وضع الاجتماع الوزاري المشترك علي مستوي وزراء الخارجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي, النقاط علي كثير من الحروف, في توقيت تشهد فيه المنطقة تحولات مهمة وبالغة الدقة والحساسية, لا سيما علي صعيد مواقف الجانبين من العديد من القضايا الإقليمية والدولية وتداعيات هذه القضايا علي الاستقرار العالمي من ناحية أو تأثيراتها علي علاقات الطرفين. ولعل أبرز الملفات التي ثار حولها الجدل لفترة طويلة هو توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين الخليجي والأوروبي, حيث تأخر هذا التوقيع إن لم يكن قد تعثر نحو ربع قرن حتي الآن, فقد انطلقت المفاوضات حول هذه الاتفاقية في عام1988, وهو ما دعا كثيرين إلي ربط هذا التأخر بخلافات عديدة بين الجانبين رغم تأكيد مصادر مسئولة من الطرفين أن الأمر يتعلق بمسائل فنية وتقنية. ولهذا فقد شكل الاجتماع الذي عقد بين الجانبين في المنامة الأسبوع الماضي, فرصة لكي تحسم كاثرين آشتون الممثل الاعلي للشئون الخارجية والسياسات الامنية في الاتحاد الاوروبي, هذا الجدل حول أسباب تأخر توقيع اتفاقية التجارة الحرة, حيث نفت ما حاول البعض الترويج له في الفترة الماضية بأن الأمر يرتبط بأوضاع حقوق الانسان في دول مجلس التعاون ووجهات نظر الاتحاد الأوروبي تجاهها, وقالت إن ذلك غير صحيح. وقد أكد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بدوره علي أن الجانبين الخليجي والأوروبي توافقا علي99 % من بنود الاتفاقية وأنه لم يتبق سوي بند واحد فقط فني بحت يتعلق بالرسوم المفروضة علي الصادرات أو ما اصطلح علي تسميته بضريبة الكربون التي تفرضها أوروبا علي الواردات النفطية التي تشكل بدورها معظم صادرات دول الخليج وشدد الوزير علي أهمية عدم الاستهانة بهذا الموضوع أو التسرع فيه لأنه يتعلق بمصالح اقتصادية للدول. وجسدت مناقشات الاجتماع الوزاري الذي شاركت فيه6 دول خليجية و27 دولة أوروبية أعضاء في الاتحاد الأوروبي, حجم القلق المشترك للجانبين الأوروبي والخليجي تجاه العديد من الملفات لعل أبرزها الملف السوري الذي تتفق فيه دول الخليج وأوروبا علي ضرورة مساعدة المعارضة مع تشديد الاتحاد الأوروبي علي الحل السلمي للأزمة السورية. وقد دعا وزير الخارجية البحريني إيران إلي الدفع باتجاه سحب كل القوي الأجنبية من سوريا وفي مقدمتها حزب الله والميليشيات الأخري التي تأتمر بأمر الحرس الثوري الإيراني, مشيرا إلي أن دول مجلس التعاون أكدت ضرورة مساعدة الشعب السوري وتمكينه من الدفاع عن نفسه ضد الهجمة الشرسة التي يتعرض لها داخليا وخارجيا, فهناك من ينشر العنف في الداخل السوري بلا توقف أو هوادة. وقد ردت كاثرين آشتون علي سؤال وجه إليها خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته مع وزير الخارجية البحريني حول التعامل الاوروبي مع حزب الله اللبناني وتدخلاته في سوريا لمساندة النظام ومشاركته في المعارك هناك, فقالت إنها دعت الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلي بحث ما يمكن اتخاذه من اجراءات ضد حزب الله اللبناني, لكنها لم تفصح عن طبيعة هذه الإجراءات. وارتباطا بذلك فإن الملف الايراني وعلاقات الجانبين الخليجي والأوروبي مع طهران كان حاضرا بقوة في مناقشات وزراء الخارجية, ورغم ترحيب المجلس الوزاري بانتخاب حسن روحاني رئيسا جديدا للجمهورية, فإن وزير الخارجية البحريني أكد باعتباره رئيس الاجتماع, أن دول مجلس التعاون الخليجي تنتظر من إيران خطوات جادة لإقامة علاقات طيبة مع جيرانها في منطقة الخليج. وقال الوزير البحريني إن دول الخليج العربية تطالب إيران بعدم التدخل في الشئون الداخلية وفض المنازعات بالطرق السلمية وإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث بالاستجابة لتسوية النزاع عن طريق التفاوض المباشر أو محكمة العدل الدولية, وأن يتم حل أزمة الملف النووي الايراني والتحقق من سلامة كل المنشآت النووية الايرانية وليس مفاعل بوشهر وحده. أما ملف عملية السلام في الشرق الأوسط ومبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لإعادة إحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين, فقد حظيا بدعم ومساندة الجانبين الخليجي والأوروبي, فيما جدد وزير خارجية البحرين تمسك دول مجلس التعاون الخليجي بالمبادرة العربية للسلام باعتبارها الأساس لقيام علاقة صحيحة بين الدول العربية ومن بينها الشعب الفلسطيني وإسرائيل, وأن يعود الفلسطينيون إلي ديارهم وأن تكون القدس الشريف عاصمة الدولة الفلسطينية, ويتم رسم الحدود بوضوح ووقف سرقة الأراضي الفلسطينية والاستيطان الاسرائيلي. وقد ربط وزير خارجية البحرين بين الأحداث الارهابية بالماراثون الرياضي في بوسطن بالولايات المتحدةالأمريكية ومقتل الجندي البريطاني في العاصمة البريطانية لندن وما تتعرض له قوات حفظ النظام في البحرين من اعتداءات إرهابية أدت إلي خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات, وقال إن هذه الأحداث تؤكد أن هذا الخطر الإرهابي المشترك يهدد الجميع, وأن ظاهرة الإرهاب الدولي تعد من أخطر التحديات التي تواجه العالم, فالإرهاب ليس له دين ولا مذهب ولا وطن ويتعارض مع كافة الأديان والشرائع. ويمكن القول إن المصالح المشتركة بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي التي يؤكدها ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلي(145) مليار يورو سنويا, وهو ما وصفته آشتون بأنه' زيادة مذهلة', تحتم علي الجانبين التعامل مع القضايا الاقليمية والدولية برؤية مشتركة تحمل في طياتها علي الأقل الحد الأدني من الاتفاق في وجهات النظر وخاصة تجاه القضايا الساخنة وأبرزها سوريا وإيران وقبل هذا وذاك الارهاب الذي يأكل الأخضر واليابس والذي مازالت بعض الدول الأوروبية متهمة فيه بأنها توفر المأوي والملاذ الأمن لمخططيه أو المحرضين عليه في أماكن كثيرة من العالم.