السؤال عما سيحدث في مصر يوم 25 يناير الجاري أي بعد نحو ثلاثة أسابيع من الآن يشغل الكثيرين منذ أن نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط (الرسمية) علي لسان مسئول رفيع المستوي لم تسمه عن وجود مخطط لإشعال حرب أهلية في ذكري يوم الثورة. فقد نقلت الوكالة عن هذا المسئول رصد جهات أمنية سيادية الأرجح أنها جهات استخباراتية ما أسمته ب تحركات واتصالات لشخصيات مصرية مع جهات أجنبية خارجية هدفها إحداث اشتباكات دامية بين الشعب والقوات المسلحة في ذكري الثورة, وسقوط قتلي وإشعال حرائق, وإثارة الفوضي في الشارع لإسقاط الجيش ومن ثم إسقاط الدولة. اللافت هنا أن تسريب هذه المعلومات تزامن مع الكشف عن ضلوع إسرائيليين وأوكراني في تهريب أسلحة إلي داخل مصر عبر الحدود مع إسرائيل شبيهة بالأسلحة التي تستخدمها أجهزة الأمن المصرية, واعتبار عملية تسريب السلاح هذه أحد الأساليب التي تستهدف بها الجهات الأجنبية مصر في ظل الأحداث الجارية, كما تزامن مع كشف المحامي يسري عبد الرازق, رئيس هيئة الدفاع المتطوعة للدفاع عن حسني مبارك والمنسق العام لوفد المحامين الكويتيين للدفاع عن الرئيس السابق أن هيئة الدفاع (عن مبارك) توصلت إلي ما أسماه ب أدلة ومستندات جديدة, متعلقة بأحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء الأخيرتين من شأنها أن تظهر براءة مبارك من تهمة قتل المتظاهرين أثناء الثورة المصرية, وأن ما تم الحصول عليه من مستندات ووثائق وشهود إثبات جدد تدعم كلها ثلاثة عوامل رئيسية مترابطة بين هذه الأحداث الأخيرة والثورة وهي: أن نوعية السلاح المستخدم في قتل المتظاهرين فيها كلها واحدة, وأن مواقع قنص المتظاهرين واحد, وأن التحريض علي استفزاز الأمن سواء كان من الداخلية أو الجيش تم بذات الأسلوب والتكتيك. واستخلص هذا المحامي من تلك العوامل الثلاثة والأدلة التي حصلوا عليها من داخل مصر وخارجها تثبت تورط عناصر داخلية بالتعاون مع عناصر خارجية ومن خلال اختراق لموقع (فيس بوك) في العمل معا لمخططات مسبقة, وأن هذه العناصر هي ذاتها التي قامت بسرقة سيارات المطافئ والشرطة وقامت بدهس المتظاهرين, وقامت كذلك بفتح السجون وحرق أقسام الشرطة, وفق أوامر من حزب الله, وكتائب القسام وجماعة الإخوان المسلمين. هذه الأقوال جاءت متوافقة مع ما ورد في مرافعات محامي الدفاع عن مبارك ورجال نظامه في جلسة المحاكمة التي أجريت يوم الأربعاء الماضي (28 ديسمبر الفائت) خاصة أقوال المحامي الذي قال في بداية مرافعته: في بداية محاكمة الرئيس السابق محمد أنور السادات لم أكن أنوي أن أترافع فيها ورده القاضي أحمد رفعت الموجود في القفص محمد حسني مبارك وليس أنور السادات. هذا المحامي قال في تلك الجلسة إنه حصل علي مستندات من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تؤكد أن الثورة قامت لتنفيذ مخطط تقسيم مصر إلي 3 دول مسيحية وإسلامية وتوطين فلسطيني المهجر في سيناء, كما جاءت متوافقة أيضا مع مطالب محامي حبيب العادلي بالربط بين أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وأحداث الثورة من خلال المطالبة بضم صورة من تحريات