بعد ثورة25 يناير2011 تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة البلاد, وأصدر اعلانا دستوريا, ثم دعا إلي استفتاء في19 مارس من العام نفسه علي تعديلات دستورية جوهرية. ومنذ ذلك الاستفتاء بدأت حالة الاستقطاب بين دعاة الدستور أولا ودعاة البدء في بناء المؤسسات الديمقراطية( مجلسي الشعب والشوري), ثم يتولي الأعضاء المنتخبون في المجلسين تشكيل هيئة تأسيسية للدستور, ونال الاختيار الثاني موافقة الأغلبية من الشعب المصري, حيث وافق عليه77% من المصوتين. وظهر الانقسام حادا في انتخابات الرئاسة بجولتيها الاولي والثانية, ولا يستطيع احد من ممثلي التيار الرافض أن يقول إنه دعم د. مرسي في الانتخابات إذ اختاروا المقاطعة أو ابطال الأصوات. وظل التيار المعارض رافضا الدكتور مرسي وسياساته منذ اليوم الاول, وأ سهم الإعلام الخاص في تسليط الضوء علي الأصوات المعارضة. وكان من أهم الأشياء اللافتة للنظر تلك المحاولات المستميتة لرفض نتائج صندوق الانتخابات والعودة إلي الحشد الجماهيري بدلا من تعميق الممارسة الديمقراطية. إن اخطر جوانب الأزمة الحالية يتمثل في عدة نقاط, أولاها محاولة القفز علي آليات الديمقراطية والعودة إلي الحشد, والذي سيواجه بالضرورة حشد آخر, وندخل في دوامة الحشود الجماهيرية التي تحمل نذر مواجهة شعبية لا قبل لمصر بتحمل نتائجها. ثاني هذه الجوانب الخطيرة محاولة اقحام الجيش المصري طرفا في النزاع السياسي, والجدير ذكره أن الفترة التي أدار فيها المجلس العسكري أمور البلاد شهدت أخطاء بالجملة جعلت كثيرا من المصريين يهتفون يسقط حكم العسكر, وما أظن القيادة الحالية للجيش راغبة في سماع هذا الهتاف. ثالث النذر الخطيرة, هو توريط قيادة الكنيسة المصرية في أمور سياسية ليست من اختصاصها, مثال ذلك التصريح الذي أدلي به البابا تواضروس من أن الشعب المصري استرد ثورته بطريقة حضارية عبرت عنها حركة تمرد, والخطر في هذا التصريح ترديد كلام بعض فصائل المعارضة وهذا ليس توجيها روحيا بل هو تصريح سياسي مغلوط وترديده أشد وانكي, ثم ذلك التشجيع لفصيل علي حساب فصائل أخري, وهذا لا يليق بالقيادة العليا للكنيسة لأن ذلك يعد ميلا سياسيا يضر بالمواطنين جميعا مسلمين واقباطا, وهنا يجب الإشادة بالأزهر وشيخه الذي اكتفي بتوضيح أن المظاهرات السلمية مشروعة وناشد الجميع المحافظة علي هذه السلمية. إن كل الجهود يجب أن تتجه إلي حل شامل لا يؤدي إلي فترات انتقالية أطول تجعل الوطن في حالة عدم استقرار لا تنتج اصلاحا سياسيا أو تحسنا اقتصاديا. إن احترام رأي الشعب سواء عبر عنه بالانتخابات أو بالحشود يجب أن يكون حاكما في اختيار خريطة الطريق التي أعلن الجيش أنه يتبناها ويشرف علي تنفيذها. إن مشروعية آراء المحتشدين بالميادين لا تعني بحال من الأحوال الانقلاب علي شرعية الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الدكتور محمد مرسي. إنها مقارنة بائسة تلك التي يروج لها البعض من أن30 يونيو وما بعده يماثل25 يناير وما بعده, والدليل علي ذلك أن الشعب كله احتشد لاسقاط مبارك ونظامه, ولكننا نشهد الآن ميادين منقسمة بين مؤيد ومعارض, ولعلي لا أكون متجاوزا إن أكدت تأكيدا يقينيا أن جموع المحشتدين المؤيدين أكثر عددا وأدق تنظيما من المحتشدين المعارضين. إن لجنة للمصالحة الوطنية يجب أن تضم قمما مصرية مثل د. أحمد كمال أبو المجد والمهندس حسب الله الكفراوي و د. سيف عبد الفتاح و د. معتز بالله عبد الفتاح بالإضافة إلي مجموعة منتقاة من شباب25 يناير الذين لم تصبهم لوثة الاستقطاب السياسي أو الطائفي. ومن المنطقي أن تتشكل لجنة لمراجعة مواد الدستور تضم رؤساء أقسام القانون الدستوري في كليات الحقوق بالجامعات المصرية وهي قمم وصلت إلي مناصبها بالعلم والأقدمية معا ولا توجد شبهة محاباة في ذلك. حفظ الله مصر من كل سوء وهدي أبناءها إلي الصراط المستقيم. لمزيد من مقالات د.حلمى الجزار