ارتبطت الفتونة في الأحياء الشعبية المصرية بأخلاقيات أولاد البلد, شخص مفتول العضلات, له هيبة, يفض المشاجرات, يرعي النظام والعدل في الحي الذي يقطنه, كان ذلك في القرن الماضي, وكان أشهر الفتوات, إبراهيم كروم فتوة بولاق, وإبراهيم الشامي فتوة عمادالدين, قبل أن يتحول الفتوات الي قبضايات, وظيفتهم, إشاعة الذعر, ووسيلتهم النبوت, يوفرون الأمن في مقابل الأتاوة, والناس يقبلون صاغرين ليأمنوا شرهم, وبلغ من إحكام سطوتهم, أن من كان يريد الزواج, عليه استئذان فتوة الحي أولا, حتي يؤمن له ليلته, كان يحدث ذلك في غيبة كاملة للشرطة, أو بالتعاون معهم, وحين أرادت الشرطة, في الثلاثينيات والأربعينات, التخلص من الفتوات, لم يكن سهلا, ولجأت إلي الحيلة, والمؤامرة, فكانت توغر صدور بعض الفتوات علي بعضهم بعضا, فتحدث معركة تنتهي بسقوط فتوة, إلي أن تخلصت منهم جميعا. ولم يبق وجود للفتوات إلا في التراث الشعبي, وروايات نجيب محفوظ, فتوات الحسينية والفتوة والحرافيش والتوت والنبوت وعاشور الناجي. ثم الفتوة خفيف الظل النمساوي بيه, صاحب نداء ياض ياميمو بمسرحية أنا وهو وهي. عادت الفتونة, لكن بشكل مختلف, البلطجة, في عصر زاد فيه العنف, وغابت عنه الأخلاق النبيلة, والشهامة, ومحاولات مستمرة لجرجرة مصر إلي عصر الظلام, مع تغييب العقل والقانون, ثم اللجوء لتلك المادة القانونية المنسية, التي تتيح لكل من هب ودب أن ينصب نفسه رقيبا وقوة متسلطة علي الآخرين, مما ينذر بمزيد من حالات الفوضي, لعدم وجود ضوابط, للضابط ولا للمضبوط, وقد يستغلها شخص موتور ضد شخص آخر, وأشخاص يلاحقون فتاة, يتوعدونها, عليا النعمة لنعملك ضبطية إن لم تزعن لهم, ومجموعة تلقي القبض علي مجموعة أخري تختلف عنها في الفكر والتوجه والمعتقدات, و..من شفافية لضبطية وفوضوية, يا قلبي لا تحزن.