وسائل الإعلام هي أكبر أداة في التاريخ تمكننا من أن نختبر في كل يوم مختلف جوانب الحياة من حولنا. هي التي تختبر في كل يوم كفاءة أدائنا السياسي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي. لذلك فإن اي فشل في أداء وسائل الإعلام يؤثر فينا جميعا. والسؤال المهم الذي من أجله نبحث في شأن تنظيم الصحافة هو أن نجيب علي تساؤل بسيط وهو إذا كانت الصحافة تحرس المجتمع فمن يحرس الحراس علي حد تعبير اللورد ليفيسون.أول مجالس تنظيم الصحافة نشأ في السويد عام.1916 وبعد نحو قرن من الزمان اختارت مصر أن تستحدث في دستورها عام2012 ما يسمي المجلس الوطني للإعلام لتنظيم شئون الصحافة بعد أن اتسع مفهومها ليشمل كل وسيلة مطبوعة أو إلكترونية تتعامل مع الأخبار والشئون الجارية. الشائع حتي في وسائل الإعلام نفسها أن دور هذا المجلس هو فض الاشتباك بين الصحافة والحكومة وحسم الصراع بينهما حول حرية الصحفيين. والحقيقة هي أن مجالس الصحافة لم تنشأ لهذا الغرض أو حتي لأغراض شبيهة به. ظهرت مجالس الصحافة من أجل ضمان حقوق الشعب ذلك المفهوم الحاضر الغائب في الثقافة السياسية المصرية. وظهرت لتحقيق ما يريده الشعب من الصحافة وليس ما تريده الحكومة حتي وإن كانت ديمقراطية منتخبة أو ما يريده الصحفيون أنفسهم. ولذلك كانت وسوف تظل البداية في إنشاء مثل هذه المجالس هي أن نسأل عما يريده الشعب من الصحافة ثم علينا أن نترجم رغبات الشعب إلي تشريعات وسياسات وآليات عمل في المجلس الوطني للإعلام. غير أن الخطيئة السياسية المصرية سوف تتدخل هنا وهي أن الحكومة أدري بحقوق الشعب ومصالحه من أفراده أنفسهم. حتي وإن كانوا هم الذين جاءوا بهم إلي سدة الحكم. والصحفيون علي الجانب الآخر يرون الحرية امتيازا منحه الشعب لهم ولا يجوز أن يسألوا عما يفعلون. والشعب المصري يريد من الصحافة مثل الذي أراده ويريده أي شعب آخر. يضمن للصحافة حريتها وحقها في الوصول إلي المعلومات مقابل أن تلتزم باستخدام تلك الحرية في التعبير عن تنوع الاتجاهات والآراء في المجتمع والكشف عن الفساد وتحقيق الشفافية والوصول إلي المعلومات الحقيقية وتزويده بالحقائق التي تمكنه من بناء آرائه وتحديد اختياراته السياسية وغير السياسية. وحتي تقوم الصحافة بتلك المسئولية عليها أن تلتزم القواعد المهنية الصحيحة التي طورها الصحفيون أنفسهم عبر السنين. وحين تخطئ الصحافة فإن المجلس الوطني للإعلام هو من يتولي محاسبتها حماية لها من أن توضع خلف القضبان مثل عتاة المجرمين. وحتي يمكن للمجلس الوطني للإعلام أن يقوم بتلك المهمة عليه ألا يتساهل مع أي قيد علي حرية الصحافة باعتبارها حقا من حقوق الشعب وليست فقط حقا من حقوق الصحفيين. وعلي المجلس أيضا ألا يتساهل مع أي خروج علي مقتضيات العمل الصحفي النزيه والدقيق والموضوعي. أوكل الدستور المصري للمجلس الوطني للإعلام مهمة تنظيم شئون الصحافة. وأعتقد أن مفهوم كلمة تنظيم يحتاج إلي شيء من التدقيق لأن ذلك سوف يؤدي إلي تحديد مهام المجلس. فليس هناك معني واحد لمفهوم التنظيم في تجارب مجالس الصحافة الأخري. فهناك شبه إجماع علي أن مجالس الصحافة تمثل تدابير أخلاقية مكملة للإجراءات القانونية ولكنها يمكن أن تكون إجبارية أو اختيارية. وقد يكون لها الحق في فرض العقوبات. ويمكن أن تكون مجالس الصحافة أكثر اهتماما بالتعامل مع شكاوي الناس من وسائل الإعلام. ويمكن أن تكون أكثر اهتماما بالمستويات المهنية للعمل الصحفي. وعلينا أن نحدد جيدا مفهوم عبارة تنظيم شئون الصحافة الواردة في الدستور. المكلفون بإعداد هياكل وسياسات المجلس الوطني للإعلام الآن عليهم أن يعملوا في ضوء ثلاثة أسئلة أساسية هي, هل يسهم هذا المجلس في تحسين المستويات المهنية للإعلام المصري؟ وهل يكون نظام المجلس المقترح فاعلا ومؤثرا بشأن ضمان حرية الصحافة؟ وهل النظام المقترح قابل للتطبيق فعليا في واقعنا المصري الراهن؟ أكثر من مائة مجلس للصحافة توجد الآن في دول العالم المختلفة تمثل بالنسبة لنا تراثا هائلا يمكن أن يعيننا علي تشكيل مجلس وطني للإعلام يقوم بالمهمة المطلوبة. في الهند يعتبر مجلس الصحافة كيانا قانونيا ينظم شئون الصحافة المطبوعة ويعد أحد أهم القوي المدافعة عن الديمقراطية. كفل له القانون عقد جلسات استماع في حالة تلقي شكاوي أي شخص يثبت أنه قد أضير شخصيا من أداء وسيلة إعلامية. وله أن يوقع العقوبة المناسبة عليها. وقرارات المجلس لاتخضع للتعقيب أو المساءلة إلا حينما يثبت أنها جاءت مخالفة للدستور وهو ما يعطي مجلس الصحافة الهندي قوة كبيرة. ويتم تمويل المجلس من رسوم تفرض علي الصحف علي أساس حجم مبيعاتها وتستثني الصحف التي يقل توزيعها عن خمسة آلاف نسخة. ويتم تعويض العجز من منح تقدمها الحكومة المركزية.هناك قضايا كثيرة يطرحها تشكيل المجلس الوطني للإعلام وأهميتها ناتجة من أهمية الصحافة في مختلف جوانب حياة المصريين. لمزيد من مقالات د. حمدي حسن أبوالعينين