يعتمد الأداء في كل من القوات المسلحة وهيئه الشرطة علي الانضباط التام بتنفيذ الأوامر الصادرة من القيادات الأعلي, وهذا أمر حتمي لأن كلتا المؤسستين تقومان علي تنفيذ أمور تحتاج الي الحسم, والحسم بدوره يحتاج تنفيذ الأوامر توا وبلا تردد. ولقد سطرت كل من المؤسستين صفحات من الفخار كان الانضباط فيها عاملا أساسيا مثل نصر أكتوبر العظيم عام1973 وتصدي الشرطة لقوات الاحتلال الانجليزي في مدينة الإسماعيلية عام.1950 يختلف الوضع تماما في الاحزاب السياسية اذ هي ساحات للتنافس والسعي للفوز علي حساب الآخر, وتحدث سجالات وصراعات تتسم بالنقد البناء حينا وبالهجوم اللفظي وتسفيه آراء الآخرين أحيانا اخري ولا تكاد دولة في العالم تخلو من هذا الصراع. والامر هكذا فلا يعقل أن ينتقل الصراع السياسي داخل أروقة مؤسستي الجيش والشرطة العريقتين, فضلا عن أن تسعي الأحزاب الي كسب أنصار داخلهما بل مندوبين يروجون لأفكار وبرامج داخل وحدات هاتين المؤسستين. ومن الدراما السوداء أن يتخيل الانسان بقاء حزب ما في السلطة لفترة طويلة مما يتيح له السيطرة علي مفاصل الجيش والشرطة فتصبحان رغما عن الشعب المصري تابعتين لهذا الحزب او ذاك. فلا يوجد فرق كبير اذا حدث ذلك لا قدر الله- بين مثل هذا الجيش المتحزب وبين ما نراه من جيش طائفي يقمع شعبه كما يحدث الآن في سوريا. وكيف تكون نظرة الشعب المصري الي جيشه وقد انتمي الي حزب ما وهو أي الشعب كان ولا يزال دائم الافتخار بجيشه الذي هو ملك له وليس لطائفة أو حزب بعينه. لقد مثل الجيش المصري طوال تاريخه طوق النجاة للشعب المصري فهل يا تري يستمر هذا الامر ان حدث تسييس او تحزب للجيش. إنني أستبعد تماما ان يكون هذا هو غرض القرار الذي اصدرته المحكمة الدستورية العليا بإلزام مجلس الشوري بتعديل قانون الانتخاب ليسمح لأفراد الجيش والشرطة بالتصويت في الانتخابات, فقد كان يتوجب عليها حتي من باب المواءمة السياسية ان تستمر الحال كما هي عليه منذ عام1976 وان يعفي افراد الجيش والشرطة من التصويت طوال مدة خدمتهم. وفي العرف القانوني فإن كلمة اعفاء تختلف عن كلمة منع فالإعفاء يعني ان الحق مستقر ولكن ليس من الحكمة استعماله وهو ما يفتح الباب في المستقبل لإمكان ممارسة هذا الحق حال استقرار الدولة كما يحدث الآن في البلاد المستقرة ديمقراطيا. بعض الفقهاء القانونين يرون تعسفا في تفسير المحكمة الدستورية لنص المساواة بين المواطنين اذ هناك فارق ضخم بين المواطن العادي والمنتمي للجيش والشرطة في قضية الانضباط والولاء التنظيمي, كما أن محكمة اخري هي المحكمة الادارية العليا قد أقرت بقرار وزير الداخلية بتحويل الضباط الملتحين الي مجلس تأديب فأين مبدأ المساواة هنا؟ ان حكم محكمة القضاء الاداري كان أحكم واصوب اذ استحضرت في حكمها خصوصية الشرطة ولائحتها بينما المحكمة الدستورية فاتها حتي ان تقلد شقيقتها المحكمة الادارية العليا.لقد اعترضت جميع الهيئات القضائية علي مناقشة مجلس الشوري لقانون السلطة القضائية وطالبت بأن يسمع لقولها بل أن يؤخذ به, فهل الهيئات القضائية هنا علي صواب؟ والمحكمة الدستورية لم تساير هذا الصواب وتستمع لرأي الجيش والشرطة في هذا القانون. ان ظلالا كثيفة من الشكوك تحيط بهذا القرار والمسيرة القضائية التي يفخر بها المصريون مهددة بل ان هناك بعضا من تطرف وقال ان بعض المؤسسات القضائية تنسف التاريخ الناصع للقضاء المصري بأحكام مسيسة تناقض صريح القانون. لقد اوقع هذا القرار المصريين جميعا في حيرة يستوي في ذلك العاملون في السياسة وغيرهم فهل تسعي المحكمة الدستورية لاستدراك هذا الأمر؟ وهي بالتأكيد تضم بين جنباتها قامات قانونية ودستورية تمثل المرجعية العليا لكل دول المنطقة, فيا شيوخ القضاة داخل المحكمة الدستورية أدركوا الامر قبل فوات الاوان وأغلقوا باب الفتنة وأهديكم هذا النص من ديباجة الدستور, فالبند كاملا نصه الدفاع عن الوطن شرف وواجب, وقواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل في الشأن السياسي, وهي درع البلاد الواقية وبذلك نصون معا لمصر أمنها وجيشها كي تظل مصر أولا بل مصر دائما. لمزيد من مقالات د.حلمى الجزار