خروجا علي التفكير بالمؤامرة, والحديث عنها بشكل شبه مستمر بين تحذير وتبرير, بين ترهيب وتخويف, ومحاولة إثناء الناس والجماهير والثوار عن أي عمل يتعلق بتعبيراتهم واحتجاجاتهم المجتمعية في يوم25 يناير. , بعد مرور العام علي ثورتهم المجيدة, والحديث عن مؤامرات إسقاط الدولة وتفكيكها, واستخدام السلاح الذي يلوح في الأفق خروجا علي مسيرة الثورة السلمية, و حرائق منتشرة في كافة ربوع مصر, وبعد أن فشلت كل الأساليب في التشويه أو التمويه علي ميدان التحرير والميادين الأخري فعلا وفعالية, أو حصار كل الأساليب الاحتجاجية من مظاهرات أو اعتصامات أو مطالبات بتحويلها لكوارث حقيقية, فإن الأمر صار مزعجا في كليته وفي محاولة صناعة صورته, حتي وكأن الأمر من كثرة الحديث عنه صار أقرب إلي تصنيع الصورة ومحاولة تركيبها علي نحو معين لإحداث حالة عامة من التجريم المسبق لأي عمل احتجاجي لثورة أرادت أن تحفظ مسيرتها وتحمي مكتسباتها, تركبت الصورة ضمن هذا التصور الخطير وكأنه يستدعي بشكل خطير إلي أرض الواقع, خطاب شاع وذاع يؤكد علي مآلات الفوضي, وحركات الفتنة. خطاب المؤامرة من قديم الزمان هوحيلة المستبد في الإبقاء علي استبداده, أو حيلة العاجز لتبرير عجزه, تعالوا نتجاوز هذا الخطاب المصنوع أو المصطنع إلي خطاب تفويت الفرصة علي المتربصين, والتعامل بصدق مع مطالب الناس المشروعة بعد عام مر دون عمل كبير كان حريا بهذه الثورة أن تنجزه ومطالب يجب تحقيقها, وأمال عريضة ينبغي ترجمتها إلي واقع حي في طريق بناء مصر الجديدة مؤسسات, وقدرات, وصولا إلي كرامة المواطن ومكانة الوطن, ليس هذا بالشيء الكثير علي شعب مصر بعد ثورة سالت فيها الدماء, وسقط فيها الشهداء, وأصيب من أصيب, وفقد عينه من فقد, إلا أن هؤلاء جميعا قالوا في نفس واحد: أن مصر تستاهل أكثر من ذلك, وأن هذا ثمن الحرية والكرامة( عيش وحرية وعدالة اجتماعية). تعالوا إذن نركب الصورة في مشهد مخالف ومختلف لصناعة وتصنيع المؤامرة والترهيب والتخويف بها ومنها, تركيب المشهد يتضمن النظر للخامس والعشرين من يناير القادم نظرا جادا وحقيقيا يحفظ للوطن كرامته ولمصر ثورتها ومكتسباتها. في الحقيقة نحن لا نريد الخامس والعشرين من يناير احتفالا كرنفاليا نجتمع فيه وننفض في آخر اليوم, نحن لا نريد الخامس والعشرين من يناير كمناسبة إحداث فوضي وتفكيك وممارسة إحراق وارتكاب عنف, نريده ذكري جادة لاستشراف حقيقي لمستقبل مصر الجديدة نركب فيه المشهد بمسئولية الجميع عنه وإخراجه علي نحو يليق بثورة مصر, لا تصبح فيه مصر الدولة, والثورة, والوطن, محل تضارب, إن هذه الأوصاف جميعا ليست متناقضة ولا تدخل في مناقصة أو مزايدة أو منازعة, نحن نريد مصر الدولة الفاعلة القادرة, ومصر الثورة الناهضة الرافعة, ومصر الوطن الجامعة الساهرة. إن كل شخص ومؤسسة في مصر يجب أن يقوم بدور في بناء ثورة25 يناير الجادة تستلهم كل جماعة أو بنيان, يبني كل كيان أو إنسان الرصيد في قيمته المدخرة أو قيمته المستمرة أو قيمته المضافة, فمصر عنوان المكان في عبقريته والمكانة في عزتها ورفعتها. ونحن علي عتبة العام الثاني لثورة مصر نريد من الجميع تحمل مسئوليته, فلا أحد سيعفي من المسئولية ولا أحد سيتواني عن مساءلته, والخامس والعشرون من يناير فرصة لاستشراف مصر الجديدة بعد ثورة عظيمة ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, مصر الذكري الأولي للثورة تستشرف خطوات جادة وحقيقية واثقة في الأداء والبناء, مصر في ثورتها تحمل مطالب وأهدافا يجب أن تكون موضع حشد والتفاف, وتكامل وتكافل في المسئوليات, عنوان هذه الصورة الجادة جملة من العناصر: رئيس مدني شرعي, يحكمني. برلمان شرعي قادر فعال, يحميني. حكومة تستلهم مطالب الشعب, تخدمني. قضاء عادل ناجز, يأخذ لي حقي. رئيس مدني منتخب يعني ضمن ما يعني إعلان جدول زمني بانتخابات رئاسية