكل ردا عليه في كتابه «خريف الغضب»، وبالطبع في نقدي لهيكل نقد ضمني وتقييم لمرحلة الرئيس جمال عبد الناصر والتجربة الناصرية في مجملها. وأنا كنت كعادتي دائما أريد أن أعبر عن رأيي أنا الخاص، وليس مساندة أي حاكم ضد حاكم آخر، وبالنسبة لمحمد حسنين هيكل فأنا هاجمته وكشفت عما حاول هو أن يخفيه عن نفسه بشكل واضح يستطيع القارئ أن يستنتجه بسهولة من القراءة الفاحصة لردي عليه في كتاب «كم عمر الغضب». وهو ما زلت علي قناعة به إلي الآن. لدرجة أنه كان في زيارة إلي الكويت وقام أحد معدي البرامج بالتليفزيون الكويتي هناك بدعوته لمواجهتي في مناظرة علنية لكنه تجنب هذا اللقاء وتلك المناظرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.