من يقرأ القرآن الكريم متعمقا, ومن يدرس السنة النبوية المطهرة فاحصا ومدققا,يدرك أن الإسلام صان الحرية وأحاطها بسياج من الحماية, واحترم الكلمة ومنحها حق الانتشار والذيوع. لكنه أراد لها أن تكون كلمة منضبطة ملتزمة. وضع الإسلام أمام الكلمة حدودا وضوابط! قل ما تشاء وأعلن رأيك فيمن تريد, وأنقد من شئت مادمت ملتزما. تكلم كما يحلو لك, لكن لا تقل سوءا, ولا يجوز تحت ستار الحرية أن تروج الشائعة,أو تستخدم قنوات غير مشروعة للتعبير عن الرأي. ولا يجوز أن تتطاول علي عقيدة, أو تسب شخصا, أو تتحدث بغير علم أو فهم أو فقه, أو تعرض أمن المجتمع وسلامته لخطر عظيم. وجاءت الكلمة في الذكر الحليم بمواصفات لا ينبغي أن نحيد عنها في خطابنا الإعلامي الذي يحوي بعضه سبا وتطاولا, وشتما وتجريحا, وأحكاما بغير دليل, ونبشا للقبور,وتهجما علي الأعراض والرموز والقيم. وفي ظلال القرآن تشبه الكلمة الطيبة الشجرة الطيبة التي ينتفع بها الناس بظلها وثمرها ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء إبراهيم/.24 وقولوا للناس حسنا البقرة/83 فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا النساء/.9 وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن الإسراء/53 ويعلمنا القرآن أن نمزج القول الصالح بعمل صالحإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فاطر/.10ويفهمنا القرآن أن كثرة الكلام لا طائل منها ما لم تصب في خدمة الناس لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس النساء/114 والسؤال الذي يجب طرحه: ما هي الضوابط التي وضعها الإسلام للتعبير عن الرأي عبر المنافذ الإعلامية ؟ وضع الإسلام حدودا وضوابط للتعبير الإعلامي وهي: أولا: احترام الأديان والعقائد صان الإسلام حرية العقيدةفمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرالكهف/.29 وسيحاسب الله الفرد علي اختياره, وقدم القرآن نموذجا لاحترام اختيار الآخرين حتي أنه نهي عن سب من يدعون من دون الله من الوثنيين ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم الأنعام/.108 وأعتمد الإسلام منهج الحوار بالحسني مع أهل الكتاب ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن العنكبوت/46 وما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يذكر إخوانه الأنبياء السابقين إلا ويثني عليهم خيرا ويشيد بفضائلهم الأنبياء أخوة أمهاتهم شتي ودينهم واحد. وكلما اشتد الأذي برسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقدم أخاه موسي مثلا أعلي علي الصبر والثبات رحم الله أخي موسي,لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر, ووصف القرآن الكريم عيسي عليه السلام بصفات طيبة فهو رسول الله وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه النساء/.171 ثانيا: احترام المقدرة العلمية والثقافية والموهبة تنبع الحرية من قدرة الإنسان العملية والثقافية, وإشرافه علي البيئة التي يعيش فيها. ومن الضروري أن يتكلم كل إنسان علي قدر علمه وثقافته. وهناك قضايا وموضوعات يتطلب إبداء الرأي حيالها أن يكون الإنسان ملما بمعرفة خاصة. وفي القرآن الكريم توجيه إلي ضرورة احترام المعرفة المتخصصة فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون الأنبياء/.7 ثالثا: مراعاة مصلحة المجتمع ينبغي أن تراعي الكلمة الإعلامية مصلحة المجتمع, وأن تلتزم الحرية الفردية بعدم إضرار الآخرين, وأن تضع مصلحة المجتمع في الاعتبار. ويتضح هذا المعني في حديث رسول الله مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة فصار لبعضهم أعلاها ولبعضهم أسفلها,فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا علي من فوقهم,فقالوا:لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا,فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا, وإن يأخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعا. وفي الإسلام إشارة واضحة إلي ضرورة التزام المنابر الإعلامية بمصلحة المجتمع.وفي قصة مسجد الضرار ما يؤكد ذلك وكان هدف مشيديه كما حكي القرآن والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسني والله يشهد إنهم لكاذبون التوبة/107 ولما أطلع الله نبيه علي حقيقة أهداف بنائه أرسل الرسول اثنين من صحابته وقال لهما انطلقا إلي هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ثم احرقاه ففعلا وهكذا يؤكد الإسلام أن جواز مرور أي كلمة لساحة الرأي العام هو التزامها بمصلحة المجتمع. رابعا: مراعاة حرمة الحياة الخاصة للمواطنين حق الخصوصية يعني أن يعيش الإنسان حياته بغير تطفل أو تتبع من أحد, طالما أن حياته ليس فيها ما يهدد الصالح العام. وليس من حق وسائل الإعلام أن تكشف جوانب مخبوءة من حياة أي إنسان بغير استئذان. وتنص قوانين الإعلام وتشريعاته في جميع دول العالم علي احترام الحياة الخاصة وعدم جواز التعرض لها. وقد نهي الإسلام عن اقتحام حرمة الحياة الخاصة قال تعالي ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا الحجرات/.12 وفي الحديث النبوي ما يؤكد أن تتبع حياة الناس الخاصة يعد مفسدة للأمة إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم وقد نهي الإسلام عن ارتكاب جرائم العدوان علي الاعتبار, فلا يجوز أن تنال من سمعة الأفراد والجماعات أو تسخر منهم يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن الحجرات/11 وقد ورد في تفسير هذه الآية أن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام لكل فرد فيه كرامته التي لا تمس وهي من كرامة المجموع.