من الآن فصاعدا سيحتاج ما حدث في30 يونيو الي كتابات مطولة ومتعمقة. لكن الحذر مطلوب في كل كتابة سريعة كي لا تأتي الكتابة غرائزية او انطباعية او احتفالية وكلها سمات يعاني منها( التفكير) العربي فلا ينتج( فكرا). علي أي حال هناك مداخل كثيرة لفهم ما جري في30 يونيو. احد هذه المداخل هو استخلاص بعض دروس ما جري. أول هذه الدروس أن المجتمعات تتعلم الديمقراطية وتمارسها ليس فقط بالنجاح في الاحتكام إلي نتائج صناديق الاقتراع بل بالفشل أيضا. وإذا ما اعتبرنا ان أغلبية الشعب المصري قد استدرك اختياره للرئيس السابق محمد مرسي وعدل سريعا عن هذا الاختيار بعد مرور عام فقط من انتخابه فهذا الفشل هو في ذاته جزء من الممارسة الديمقراطية التي تصنع علي المدي الطويل عملية( التراكم) الديمقراطي المطلوب. لكن علينا الاعتراف بشجاعة ان إسقاط النظام السابق بإرادة شعبية كاسحة لا يعني فشل هذا النظام فقط بل يعني أيضا فشل المجتمع نفسه الذي أوصل هذا النظام الي الحكم. الطرفان فشلا إذن في اول اختبار ديمقراطي السلطة والمجتمع. صحيح ان المجتمع قد استدرك فشله لكن بتكلفة سياسية واجتماعية لا يمكن تقديرها الآن. كنت وما زلت أعتقد من وجهة نظر شخصية أن الانتظار لسنوات ثلاث أخري ثم الاحتكام الي صندوق الانتخاب ذاته كان هو الخيار الأفضل للعملية الديمقراطية. أولا لكي لا يتعمق شعور التيار الاسلامي بالمظلومية التاريخية التي لاحقته سواء في عصر ما قبل ثورة يناير أو ما بعدها. ثم ثانيا نكون قد منحنا هذا التيار فرصته الديمقراطية كاملة لكي تكون مساءلته عن الفشل والأخلاق كاملة هي الأخري. فالمسئولية لا تكون كاملة إلا بفرصة كاملة. وثالثا لكي لا نكرس ولو عن حسن نية سابقة الخروج إلي الشارع بديلا عن صندوق الاقتراع مهما كان هذا الشارع تلقائيا وصادقا. فهذه سابقة ليس بوسع أحد أن يزعم أنه فوق مستوي الاستثناء منها. درس آخر يخص التيار الاسلامي الذي يجب الا يعتبر نفسه فوق مستوي المراجعة والنقد. فقد طالبنا هذا التيار الذي هو في النهاية جزء من لحمة هذا الشعب وتاريخه أن يسارع إلي إطفاء كرة النار المشتعلة في أرجاء مصر. لكن كان بعض المنتسبين لهذا التيار يزيدون كرة النار اشتعالا بدعاوي تكفيرية ومقولات عنصرية وطائفية. وسبق ذلك صدور دستور يقنن في بعض نصوصه الخروج علي الأسس الجمهورية للدولة وينتقص من قيم وثوابت الوطنية المصرية. علي أي حال حدث ما حدث والدرس المستفاد اليوم هو ان التيار الاسلامي مدعو للتحلي بالشجاعة السياسية لإجراء مراجعة فكرية يحدد فيها موقفه بدون لبس أو غموض من ثلاث قضايا. أولاها قضية الاعتذار التاريخي عن عبارة طظ في مصر المسجلة للمرشد العام السابق مهدي عاكف وعن عبارة الشيعة الأنجاس التي قيلت علنا في مشهد استاد القاهرة. ثانيتها تحديد موقفه من مفهوم الانتماء الوطني في ظل الطابع الأممي لجماعة الاخوان المسلمين. ثالثتها ضرورة حسم التيار الاسلامي لموقفه الفقهي ونهجه السياسي لقضية المواطنة كمعيار وحيد تتحدد به حقوق وواجبات الفرد. ربما يكون فصيل الاخوان المسلمين قد طور في السنوات الاخيرة من أفكاره في هذه القضايا لكن يبدو انه كان مشتتا حائرا بين ضرورات مراجعاته وتطوره الفكري والسياسي من ناحية وبين متطلبات تحالفاته الحزبية مع فصائل دينية ذات رؤي لا تخلو من جمود وتطرف من ناحية أخري, فخسر الاخوان معركة الدستور بسبب تغليب مصلحة تحالفاتهم الحزبية علي شراكتهم الوطنية مع باقي القوي. وبسبب هذه التحالفات أيضا كانت سقطة مشهد التناقضات في استاد القاهرة لإعلان الجهاد في سوريا في احتفال استمطار الدعوات علي المصريين الملاحدة والشيعة الرافضة. وهي سقطة عجلت بالانهيار خسر فيها الإسلاميون الكثير من حيث حسبوا أنهم ربحوا. لا يخلو مشهد30 يونيو بخلاف دروسه من دلالة تثير التفاؤل بقدر ما تبعث علي الحذر. التفاؤل مرده ما يختزنه الشعب المصري من حيوية وقدرة علي ابهار العالم حتي وهو مختلف منقسم علي نفسه. كنت أردد لأصدقاء أنه لا بد ان ندفع ثمن صندوق الاقتراع ولو كان الثمن هو الفشل في الاختيار من اول مرة. وكان الرد أن الانتظار خطر لان سلطة القمع لن تسمح للشعب بتكرار ما حدث في25 يناير. ثم ها هو الزمن يثبت سريعا أن وعي الشعب المصري أصبح فوق المخاوف وان إرادته قادرة علي تبديد الأوهام وكسر الأغلال. لكن التفاؤل لا يغني عن الحذر. ومكمن الحذر اليوم الا تسقط الثورة في غل الانتقام او ترتد علي نداء الحرية الذي غنت له او تمارس الإقصاء الذي نددت به. يجب ألا تحمل الثورة هذه المرة بذور ثورة جديدة. هذا هو التحدي. لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم