يعد الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية, من أبرز العاملين في مجال الدعوة الإسلامية, يتميز بالوسطية والإعتدال والعلم الغزير, في حواره مع الأهرام رد علي الكثير من القضايا التي شغلت الرأي العام في الفترة الماضية, وأشار إلي أن أعمال السيادة مصطلح لا يوجد في الشريعة الإسلامية, وأنه لا توجد أي أعمال تخرج من رقابة القضاء في الفقه الإسلامي, وطالب أبناء الحركات الدعوية الإسلامية بالوسطية والإعتدال وفقا لمنهج الأزهر الشريف, وقدم العديد من النصائح للأئمة والدعاة وخطباء المساجد وطالبهم بالبعد عن الانتماءات السياسية, حتي تظل المساجد تؤدي دورها التنويري بعيدا عن الصراع السياسي.. وإلي نص الحوار. في البداية نود أن نعرف ذكريات في شهر رمضان؟ شهر رمضان دائما يفيض بالخير علي الأسرة جميعا, وطوال حياتي يمثل لي هذا الشهر مصدرا للخير والحسنات والأعمال الصالحة, لأنه موسم لهذه الأفعال والعبادات الطيبة, حيث يحافظ الإنسان فيه علي أداء الصلاة في جماعة وعلي حفظ القرآن الكريم وعلي الزكاة وأداء بقية العبادات بقلب خاشع ونفس صافية, وفي فترة الطفولة كان رمضان بالنسبة لي موسما لإستعادة حفظ القرآن الكريم وللمذاكرة, فغالبا ما كان رمضان يأتي قبل فترة الإمتحانات بشهر أو أكثر وكنا نستغل ليالي رمضان في مراجعة المواد الدراسية بجانب العبادة. وأذكر في فترة طفولتي في مدينة أخميم بمحافظة سوهاج أن شهر رمضان كان فرصة للإجتماعات والزيارات المتبادلة والتي كانت تتم في دوار العائلات الكبيرة, وكنا ونحن صغار نحضر تلك الاجتماعات, وكانت كل عائلة تأتي بمقرئ للقرآن بعد صلاة التراويح وكانت تتخلل تلك السهرات دروس دينية ولقاءات بين كبار العائلات, كما أذكر في رمضان أن الصبية في مسجد سيدي مسلم بن عقيل بأخميم كان بينهم تسابق في صلاة التراويح وأيضا في التبليغ خلف الإمام, لأنه في ذلك الوقت في الخمسينيات من القرن الماضي لم تكن هناك مكبرات صوت, وكان المسجد يمتلئ بالمصلين بالإضافة للمكان المخصص للنساء وكان الشباب يقومون بالتبليغ خلف الإمام, وفي سنوات الطفولة الأولي بدأت في حفظ القرآن الكريم وكان شهر رمضان فرصة لحفظ القرآن, وفي البداية إلتحقت بكتاب الجمعية الخيري بأخميم, وكان والدي رحمه الله حريصا علي أن أحفظ القرآن الكريم فأحضر لي محفظا خاصا في المنزل وقد كنت في البداية متعسرا في الحفظ فألحقني والدي بكتاب الشيخ محمد حامد الحمامصي وبدأ يحفظني من البداية وكان محفظا صعبا وشديدا في التعامل وحفظت القرآن الكريم كاملا علي يده, وكان هذا شرطا للإلتحاق بالأزهر في هذه الفترة, ثم إلتحقت بمعهد سوهاج الأزهري وبعد حصولي علي الثانوية إلتحقت بكلية الشريعة جامعة الأزهر, وأثناء الدراسة بالجامعة كان شهر رمضان يمثل لي فترة التحصيل العلمي وكنت أراجع جميع المواد في شهر رمضان, وقد تعلمت علي يد كبار العلماء في هذا الوقت وهم الشيخ محمد سعاد جلال والدكتور محمود حلمي وتخرجت بتقدير جيد جدا, وبعد التخرج عينت بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لمدة شهور, ثم عينت معيدا بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر في عام1968, ومنذ هذا الوقت وحتي عينت عميدا لكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر وحتي اليوم أنصح دائما أبنائي الطلاب بضرورة الإستفادة من شهر رمضان في التحصيل العلمي وفي العبادة ومراجعة حفظ القرآن الكريم. أعمال السيادة من المصطلحات التي ترددت كثيرا في الفترة الأخيرة, هل هناك مدلول في الشريعة الإسلامية يدل علي هذا المصطلح ؟ أعمال السيادة مصطلح قديم ابتكره أعضاء مجلس الدولة الفرنسي, وذلك بهدف التوفيق بينهم وبين الثورة الفرنسية, حيث كان مجلس الدولة الفرنسي يتصدي بالإلغاء لقرارات الثورة الفرنسية, واتجهت الثورة الفرنسية إلي حل مجلس الدولة ولكن لتفادي حل المجلس ابتكروا هذه الفكرة باستثناء مجموعة من القرارات من رقابة القضاء, ولا توجد هذه الفكرة في الشريعة الإسلامية, وكل ما يحدث علي أرض الدولة الإسلامية أيا كان فاعلة أو مصدره يخضع لرقابة القضاء, ولا يخرج شئ في الفقه الإسلامي من رقابة القضاء. وما هي النصائح التي تقدمها لأبناء الحركات الدعوية الإسلامية وخصوصا في ظل وصول تيار الإسلام السياسي لمقاعد الحكم؟ هذه الحركات حتي تستمر وتؤدي دورها في خدمة الدعوة عليها أن تتمسك بالوسطية والإعتدال ومنهج الأزهر الشريف, ولابد أن تكون الدعوة إلي الله عز وجل بالحسني والموعظة الحسنة, وفقا لما أمر الله عز وجل به فقال سبحانه وتعالي ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وكذلك قوله عز وجل قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني, ولابد من مراعاة فقه الواقع والإلتزام بالموضوعية والتجرد وأن تكون الدعوة لله عز وجل, والهدف منها توضيح الحقائق والمفاهيم الدينية وغرس القيم لدي الناس, ولابد أن يبتعد أبناء هذه الحركات عن التشدد والغلو والغلظة في الدعوة. هناك الكثير من الظواهر السلبية التي تنتشر في المجتمع نتيجة للانفلات الأمني, كيف يمكن إعادة منظومة الأخلاق والقيم للشارع المصري؟ هذه قضية مهمة للغاية وتتطلب أن تتضافر جميع الجهود لعودة القيم والأخلاق التي عاش عليها المجتمع المصري, لأننا في الوقت الحالي نجد ظاهرة التحرش الجنسي والسرقة وقطع الطرق والتعدي علي الممتلكات العامة والخاصة, وكل هذه القضايا تهدد أمن وإستقرار المجتمع وتصاحبها ظواهر سلبية أخري, فالسرقة مثلا يصاحبها القتل والإغتصاب وقطع الأرحام, والتحرش الجنسي ينشر الرذيلة في المجتمع ويفسد الأخلاق ويهدد الأسر التي كانت تعيش في أمن وأمان, وفي الوقت الحالي غابت التقاليد والمبادئ التي تربت عليها الأجيال, ولابد أن تقوم الأسرة بدورها في مراقبة سلوك الأبناء وغرس القيم والمبادئ, وضرورة وجود مبدأ الثواب والعقاب في التربية, والعقاب ليس عقابا بالضرب أو القسوة ولكنه عقاب معنوي يربي الأجيال والرجال ويبني الطفل علي قيم الوفاء والإخلاص والوطنية, ولابد أن تقوم المدارس بدورها في غرس القيم الدينية لدي الأجيال الجديدة, والمؤكد أن هناك دورا محوريا لوسائل الإعلام في نشر الفضيلة ومواجهة العنف والجرائم وتوضيح الجوانب السلبية التي يعاني منها المجتمع مع وضع الحلول اللازمة لعلاج تلك القضايا, ويبقي دائما دور العلماء والدعاة وخطباء المساجد في التركيز علي القيم والمبادئ في الخطب والدروس الدينية, وعليهم أن يقدموا النصائح للأجيال الجديدة بضرورة إحترام الأخر وعدم التعدي علي الممتلكات العامة والخاصة, وضرورة احترام الجار والإحسان إليه وعدم الإساءة له سواءا كان مسلما أو غير مسلم, والمؤكد أنه لو قامت كل هذه الجهات بدورها ما وجدنا هذه الظواهر السلبية تنتشر بهذه الطريقة التي أصبحت تهدد أمن وأمان الوطن. وما هي النصائح التي تقدمها للشباب المسلم في ظل وجود وسائل للتواصل الإجتماعي تنقل تقاليد غريبة علي المجتمع ؟ الشباب المسلم يواجه العديد من التحديات في ظل هذه الطفرة الكبيرة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي, ولابد أن يستفيد الشباب المسلم من هذه الوسائل بطريقة تساعدهم في أمور الحياة والدراسة وغيرها, لكن لابد من التمسك بالقيم والمبادئ والبعد عن الفاحشة والعادات والتقاليد التي تتنافي مع الشريعة الإسلامية, وعلي كل شاب أن يتعلم ما ينفعه ويترك ما يؤثر عليه, لأن هذه قضية تمس الأجيال الجديدة فالتعامل مع وسائل العصر ضرورة لكن بالطريقة التي تحمي شباب الأمة من الإنزلاق في مخاطر جسيمة تهدد مستقبل الأوطان, وأناشد الشباب الإلتزام بالعفة والطهارة والبعد عن الأمور التي تخالف تعاليم الشريعة الإسلامية, وأنصحهم بالحرص علي الطاعات وأعمال الخير والصحبة الطيبة والحرص علي الصلاة في المساجد والتردد علي مجالس العلم والعلماء. وكيف تري دور المؤسسات والهيئات الدينية في نشر الوسطية ومواجهة الغلو والتشدد ؟ الهيئات الدينية تتحمل دور كبير في هذا الأمر, لأنها تمتلك من الأدوات ما يجعلها تصحح المفاهيم وتواجه العنف والتشدد وتوضح للناس حقيقة الإسلام وترد علي الشائعات التي يحاول البعض من خلالها الإساءة للإسلام, وأطالب الهيئات الدينية أن تستمر في توحيد كلمتها وألا تتفرق نتيجة للإتجاهات السياسية, وأن تظل هذه الهيئات بعيدة عن ممارسات السياسة, وهذا هو المطلوب, حتي تظل هذه المؤسسات تقوم بدورها التنويري في نشر الوسطية والإعتدال وتوضيح المفاهيم الدينية السلمية بعيدا عن الإتجاهات السياسية. الصراع بين التيارات السياسية إنتقل لساحات المساجد الأمر الذي أثر كثيرا علي دورها وعلي الدعوة أيضا, كيف يمكن أن تعود المساجد لتمارس دورها التنويري بعيدا عن الصراع السياسي ؟ لابد من التصدي لهذه القضية الخطيرة التي أثرت بالفعل علي دور المسجد, لأن إنتقال الصراع بين التيارات والقوي السياسية للمساجد خلق أزمة وفرقة بين رواد المسجد, بالرغم من أن وظيفة المسجد أن يجمع الناس علي المبادئ والقيم المشتركة التي تجعل الجميع في حالة من الود والتفاهم والإنسجام وهذا مبدأ من مبادئ العمل الدعوي, بمعني أن الداعية عليه أن يجمع الناس ولا يفرقهم وأن يكون داعية للجميع, وأناشد الأئمة والدعاة وخطباء المساجد بالبعد عن الموضوعات التي تفرق الناس وتنشر الخلاف بينهم بل وتجعلهم يختلفون مع الداعية نفسه, وهذا يتطلب عدم إستخدام المنابر في الدعاية الإنتخابية لأي فصيل سياسي علي حساب أخر, وأن يكون الإمام علي مسافة واحدة من جميع التيارات والقوي والسياسية, وألا يمارس السياسة في المسجد أو علي المنبر, وعليه أن يبتعد عن الإنتماءات السياسية والحزبية وتحديدا عندما يوجه الخطب والدروس للناس, لأنه لو إنحاز لتيار سياسي معين سيجد من يعارضه, وبالتالي لن يستمع الناس للخطاب الدعوي من هذا الداعية, لأنه ينحاز لفصيل علي حساب أخر, وأنصح جميع الدعاة بمراعاة هذه القضية الخطيرة حفاظا علي حرمة المساجد وحتي لا تتكرر الأحداث المؤسفة التي وقعت خلال الفترة الماضية.