ارتبط التمرد مؤخرا بحركة أعلنت نشاطها في26 ابريل الماضي مستهدفة سحب الثقة من رئيس الجمهورية واقصاءه عن منصبه عبر جمع توقيعات15 مليونا من المصريين وذلك في مواجهة اختيار شعبي لما يقارب هذا العدد عبر انتخابات حرة تمت تحت اشراف قضائي ومراقبة دولية. مما يجعل هذا يبدو تمردا علي تلك الارادة الشعبية التي أعلنت عن اختيارها طبقا لقواعد الديمقراطية التي ارتضاها الشعب بل وقامت من اجل ارسائها ثورة مجيدة مازلنا نحلم ونعمل علي تحقيق اهدافها من حرية وعدالة وكرامة. ولكن من الانصاف أن نرصد ما لهذه الحركة من ايجابيات وما أدي اليها من أسباب ومنطلقات, فالحركة شبابية يقودها شباب غاضب تمرد في الحقيقة علي كل أركان المشهد السياسي المصري سلطة ومعارضة فهي تتمرد علي مؤسسة الرئاسة والنظام الحاكم ولكنها في ذات الوقت لا تطرح بديلا له من أي تيار أو حزب معارض فهي لا تري في الجميع القدرة والمسئولية التي تمكنها من حمل أمانة الوطن فقرر هؤلاء الشباب أن الخروج من المشهد الأزمة الذي نحياه هو البدء من جديد والعودة بالمشهد الي نقطة الصفر. من أسباب هذا التمرد عدم قدرة الاحزاب السياسية مدنية واسلامية ليبرالية ويسارية علي استيعاب هؤلاء الشباب وعدم ايمان القائمين عليها بقدراته وطاقاته وامكانياته التي كانت ستمكن تلك الاحزاب من الاستجابة لمتطلبات العملية الديمقراطية خاصة اذا صقلت هذه الطاقات بالخبرة والتجربة والايمان بأن هؤلاء الشباب هم غد هذا الوطن ومستقبله. تأتي مثل هذه التحركات كسمة جديدة لمصر ما بعد الثورة لتشكل ورقة ضغط علي السلطة لتبقي بوصلة تلك السلطة دائما متحسسة للرأي العام و منضبطة في اتجاه تحقيق آمال الناس وطموحاتهم لا شك أن هذا من ايجابيات تلك التحركات, أيضا يجب أن يستفاد مما ينتج عنها من زخم شعبي والتفاف لقطاعات من الشعب حولها فيدفع هؤلاء الشباب الثوري للتجمع في كيانات قانونية وحزبية تنافس علي خلق قواعد شعبية جماهيرية تمكن الشباب من الوصول لمراكز صنع القرار عبر صندوق الانتخاب فهو وسيلة التغيير المنشود, وليس الاتكال واستسهال هذا الاداء المتمرد, فطريق الاصلاح يتطلب من الجهد والعرق والصدق في التعبير عن الناس وآمالهم ومحاولة الوصول للحق وليس ادعاء احتكار الحقيقة وتخوين الآخر ومحاولة إفنائه. ليس هناك سوي سبيل التحول الديمقراطي واستكمال التجربة الديمقراطية المصرية والعمل علي ترسيخ الياتها وغرس الثقافة الديمقراطية في الاذهان والوعي الجمعي للشعب المصري, قبول الآخر وتقدير قيم الحرية والعدالة وحق الجميع في التعبير عن الرأي دون اقصاء هذا ما سيجلب استقلالية القرار الوطني واحترام العالم والتقدم المنشود. الحقيقة أننا لا يجب أن نصاب بالذعر من مثل تلك التحركات- طالما التزمت السلمية- رغم المرحلة الاستثنائية التي نعيش في ظلها, فهي حتما مصيرها النضج والانخراط في العملية الديمقراطية واحترام وجود الاختلاف والتنوع بين أفراد المجتمع وتلك هي علامات تحضر ذلك المجتمع واقتناعه أن هذا التنوع هو مصدر قوته وأن الضعف والتخلف يأتي اذا اصطبغ ذلك المجتمع بلون فكري واحد أو أيديولوجية ضيقة واقصاء ما دون سواه, هذه الروح هي التي ستمكن المصريين- بدلا من الاستقطاب والتناحر- من التوحد حول المصلحة الوطنية وامتلاك البصيرة لمواجهة التحديات المنتظرة كالأزمة الاقتصادية التي تحتاج منا جميعا زيادة وتجويدا للانتاج كي نستطيع أن نسد الفجوة بين الواردات والصادرات, وتلك قضية لا ينفع معها التناحر بل هي قضية قومية لا مجال للتأخير فيها فقد نالت من الاهمال والتأخير في العقود الماضية ما لا يطاق. واذا تعاملنا بجدية مع نهر النيل مصدر الحياة للمصريين جميعا وأردنا أن نحافظ علي حصتنا فيه, بل وندفع قدما في تطويرها وتحسينها, فان ذلك يحتاج أيضا الي تضافر في الجهود, وما أظن التمرد يصلح بحال لمواجهة مثل هذه القضايا القومية, فهل يمكننا التحرك من خانة التمرد علي الجميع الي خانة التعاون من أجل الجميع. أقصد جميع المصريين. لمزيد من مقالات د.حلمى الجزار