وشيكة تنقل السلطة من إدارة وتسيير المجلس العسكري إلي سلطة مدنية منتخبة, يتيسر متابعتها ومحاسبتها وتحسن التعامل المدني بعد ثورة مشهودة طالبت بكرامة أهدرت, وعيش كريم استبدل بإفقار متعمد لشعب مصر, وأمن مفقود آن الأوان لاسترداده, وعدالة اجتماعية يراها الكثيرون أغفلت. إن رئيسا مدنيا منتخبا والتعجيل به هو إنقاذ لمصر, وإنقاذ للمؤسسة العسكرية لأن الصورة قد تكون شوهت أو شوشت, وعناصر الشرعية قد تآكلت وفي طريقها لأن تتواري. برلمان شرعي وفعال, يمارس كل أصول فاعليته في الرقابة والتشريع, برلمان الثورة عليه أن يتبني أهداف الثورة وحجم فاعليته بحجم ثورة مصر وامتدادها, برلمان يتحسس المطالب الحقيقية للشعب ويضع خطة لتحقيقها ووضعها علي سلم أولويات المطالبة والمحاسبة, برلمان يهدف إلي حماية هذه الثورة ومكتسباتها واستمراريتها وقدراتها, ويقدم جدولا زمنيا يؤكد أن صبر الناس في الانتخابات لم يضع هباء ولم يذهب سدي, بل أنتج ثمرة برلمانية لثورة مصرية, يحمل جدولا زمنيا لبرلمان يتابع القصاص للشهداء والمصابين, ويحمل رؤية لتمكين الأمن والتأمين ويضع تحريك الاقتصاد وإطعام الشعب في قمة مطالباته وأولوياته. حكومة يمكن أن نتقبلها بحكم وظيفتها الإنقاذية, تستلهم مطالب الشعب الخدمية, تتحرك صوب الأمن فتكرسه, وصوب الاقتصاد فتدفعه, وعلي طريق عيش كريم للناس فتؤمنه. إن توفير العيش الكريم المتوج بالعزة والكرامة غير عيش ينغمس في القهر والذل والاستبداد, حكومة تقوم بحملة حقيقية وتطهيرية لكل صنوف الفساد فإذا كان الاستبداد يأكل الكرامة والحرية, فإن الفساد يبتلع التنمية والعيش الكريم ويمكن لظلم مقيم. علي الحكومة أن تقدم جدولها الزمني لبناء مصر الجديدة وتدشين قدراتها علي بناء مستقبلها, مكانها ومكانتها, جدول زمني دقيق الأمن والاقتصاد والعيش الكريم والعدل الاجتماعي المكين. وقضاء مستقل أمين, استأمن علي الحقوق واقتضائها والأرواح وتأمينها, وسيادة القانون وتمكينها, وتطبيق الأحكام وإمضائها. القضاء يحقق القصاص ويؤسس لميزان العدل العاجل الناجز, لأن العدل المؤجل ظلم بين, وذهاب الأرواح بلا قصاص جرم فادح في حق المجتمع قبل الأفراد. هل يمكن أن يستلهم معني الشهداء أحياء إلا من خلال قصاص يحفظ حرمة الإنسان وإحياء الكيان ولكم في القصاص حياة. هل يتحرك القضاء وبعد مضي عام كان عنوانه التأجيل بدلا من التعجيل, أليس هناك خطة ناجزة لمحاكمات عادلة عاجلة, خاصة أنه تأتي الدماء بعد دماء والشهداء بعد شهداء, والقاضي لا يقضي والمحاكمات تتسكع والعاجل فقط من نصيب المدنيين, أرجوكم وبجدية أقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان. إنها المبادرة المركبة وصورة المشهد كما نريد( مبادرة رئاسية, ومبادرة برلمانية, ومبادرة حكومية, ومبادرة قضائية), خطة أمنية رصينة, وخطة اقتصادية فاعلة, وخطة سياسية أمينة, وخطة قصاص عادلة ناجزة. يا أهل مصر الثورة, مصر الوطن, مصر الدولة هذه هي الصورة التي تحفظ استمرارية الثورة وهيبة الدولة, وغير ذلك يسرق الثورة ويعلن خيبة الدولة. الهيبة إنجاز وفاعلية والخيبة تقاعس عن أداء حق المواطن والمواطنة والوطن. هذه الصورة المركبة الجادة المسئولة يضمها إطار مهم يؤطر هذه الصورة يتمثل في أنه لا غناء عن الميدان والميادين الحقيقية النابعة من إرادة ثورة مصر. الميدان يحمي ويفعل ويضمن ويساند ويعاضد, يصون ويحافظ, يبني مستقبل مصر الجديد ويعمر. نحن علي أعتاب عام جديد من عمر الثورة: رئيس مدني منتخب يحكمني, برلمان قادر وفعال يحميني, حكومة تخدمني, قضاء يأخذ لي حقي, وفي الميدان تمكيني, وسند الشعب تأميني, وثورة مصر أحميها وتحميني, ومصر الوطن بيت يكفيني ويغنيني, هذه هي صورة مصر التي نستشرفها, ونريدها في الخامس والعشرين من يناير ونحن علي أعتاب عام جديد ومستقبل جديد. المزيد من مقالات د.سيف الدين عبد الفتاح