وزارة الداخلية عن الأحداث التي وقعت منذ 25 يناير 2011 مرورا بأحداث شارع محمد محمود وماسبيرو والاعتداء علي مديرية أمن الجيزة والسفارة السعودية والسفارة الإسرائيلية وأحداث قصر العيني, وحرق المجمع العلمي, والاستعلام عن سيارات الشرطة التي تمت سرقتها منذ يوم 18 يناير. الرابط بين هذا كله هو الترويج للمؤامرة, وإذا كان دفاع مبارك والعادلي يريد من خلال الربط بين أحداث ثورة يناير وما أعقبها من أحداث وصدامات دامية تبرئة مبارك والعادلي من خلال تأكيد وجود طرف ثالث هو من قام بقتل الثوار أيام الثورة ومن قام بالقتل في الأحداث الأخري التي أعقبتها, وتبرئة الشرطة من قتل الثوار في أحداث الثورة وتبرئة كل من الشرطة العسكرية وقوات الأمن من إصابة وقتل من أصيبوا وقتلوا في أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء, فإن الأخطر والأهم هو تحويل الثورة إلي مؤامرة علي نحو ما كان يقول ويردد ويؤكد إعلام مبارك طيلة أيام الثورة, وأن المؤامرة محصورة في إيران وحزب الله وحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين, ومحاولة الإيحاء بأن هذه المؤامرة سوف تتجدد مرة أخري في الذكري الأولي للثورة. مصدر الخطورة هنا يأتي من أمرين: أولهما, أن محاولة استباق الأحداث وتعمد تشويه أي نشاط من جانب الثوار في هذه المناسبة باعتباره مؤامرة تشارك فيها أطراف داخلية وأخري خارجية من شأنه أن يزيد من اتساع فجوة عدم الثقة بين الثوار والمجلس العسكري وأن يفسد ويفشل كل الجهود التي تبذل من أطراف عديدة لمحاصرة هذه الفجوة ودعم الثقة بين كل الأطراف من خلال المشاركة في وضع أجندة طريق آمنة لما تبقي من أشهر المرحلة الانتقالية, والعودة إلي روح التلاحم بين الشعب والجيش. وثانيهما, أن التورط في تكريس وصف الثورة ب المؤامرة علي النحو الذي يحاول فلول نظام مبارك الترويج له, يحمل مؤشرات جادة للانقلاب علي الثورة, واستغلال مناخ الأزمة الراهن لسكب المزيد من الزيت علي نار الخلاف بين المجلس الأعلي والثوار والعديد من القوي السياسية, علي أمل أن يقود المجلس انقلابا علي الثورة بدعم من الفلول, وتوظيف حالة الاستياء الشعبي المتزايدة من افتقاد الأمن وتسارع موجات الغلاء لدفع الشعب إلي ما يمكن وصفه ب القصاص من الثورة لإنجاح مخطط الانقلاب عليها. الخطر هنا سوف يشمل الجميع: الجيش والشعب والثورة, ولن يستفيد منه غير نظام مبارك وحلفائه في الداخل والخارج الذين يسعون جميعا إلي شيطنة الثورة وتحويلها إلي محض مؤامرة دفاعا عن مصالحهم التي يخشون عليها, ويبقي البديل هو الانتصار للثورة ودعم وحدة الشعب والجيش, وعدم الانجرار لأي محاولة للوقيعة بين الطرفين, ولن يتحقق هذان الهدفان إلا عبر التوصل إلي مشروع وطني توافقي يضمن العبور الآمن من هذه المرحلة الانتقالية, وأن تتضافر كل القوي لجعل يوم 25 يناير عيدا مصريا خالدا يحتفل فيه الشعب والجيش بثورته وثواره ويتعاهد الجميع علي تحقيق الأهداف التي قامت الثورة من أجلها وأن يقف الكل يدا بيد ضد كل من أهانوا مصر وأفسدوها بدلا من السقوط في مستنقع المؤامرة. المزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس