لا ينكر دور الشريعة الإسلامية في العناية بالطفل ورعايته, حتي قبل أن يأتي إلي الحياة, فقد اهتمت بأمنه وهو نطفة في رحم أمه, فحرمت الاعتداء عليه وهو في هذه المرحلة من مراحل تخلقه, وأوجبت في الاعتداء عليه دية. بل إن من فقهاء الشريعة من أوجب فيه القصاص إذا تيقن أن الاعتداء العمدي وقع عليه بعد النفخ, ولم تبح الشريعة إجهاضه في أي مرحلة من مراحل تخلقه, إلا إذا كان يمثل خطورة علي حياة أمه, وقرر ذلك أطباء عدول ثقات لهم معرفة بالطب, وعلة جوازه في هذه الحالة: أن الأم كانت سببا في حياته فلا يكون الجنين سببا في موتها, ولذا لم تبح الشريعة إجهاضه لسبب آخر غير هذا, كالخوف من الفقر, أو تنظيم النسل, أو عدم القدرة علي رعايته, أو وجود تشوهات خلقية به, أو غير ذلك, كما لم تبح التخلص منه ولو أتي من سفاح, ولهذا أرجأ رسول الله صلي الله عليه وسلم إقامة الحد علي الغامدية وقد كانت حاملا من سفاح, حتي تضع حملها, وحتي ترضعه إلي أن يبلغ الفطام, فلما بلغه وجاءت بالصبي وفي يده كسرة خبز يقضمها, أخذه منها فدفعه إلي رجل من المسلمين, ثم أمر الناس فرجموها, ويدل علي حرص الشريعة علي تحقيق الأمن له وهو في مراحل التخلق الأولي, أنها رخصت للحامل أن تفطر في رمضان حفاظا عليه إذا خافت أن تجهضه بسبب الصيام. واعتبر الشارع انتساب الولد إلي أب حقا مقررا للطفل, إذا ولدته زوجته علي فراش الزوجية الصحيح, فقد روي عن عائشة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم, قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر, وحرم علي الرجل أن ينفي نسب ولده منه, فقد روي عن أبي هريرة أن النبي, صلي الله عليه وسلم, قال: أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه, احتجب الله منه وفضحه علي رؤوس الخلائق من الأولين والآخرين. وقد بين الشارع مدة إرضاعه وأوجب له نفقة إرضاعه وحضانته علي من ينتسب إليه, فقال سبحانه: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف.. وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف, وبين الشارع حقوقا كثيرة للطفل علي والديه, منها: اختيار اسم حسن له, وإطعامه مطعما حلالا, وتعليمه الكتابة ونحوها من العلوم, وتدريبه علي ممارسة الرياضات المختلفة, وتأمين قوته, وتأمينه علي نفسه أن تزهق لأي سبب, إذ قال الحق سبحانه: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا. وإذا كان الشارع قد كفل للطفل حق النفقة له علي والده إلي أن يتمكن من كسب المال بنفسه, فقد أوجب الشارع علي الوالدين أن يعدلا بين أولادهما في العطف والرعاية والحنو والعطايا, حتي لا توغر التفرقة بينهم في ذلك صدورهم, أو تنشئ بينهم العداوة والبغضاء. وأوجب علي الوالدين أن يعلما أولادهما ما ينفعهم في دينهم ودنياهم, ومن ذلك ما سبق ذكره, كما أن منه تعليمهم كيفية الطهارة والصلاة, فقد روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله, صلي الله عليه وسلم, قال: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر, بل إن الشارع حرم علي الوالدين الدعاء علي أولادهما, خشية أن يوافق الدعاء ساعة إجابة فيصيب الولد ما دعي به عليه, إذ روي عن النبي, صلي الله عليه وسلم, أنه قال: لا تدعوا علي أنفسكم ولا تدعوا علي أولادكم ولا تدعوا علي أموالكم, لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم. وأوجب علي الوالدين الحنو علي أولادهما ورحمتهم, وروي عن ابن عمر أن النبي, صلي الله عليه وسلم, قال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا, كما أوجب عليهما أن يقتربا من أطفالهما وأن يدخلا عالمهما وأن يلهوا معهما, فقد روي عن معاوية أن رسول الله قال:من كان له صبي فليتصابي له, وما كان يفعله رسول الله مع سبطيه خير مثال لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الوالدين وأولادهما, فقد كان صلي الله عليه وسلم, يمكنهما من الصعود علي ظهره, ولا يقوم من سجوده حتي ينزلا خشية أن يؤذيهما, وكان يحمل أمامة بنت ابنته زينب في الصلاة ويضعها حين سجوده, ثم يعاود حملها في قيامه, وهذا يقوم بإشعار الطفل بالأمن والسكينة والحب, مما يكون له أثره في تنشئته نشأة سوية, واهتمام الشريعة برعاية الطفل في داخل الأسرة وخارجها علي النحو السابق, كفيل بتحقيق أمن الطفل في حاضره ومستقبله, لينشأ التنشئة التي أرادها الله له, حتي يكون لبنة نافعة في صرح المجتمع لا معول هدم يقوض بنيانه, ولضمان تحقيق الأمن له علي هذا النحو, جعل مسئولية ذلك علي والديه, إذ روي عن ابن عمر أن رسول الله, صلي الله عليه وسلم, قال: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته, والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته, والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها.. فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.