أصبح من المؤكد ان تتأثر العلاقات الألمانية المصرية بشكل سلبي وغير مسبوق بسبب الأحكام المصرية الصادرة ضد المدير السابق لفرع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في القاهرة اندرياس ياكوبس بالسجن خمس سنوات وغرامة مالية, وكذلك بالسجن لمدة عامين وغرامة مالية لمساعدته الألمانية فضلا عن إغلاق مكتب المؤسسة ومصادرة وثائقها وممتلكاتها بتهمة العمل لصالح منظمات غير حكومية غير مرخصة. إذ تشهد أروقة الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم في المانيا غليانا بسبب هذا الحكم ومطالب ليس فقط بخفض المساعدات التنموية التي تقدمها المانيا لمصر بل وايضا بتقليص حجم التبادل الدبلوماسي بين البلدين. وقد تم التعبير عن ذلك التوجه الالماني بوضوح علي أعلي مستوي عندما سئلت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في المؤتمر الصحفي مع رئيس الوزراء التونسي علي لعريض في برلين قبل ايام عن تعامل المانيا في المستقبل مع دول الربيع العربي, فاشادت بتونس واثنت علي ما حققته من تقدم علي صعيد عملية التحول الديمقراطي وهو ما تكافئه المانيا بتحويل الديون التونسية وبتكثيف مساعدتها التنموية لهذا البلد, ثم مصمصت ميركل شفتيها وقالت انه بالنسبة لمصر لابد ان ننتظر لنري كيف ستسير التطورات بالنسبة لمحاكمات العاملين في المؤسسات الألمانية مؤكدة انها تضم صوتها للإنتقادات الشديدة التي تم توجيهها لمصر من المسئولين الألمان قبل ان تنهي عبارتها بتهديد مبطن بمراجعة الدعم الألماني التنموي للقاهرة وربطه في المستقبل بتطورات الوضع السياسي في مصر. وكانت الحكومة الألمانية ممثلة في وزير الخارجية جيدو فيسترفيله قد اعربت عن انزعاجها الشديد بل وصدمتها جراء الأحكام التي وصفها فسترفيله بالقاسية كما وصف تصرف القضاء المصري بانه يدعو للقلق ويضعف المجتمع المدني الذي يعد ركيزة مهمة من ركائز الديمقراطية واكد الوزير ان ألمانيا مصممة علي رفع هذه الأحكام, مشيدا بنشاط المؤسسة الألمانية في مصر من اجل ترسيخ الديمقراطية وسيادة القانون والتعددية. اما المتحدث باسم المستشارة شتيفان زايربت فنقل إستياء ميركل من الحكم بإعتباره يشكل عبئا كبيرا علي العلاقات الألمانية المصرية ويوتر العلاقات بين البلدين, خاصة وان برلين اوضحت للقاهرة مرارا اهمية نشاط هذه المنظمات الألمانية في مصر. وفي مقابل هذه التصريحات المغلفة بالدبلوماسية كشفت تصريحات نارية لقيادات الحزب المسيحي الديمقراطي عما يدور في كواليس الحزب من نقاشات حول كيفية الرد علي هذا الحكم, فقد طالب بيتر جاوفايلر عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان برد ألماني سريع وقال انه قبل إلغاء هذا الحكم لا يمكن ان يكون هناك تبادل دبلوماسي مع هذا البلد, وقال إن هذه الأحكام تصدر بإسم الشعب ولكنها في الحقيقة تصدر باسم الطبقة الحاكمة في مصر وانه لا يمكن أن نستمر في علاقة طبيعية بمصر ولن نستمر في منح المساعدات التنموية كما كنا طالما انه يتم تهديد مواطنينا الذين يرغبون في تقديم الدعم هناك بالسجن..