لا يخلو امرؤ مهما انحطت درجته في قومه, وانطفأت في قلبه نار الغيرة علي مصالحهم, أن تجول بخاطره صورة ما يظنه المنفعة لقومه من حيث جمعيتهم او في شكل ادارتهم, ويرجو ألا تحقق هذه المنفعة العامة التي سيصيبه هو أيضا منها نصيب... فقد يصيب هذا المسئول أو قد يخطئ. إذا كان قياس المنفعة معروفا, مجمعا عليه. إما والمنفعة أمر اعتباري صرف ليس حقيقة ثابتة كما يتصور البعض, بل هو ما يحسبه الإنسان نافعا بحسب ما يعتقده, لا بحسب الواقع الذي نعيشه, فلا خلاص لنا من القول مع من يعتقد ذلك في السلطة الآن:كل منا يعلم حق العلم ما ينفعه وما يلزمه, وكل منا هو دون غيره في مجاله, الذي يحكم حكما حقيقيا علي وجود منفعته, مثل مشروع قانون السلطة القضائيةومشكلة القضاة( اصحاب المنفعة هنا) ومشروع قانون اقليم القناة ومشكلة رقابة الاجهزة السيادية وحقوق الملاك( الشعب المصري كله- صاحب المنفعة هنا). وعلي ذلك فإذا كان الرأي العام المصري الآن ليس منطبقا( كما يخيل للبعض من اهل الحكم) عليالحق والعدل في مشاريع هذه القوانينفي ذاتهما, فإنه علي الأقل منطبق علي الحق والعدل علي الوجه الذي تفهمهما الأمة وتحتملهما بعد الثورة, في حقوق المواطنينفي الاعتراض وابداء الرأي حتي اذا وصل الي درجة الرفض الي حين انتخاب مجلس نواب جديد يعبر وبصدق عن الشعب المصري كله. فيجب أن يعتبر الرأي العام في الشارع المصري هو الحق الذي يجب علي كل مسئول اتباعه, والقانون الذي يجب علي كل متخذ قرارأينما كان تنفيذه, سواء راق ذلك عين من يحكم أو يشرع الآن أم لم يرق. وسواء وافق مصلحته الشخصية, أو لم يوافقها. فإنه إذا جاز لأحد منرجالات السلطة أن يخطئ الشعب بجرأة في معتقداتهم بجميع أشكالها, ويسفه من آرائهم في كل ما تتناوله العامة من الناس و المتخصصين, فإن هذه القاعدة التي صدرت بها هذا المقال ليست من بنات أفكارنا نحن الشعب المصري حديث العهد بالديمقراطية كما يقولون, بل هي أرقي مذهب ذهب إليه علماء السياسة الغربيون في أمر الرأي العام في الشارع الأوروبي والأمريكي(انظروا إلي أحداث ولاية بوسطن في أمريكا ومصداقية رجال السلطة هناك في شرح الأمور أكثر من خمس مرات كل يوم لتوضيح الوضع للعامة البسطاء من الشعب الأمريكي الذي تحترمه حكومته حتي ظهرت الحقيقة كاملة). ولو كانت الحكومة المصرية لاتفعل ذلك الآن وتحط من آرائنا بحجة من قوم سلطتهم وأفعالهم في شئوننا, يعطل مسيرة البناء والإصلاح, فإني لا أخاله ينهض لتسفيه آراء علماء السياسة والحكوماتفي الدول المتقدمة التي تتشبه بها ادارتنا الحاكمة بعد الثورة وانتخاب الرئيس. إن تكوين الرأي العام الجديد في مصر من زمن قيام الثورة وحتي الآن, وإن كان ضعيفا لحداثة( عامين أو أكثر قليلا) من جهة, ولقلة حيلة الحكومات المتعاقبةمن جهة أخري, فإن ضعفه لم يمنعه من النمو والارتقاء يوما فيوما( انظروا الي مولد الحركات والجبهات السياسية والتيارات الشعبية الوطنية كل يوم وآخرها حملة تمرد الجديدة....الخ), وذلك تبعا لقواعد الرقي التدرجي والطبيعيمع الممارسة للحرية السياسة الوليدة, والتي من شأنها أن تقوي ساعده وتشد عضده للبقاء إذا توحد الرأي, حتي صار علي ما نريده ليصب في مصلحة الوطن والمواطن. وإن من الجهل بالأحوال المصرية بعد الثورة, أن يقال إن الرأي العام اليوم, هو نفس الرأي العام قبل الثورة, فإني أري فروقا اليوم بينه وبين قبيل الثورة, لا في مشخصاته فقط بل في موضوعه أيضا. فإن المصريين من يوم أن بدأوا في ممارسة الحرية الحقيقية فيجميع المجالات بعد يناير2011, وأخذوا يطمحون في أن يكون لهم حكومة دستورية تعبر عن نبض الشعب الحقيقي, لا عنفصيلهنا أوفصيلهناك, وأخذوا يتذمرون من احتكار مجموعة للسلطة علي كل المستويات في هرم الدولة الوظيفي, ويرون أن لكل أبناء الوطن حقا( حسب الكفاءة) اكثرمن غيرهم( من دون الكفاءة) بخدمته امتهم, وأنه ما دام الحاكم قد نصب بسعيالاكثرية العددية التي صوتت منالمصريين, فلا معني لأن تكون سلطته لغير كل المصريين, لعل المعني واضح هنا..! تربي هذا الرأي وترعرع منذ قيام الثورة حتي بلغ أشده اليوم, فلا يجوز أن ينكر علي أبناء البلاد بكل طوائفهم واتجاهاتهم السياسية وتخصصاتهم المختلفة حق الاستثناء دون غيرهم, أو بعبارة أخري, امتعاضهم من رؤيةفصيلبعينه يحمل عنهم أوزار واجباتهم الوطنية, التي هم أولي بالقيام بأعبائها متوحدين, بل هم احق بها( شباب الثورة). وبقي هذا الرأي العام المصريالجديد لعدم توحده تقذف به حوادث السياسةوالاقتصاد والاجتماع الداخلية والخارجية من هنا وهناكوحتياليوم, إلا أنه مع ذلك لم يتحول يوما واحدا عن محوره الذي يدور عليه منذ قيام الثورةعيش, حرية, كرامة إنسانية, عدالة اجتماعيةفقد أماط اللثام عن مقاصد هذه الثورة العظيمة. ولكن لن تتغير هذه الأهداف مهما طال الزمان, هذا عهدي بالشعب المصري علي مدار العصور, وفي قراءة التاريخ عظة ودروس كثيرة, بدلوا من سنتكم يغير الله من أمركم رشدا. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب