يودع اليمنيون عام2011 بذكريات أليمة وواقع صعب خلفته ثورة شعبية لم تنجز كاملا كل أهدافها في إسقاط النظام ومحاكمة رموزه علي المنوال المصري أو التونسي, بل عمقت الانقسام السياسي والعسكري والمذهبي وفاقمت حجم الدمار والفقر والبطالة. ويستقبل اليمنيون السنة الجديدة بتركة ثقيلة ليس فقط من المتاعب الاقتصادية والأمنية ولكن بتحديات تطبيق مبادرة الخليج وآليتها التنفيذية التي وقعت في23 ديسمبر علي أمل أن تنتشل البلاد من براثن الضياع والصوملة والحرب الأهلية. ويمتزج المشهد السياسي بخليط من الأمل والتشاؤم في آن واحد, ما ق د يفرض الغموض علي الشهرين القادمين اللذين يسبقان إجراء انتخابات رئاسية تبدو صورية لأنها توافقت علي تسليم السلطة من الرئيس علي عبد الله صالح إلي نائبه عبد ربه منصور هادي, فحكومة الوفاق الوطني شكلت مناصفة وقدمت برنامجها إلي البرلمان الذي عادت إليه الروح مرة أخري بعودة نواب المعارضة إليه, وشكلت اللجنة العسكرية العليا لإعادة الأمن والإستقرار وإزالة المظاهر المسلحة, وهي تطورات تبعث جميعها علي التفاؤل الحذر لكن هناك المزيد من التطورات السلبية الحاصلة في الشارع اليمني تهدد بإعادة إنتاج التوتر والمواجهات من جديد أقلها صعوبة إخلاء الأحياء السكنية من المسلحين ومنها الحصبة. اتهامات متبادلة ويغطي المشهد اليمني حاليا غبار من الاتهامات المتبادلة بين حزب المؤتمر الشعبي برئاسة صالح, والمعارضة ممثلة في اللقاء المشترك حول خروقات في جدار المبادرة الخليجية أججها بشكل قوي خروج مسيرة عابرة للمدن اليمنية أطلق عليها مسيرة الحياة انتهت لدي وصولها إلي صنعاء بمواجهات مأساوية سقط فيها العشرات من الشباب بين قتيل وجريح. وفي هذا السياق دعت اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام الدول الراعية والضامنة لاتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلي تحمل مسئولياتها في مراقبة الوضع علي الساحة اليمنية ورصد جميع الخروقات والاعتداءات ومواجهة من يقوم بها ويعمل علي عرقلة تنفيذ المبادرة وآليتها كمنظومة متكاملة, ويحاول الالتفاف علي القرارات والتوجيهات الصادرة من قبل نائب الرئيس. ويتهم المؤتمر الشعبي المعارضة وأنصارها بالاعتداءات المتعاقبة علي مؤسسات الدولة والممارسات الاستفزازية بهدف خلق الفوضي الهمجية وتعطيل الأعمال والإضرار بالمصلحة العامة ومصالح المواطنين في عملية مكشوفة وبخطة فوضوية تستهدف في جوهرها ضرب الأركان الأساسية التي تقوم عليها مرحلة الوفاق الوطني وعرقلة الخطوات المطلوبة عاجلا لمواصلة السير قدما في تنفيذ مضامين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وإفشال أعمال وخطة اللجنة العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار والوصول بها إلي طريق مسدود من خلال عدم الالتزام بإزالة المتارس والنقاط وإخلاء العاصمة من القوة العسكرية والعناصر المسلحة فضلا عن الاعتداءات علي مقرات المؤتمر الشعبي العام كما حدث في بعض دوائر محافظة تعز والدائرة12 في أمانة العاصمة من قبل عناصر عدوانية تابعة للفرقة الأولي مدرع. ويقول عبدالحفيط النهاري نائب رئيس الدائرة الإعلامية في حزب المؤتمر الشعبي:إنه في الوقت الذي أبدي فيه المؤتمر التزما واضحا منذ توقيع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية, وفي تبني خطاب سياسي واعلامي يعزز قيم التوافق والشراكة الوطنية, تبنت أحزاب المشترك الخطاب السياسي والاعلامي التحريضي علي العنف والتخريب والفوضي خاصة علي صعيد الشباب. ويعتبر النهاري أن وضع أحزاب اللقاء المشترك لقدم في الشارع مع الشباب وقدم أخري في الحكومة, يعد دورا تناقضيا للمعارضة ولا يساعد علي تهيئة جيدة لاجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في موعدها. ودعا النهاري كل الاطراف الراعية للتسوية السياسية ان تضغط علي احزاب المشترك للتخلي عن تلك الممارسات, واتاحة المجال امام التحضير للانتخابات لأجل تحقيق مستوي جيد للانتخابات الرئاسية المقبلة. وتابع: يهمنا في المؤتمر التهيئة والتحضير الجيدين للانتخابات المبكرة ونحن نعمل بجدية لتهيئة كل الاجواء, ولإنجاز هذا الاستحقاق التوافقي, بما ينقل الجميع الي الفترة الانتقالية الثانية, ما بعد الانتخابات الرئاسية, التي ستنهض بالاصلاحات الدستورية والقانونية والهيكلية التي ستبني عليها دولة المستقبل. لكن المتحدث الرسمي باسم أحزاب اللقاء المشترك الدكتور عبده غالب العديني ينفي إتهامات المؤتمر ويؤكد إلتزام المعارضة بالمبادرة الخليجية وحرصها علي تنفيذها بكامل بنودها بما في ذلك انتخاب عبدربه منصور هادي كرئيس توافقي في الانتخابات الرئاسية المبكرة في21 فبراير المقبل. ومع ذلك يتوقع العديني بأن تكون هناك مفاجآت خلال الفترة المقبلة قبل الوصول الي صناديق الاقتراع من قبل بعض قيادات المؤتمر الشعبي العام قد تعيق الوصول إلي صناديق الاقتراع, لكنه يحذر من أن أول المتضررين سيكون الطرف الاخر وهو المؤتمر. أصابع إيران برز إسم إيران أخيرا في الساحة اليمنية في إتجاهين الأول ما يتردد عن دعمها للحركة الحوثية بالمال لتوتير الأجواء وتعطيل مبادرة التسوية الخليجية من خلال حشد شباب الحوثيين في الساحات المعارضة ومحاولتهم توجيه مسيرات إلي القصر الرئاسي بصنعاء, والإتجاه الآخر محاولة باستقطاب الجنوبيين وخاصة الناقمين علي مبادرة الخليج التي تؤكد علي وحدة اليمن وترفض النزعات الإنفصالية. وتشير مصادر يمنية إلي لقاءات ومشاورات تجريها قيادات جنوبية مع مسئولين إيرانيين في الآونة الأخيرة بهدف تنسيق الخطوات في المرحلة المقبلة علي أرضية مصالح قد تجمعهما ضد دول الخليج والدولة اليمنية وهو ما يعني أن طهران تحاول أن تفتح جبهة أخري مع الخليج علي الأرض اليمنية. ويرجع بعض السياسيين اليمنيين سبب انفتاح جزء من الجنوبيين علي التقارب مع إيران إلي سلوك دول الخليج, متهمين إياها بعدم الاهتمام بمطالب أبناء الجنوب العادلة وبالتالي يجوز للجنوبيين, وبالأخص الحراك الجنوبي, استخدام أي وسيلة للوصول إلي أهدافهم المنشودة, ولا سيما بعدما أمضي هذا الحراك خمسة أعوام وهو ينتظر أبسط لفتة عربية أو دولية لقضيته. لكن جانبا آخر من الجنوبيين يعارضون التقارب مع ايران خشية من موقف مضاد لدول الخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من القضية الجنوبية والحراك الجنوبي تحديدا. ويبدي هذا التيار خوفه من أن تستغل ايران الظروف التي يمر بها جنوب اليمن من أجل إيجاد ثغره يمكن من خلالها نشر التشيع في مجتمع جنوبي سني شافعي, وهو ما سيؤدي في المستقبل الي وجود طائفية تؤثر سلبا علي السلم الاجتماعي. ولا يعتبر المد الإيراني هو التحدي الوحيد علي الساحة اليمنية علي الرغم من الصمت الرسمي في هذا الإتجاه, لكن تمدد تنظيم القاعدة في جنوب البلاد يعتبر الخطر الداهم الذي يحفز واشنطن دائما علي تهدئة الوضع في البلاد لكي تتفرغ لمواجهته. ويري الدكتور عبد الوهاب الروحاني عضو مجلس الشوري اليمني أن عام2011 كان عام إتساع نشاط تنظيم القاعدة, وسيطرته علي أجزاء من محافظات أبين وشبوة, وتعزيز وجوده في مارب ومحافظات أخري. ويتمني الروحاني ألا يكون العام الجديد شاهدا علي تمدد تنظيم القاعدة, الذي ستتهيأ له الأجواء إذا ما استمرت الأوضاع في التأزم وعدم الإستقرار, وصراع المشكلة الجنوبية, والبحث لها عن مخارج قد تكون صعبة, لكنها يجب ألا تكون علي حساب ثبات واستمرار الوحدة اليمنية. ويحذر الدكتور الروحاني من أن يكون عام2012 عام توسيع المواجهة المذهبية المسلحة بين الإخوان المسلمين والحركة الحوثية والتي بدأت تشتعل في أكثر من مكان, بعد أن تمكن الحوثيون من الوجود القوي في ثلاث محافظات هي الجوف, وعمران, وحجة, إثر إحكام سطرتهم الإدارية الكاملة علي محافظة صعدة. وفي خضم تعقيدات المشهد اليمني يبدو الدعم الخارجي خاصة من دول الخليج والدول الغربية عاملا مهما من خلال الرقابة اللصيقة لتنفيذ بنود إتفاق نقل السلطة والأهم تنفيذ تعهدات عاجلة بالدعم المالي والتنموي لتخفيف الضغوط علي حكومة الوفاق الوطني وتمكينها من إمتصاص حالة الغضب لدي الشباب اليمني الثائر في الشوارع حتي الآن بإيجاد الوظائف وتخفيف الفقر والبطالة, وإن كان الحل الدائم والمستمر بيد اليمنيين أنفسهم من خلال تجاوز حقبة مريرة وتدشين عهد جديد مبني علي الحرية والعدالة ومشاركة الجميع.