لابد ان نمارس سياسة متحفظة تجاه مصر حتي يتم إستئناف الحكم والغاؤه, كما ان ذلك الحكم سيؤثر علي الإستثمارات الألمانية فلن يقدم مستثمر طبيعي علي الاستثمار في مصر إذا كان يخشي من خطر الزج بعماله في السجون المصرية. اما كريسيتيان روك مسئول سياسات التعاون التنموي في الحزب ونائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب فطالب ايضا برد فعل سياسي سريع بمراجعة المساعدات لمصر وقال إن الحكم الصادرمقيد للحريات وللمجتمع المدني ولا يمكننا هنا ان نتجاهله دون تبعات ولابد من أن تراجع المانيا حجم مساعداتها لمصر وكذلك ان تراجع شركاءها الذين يتلقون هذه المساعدات هناك! ويكشف الجدل السياسي والإعلامي هنا في المانيا عن علامات إستفهام كبيرة تجاه هذه الحكم, فالحكومة الألمانية والسياسيون الالمان فوجئوا به, حيث كانت هناك توقعات المانية مرتفعة بصدور أحكام تبرئ مؤسسة كونراد اديناور والعاملين فيها وذلك أولا لتجنب الأضرار الدبلوماسية الفادحة التي يمكن ان تسفر عن إدانتهم, كما يحدث حاليا, في ظل إعتماد مصر علي معونات ومساعدات من المانيا ومطالبتها لرجال الأعمال الألمان بزيادة إستثماراتهم في مصر. وثانيا لأن المؤسسة التابعة للحزب المسيحي الديمقراطي تم إدراجها مؤخرا في الاتفاقية الثقافية المبرمة بين مصر وألمانيا وبالتالي حمايتها قانونيا, وهو ما اشادت به المستشارة انجيلا ميركل نفسها خلال زيارة الرئيس محمد مرسي الأخيرة لألمانيا وإعتبرته إشارة جيدة, خاصة ان ميركل نفسها عضو في مجلس إدارة المؤسسة, لهذا يعتبر الحزب المسيحي الديمقراطي الحكم الصادر بمثابة إنتهاك للقانون الدولي, كذلك تطرح هنا تساؤلات عن أسباب صدور مثل هذا الحكم في ظل سيطرة حركة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي علي الحكم في مصر, رغم ان الإخوان المسلمين انفسهم مارسوا نشاطهم في الماضي كحركة معارضة في إطار غير قانوني وإستفادوا من كورسات الديموقراطية التي تقدمها هذه المنظمات في خارج مصر, كما تقول صحيفة زود دويتشه الألمانية في تعليقها علي الجدل الدائر, فضلا عن أن المنظمة الألمانية حاولت طيلة سنوات عهد مبارك تسجيل نفسها دون جدوي ورغم ذلك سمح لها بممارسة نشاطها في مراقبة الإنتخابات والتعاون مع الوزارات المصرية. وفي تفسيرها لهذا الحكم تتباين التعليقات الألمانية فبعضها يلقي باللوم علي القوة السياسية المهيمنة حاليا اي الإخوان المسلمين والرئيس المصري المنتمي سياسيا لهذه القوة, بأنهم وجهوا بهذا الحكم رسالة مزدوجة إلي الخارج بأنهم لا يرغبون أن يتدخل الغرب في الشئون الداخلية المصرية والعزف علي أوتار حقوق الإنسان والحريات السياسة ويرون في نشاط منظمات المجتمع المدني صورة من صور النشاط المعارض لهم لذا فهم لا يرغبون في دعمها بل وضعها تحت سيطرتهم من خلال قانون الجمعيات الأهلية الجديد.. ثم رسالة للمصريين لإرضاء التيارات المعادية بشكل متزايد للغرب في الشارع. وهناك تفسير آخر طرحته صحيفة فرانكفورتر الألمانية لهذا الحكم, حيث إعتبرته إنعكاسا للصراع الدائر بين شرائح من القضاء المصري تدعم الثورة المضادة من جانب وبين مؤسسة الرئاسة والقوي الإسلامية من جانب آخر, وان الحكم يأتي في إطار مهرجان احكام البراءة للمتهمين بقتل المتظاهرين و قتلة خالد سعيد وغيرهم من المسئولين السابقين بهدف إشعال الشارع المصري قبل مظاهرات30 يونيو المرتقبة ضد النظام في مصر, فالحكم هدفه هنا هو أن يعطي إنطباعا للغرب بأن الأوضاع في مصر ومن بينها اوضاع هذه المنظمات الأجنبية, كانت افضل في عهد مبارك.