الكثير من الناس يخلطوا الآن بين كلمة فتوة وكلمة بلطجي رغم أن الفارق بينهما شاسع وكبير.. فالأول يرمز للشجاعة والشهامة والجدعنة والمروءة والقوة والنجدة والأنصاف والإقدام وحتي الطيبة. أما الثاني فيرمز للشر والإجرام والخسة والنذالة والانحطاط والظلم وعدم الحس والشعور وضياع الخلق الإنسانية ورغم ذلك التفاوت الكبير الذي يفصل بين فتوات زمان وبلطجية الآن إلا أن القاسم المشترك بينهما هو قرميدان أو السجن أو الموت شر موته ليلقي حسابه من الخالق عز وجل عما اقترفته يداه أو عقله في لحظة غياب وما بين بدايات عصر الفتونة في القرن العشرين إلي ظهور عصر البلطجة مع القرن الواحد والعشرون تعال لنتعرف علي تاريخ فتوات زمان. اشتهرت أحياء القاهرة المحروسة الشعبية في القرن التاسع عشر بمعارك الفتوات واشتهر كل حي بالفتوة الخاص به وكثيرا ما دارت معارك دموية بين فتوات حيين من أحياء العاصمة. فكثيرا ما وقعت معارك بين حي الحسينية و حي القبيسي لعداوة قديمة ترجع لعشرات السنين. وكثيرا ما رأي فتوات الحيين في مجالسهم يروون تواريخ المعارك القديمة وبطولة آبائهم وأعمالهم وأشهر تلك المعارك معركة دارت في عام1909 وظل التار موجود حتي بعد عشرون عاما عندما دارت معركة شرسة امتدت إلي أحياء السكاكيني والظاهر. وكان الفتوات يستخدمون التهم في المعارك بالعصي والنبابيت إلي جانب القوة البدنية وأشتهر بينهم أحمد عرابي فتوة الحسينية الذي كان يمتلك قهوة حولها إلي محكمة يتقاضي فيها المتخاصمون فيحكم بينهم بما يراه وقضاؤه نافذ رغم أي حكم صدر من المحاكم الأهلية. هكذا كانت في الأحياء الوطنية الشهيرة بالعاصمة المحروسة جماعة من أولاد البلد لا هم لهم إلا اقتحام المخاطر وارتكاب الحوادث فلا ينتهون من حادثة إلا إلي أخري ولا ينجون من كارثة إلا إلي أفظع منها أولئك هم الفتوات الذين صورهم لنا أديب نوبل عمنا الكبير وأستاذ الرواية نجيب محفوظ في فيلم فتوات الحسينية. وسبق المعلم فهمي الفيشاوي الحاج مهدي سليمان العجمي فتوة سيدنا الحسين الأول وثلاثي فتوات حي الناصرية بالسيدة زينب أبو طاجن وحسن الأسود وأحمد منصور وباب اللوق كان يوجد ثلاثي أخر هم عبده الجياشي وفرج الزيني ومرجان السقا وفي حي الحنفي حسن جاموس وحافظ الهواري وفي المحجر حسن الخشن وفي الخطابة حنفي حلوف وفي المغربلين عزيزة الفحلة وأبنها محمد وفي باب الخلق المعلم محمود الفلكي وفي سوق السلاح المعلم عبد الغني وفي الدراسة المعلم حسن كسله وفي العطوف ابن وهدان وفي باب البحر سيد عواد وفي الجمالية أولاد منتهي والمعلم بدوي العلاف وشقيقه علي وفي الجيزة المعلمة جليلة سكسكة وفي الإسكندرية المعلم سلامة سلبو فتوة اللبان وفي رأس التين والسيالة المعلم أبو خطوة وفي أنسطاسي المعلم زغلول. لم يتوقف عنصر الفتونة علي الرجال في ذلك الزمان بل ظهرت فتواية الأحياء مثل المعلمة زكية فتواية سوق الخضار والمناصرة فتلك المرأة التي قهرت الرجال وجلبت منهم الأموال و خضعت بقوة عضلاتها وشدة بأسها أحسن وأتخن شنب في الخط وتعرف كيف يستحسن ضرب الروسية وفي بعض المعارك وكيف يكتفي في بعضها بمقلب الحرامية فذلك هو الأمر الذي يثير الدهشة ويدعو إلي الاستغراب..