لم يكن فؤاد حداد يعلم وهو يكتب أشعار البرنامج الإذاعي المسحراتي في عام1964 أنه سيصنع ملحمة شعبية تعيش عقودا عديدة بنفس بريقها الأول, وكأنها تتعايش مع التغيرات المتعددة التي شهدها الوطن خلال هذه العقود..ويقول نجله الشاعر أمين حداد في أحد حواراته: المسحراتي هو برنامج لو كتبه أحد غير فؤاد حداد لكان برنامجا وانتهي.. ولا شك أن رمزية المسحراتي كان لها الأثر الأكبر في أن يتماهي مع كل مصري خلال العقود السابقة, فالمسحراتي رمز للشاعر الذي يستنهض الأمة, وكل كلمة وكل مهنة وكل وصف علي لسان مسحراتي فؤاد حداد هو في حقيقته رمز قابل للإسقاط علي أحداث وأشخاص في أزمان مختلفة, فحين تقرأ أبياته في حلقة يا هادي تجدها وكأنها تصف مصر ما بعد ثورة يناير.. يقول: في عيني إنسان وفي عيون البلد إنسان حلوه البلد بعدما داست علي الأوثان حلوه البلد شهداءها قدموا العرسان حلوه البلد يا أحن قلوب وأوفي لسان غني الأمل يا حبيب والفتح ياحسان ما سمعت الدنيا أمثال العرب شعرا ولا رأت مثل فرسان العرب فرسان بل قد تشعر بالحيرة وأنت تقرأ حلقة تبات ونبات وتتساءل هل كتبها حداد بالفعل قبل ثورة يناير؟... عشنا وشفنا الكواسر انكسر نابها وخبرتني بهيه أن الغيطان أبهي وبنتها في المدارس أوله نابهه وعيوني قابلت عيون من كل خير نابها أنا قلت يوم المني اليوم اللي كان مني جاه وكان لي بيني وبينك يا قمر مناجاه الحمد لله عشت وقلبي غني بها هي مصر التي يحلم لها المسحراتي دائما بالحرية.. أنا بلدي حره بنيت علي غصنها عشي ولقمة الحب بتفطرني وتعشي أنا عاوز ابني يعيش والظلم ما يعيشي يارب يا اللي خلقت لنا البصر واللمس ولا ترسم الشمس إلا النور علي وشي ومن أكبر رمزيات فؤاد حداد الإنسان المصري فقد كان يثق تماما في قدرة المصري علي التغيير في أحلك الظروف.. مسحراتي في الطريق الصعب منقراتي و كل دقه بقلب إحنا الشعب المصري أول سيرة الإنسان احنا من صخر العزيق والصبر واحنا من طل وندي المواويل زي ما اتعود علينا النيل زي ما اتعود علينا العطش يمكن خطأنا في الزمان الطويل كان من سبيل الرحمه والحنيه يصعب علينا في يوم نفارق عيالنا وماجاش في بالنا زي العرق: الدم يبني البيوت وحب المصري لبلده ليس حبا عاطفيا فحسب, لكنه حب ممزوج بالعمل وبالمحافظة علي الحياة الاجتماعية من أجل بلده.. أحب وطني من غير حدود وانقي قطني من كل دود واخد في حضني كل العيال تبارك الله ذو الجلال هو ليس حبا عاديا.. انظر كيف يصف حب المصري لبلده: نده عليكي كأن الدنيا نادهالك قولة ياليلي ليالي العمر قادهالك يا عيني بالمواويل الحمر قادهالك غني الأمل والشهامه والفرح والنصر ولولاكي يا مصر كان قلبه رقد هالك بل إن مسحراتي فؤاد حداد وصف المصري الثائر, لكن ثورة المصري لا تهدم الماضي, بل ترتفع وتبني عليه مستفيدة من أمجاده... أقول لك الحق واضرب لك مثل ساير وان كنت ما عرفشي لا اخبي ولا اساير من صغر سني وأنا صاحب مزاج ثاير واكمني ثاير لا يمكن يا ألف بائي تلاقي زيي علي عهدك أليف باقي واكمني ثاير باقول من فات قديمه تاه لابد للحي يترحم علي موتاه واللي أتي بالجديد لولا القديم ما أتاه يا أمتاه أنا إبنك ع الأثر ساير وينصح المسحراتي أولاده بحب الوطن.. ففي حلقة حبوا الوطن يقول لهم: عايز اهادي ولادي بغنوه اجمل غنوه حبوا الوطن حبوا الوطن في الغيط ابو الفدادين و في حصة العربي و درس الدين حبوا الوطن حبوا الوطن في الجبهة و الميدان يوم الجهاد الكل مجتهدين حبوا الوطن و تعملوا من قبل ما تقولوا حبوا الوطن بالحق و اشقوا له لولا العرق ما كنش نور الجبين حبوا الوطن ونصيحة حب الوطن أمر طبيعي لا يستحق التوقف عنده.. لكن هل من الطبيعي أن يتحدث المسحراتي عن حب الوطن في جمعة الملايين؟! حبوا الوطن في الحي في الشارع من نور لنور و الجي و الطالع نادوا الحضور في جمعة الملايين وليس من الصواب أن نربط بين جمعة الملايين وبين مليونيات يوم الجمعة الشهيرة, ولكن الإشارة هنا تأتي إلي رمزية العناصر الشعرية في قصائد المسحراتي, وربما شفافية كاتبها, و لو تتبعنا رمزيات المسحراتي لملأنا بها كتبا تفتح الباب لعدد هائل من الإسقاطات التي تصب كلها في ثقته في المصري وبطولته وقدرته علي التغلب علي مصاعب الحياة.