تحتاج الحرب الكورية المتطايرة شرارتها في الجهات الأربع للمعمورة إلي رجل إطفاء ماهر وحازم كالسيف يستطيع إخماد نيرانها المشتعلة بضراوة وبأقل الخسائر الممكنة, لتجنيب آسيا ومعها العالم عذابات وأهوال نشوب حرب نووية لا تبقي ولا تذر ولن يخرج منها منتصر ومهزوم, فنتيجتها ستكون هزيمة مروعة للبشرية جمعاء. فمن ياتري القادر علي كبح جماح كوريا الشمالية التي لا تكف عن قرع طبول الحرب ومناطحة الكبار, وإبعادها عن الرقص علي حافة الهاوية؟. المواصفات المطلوبة متوافرة لدي الصين, فهي مفتاح حل ألغاز كوريا الشمالية, لأنها تتحكم في الشريان المغذي للنظام الشيوعي القائم هناك عبر ما تزوده به من مساعدات اقتصادية ومالية وطاقة وغيرها من المستلزمات الحياتية, وفوق هذا فإن مصلحة بكين الماسة والاستراتيجية تقتضي وضع حد سريع للأزمة الراهنة بأي شكل من الأشكال. فمن يحلل الموقف الصيني منذ إجراء كوريا الشمالية ثالث تجاربها النووية في فبرابر الماضي سوف يكتشف انه طرأ عليه تحولات مهمة تعكس توجهات جديدة لبكين. فحتي عهد قريب كانت الصين تتعامل مع الأزمة النووية الكورية باعتبارها ورقة ضغط مضمونة في جيبها علي الولاياتالمتحدة والغرب تستغلها حينما تستدعي الأحداث ذلك, وحينئذ فإنها كانت تقف في خندق واحد مع حليفها في بيونج يانج. غير أن الجانب الصيني بدأ في الآونة الأخيرة يستشعر قدر ما تشكله التصرفات الجامحة للشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية من أخطار مباشرة عليه وعلي مصالحه إقليميا ودوليا. كما أن بكين بدت في نظر العالم وكأنها فقدت سيطرتها ووضعها المميز لدي بيونج يانج, فقد كان لافتا أن اخر التجارب النووية الكورية الشمالية باغتت أمريكا والصين معا, بينما جرت العادة علي أن يبلغ الشطر الشمالي حليفه الصيني مسبقا. وبالتالي تجد الصين نفسها مطالبة في هذا الظرف بالاختيار ما بين التضامن مع المجتمع الدولي للحيلولة دون نشوب حرب نووية والمحافظة علي علاقاتها الاقتصادية والمالية والتجارية المتنامية مع كوريا الجنوبية واليابان وأمريكا أو مساندة بيونج يانج المعزولة دوليا. ومن الواضح أن الصينيين حسموا أمرهم واختاروا معسكر الأغلبية الرافضة تهديدات كوريا الشمالية بمهاجمة الجيران والقواعد العسكرية الأمريكية بصواريخ باليستية محملة برؤوس نووية. ويبدو أن صناع القرار في كوريا الشمالية لم ينتبهوا جيدا للتغير الصيني, فالرئيس الصيني شي جينبينج قال بوضوح:' إنه من غير المقبول السماح لدولة بدفع المنطقة والعالم نحو الفوضي لأغراض تتسم بالأنانية قاصدا الشطر الشمالي.. أما وزير خارجيته يانج جيشي فقد صرح بأن التوتر في شبه الجزيرة الكورية لا يصب في مصلحة احد, وأنه يتعين الحفاظ علي الاستقرار والسلام في شمال شرق آسيا. كذلك فقد عززت الحكومة الصينية من وجودها العسكري علي حدودها مع كوريا الشمالية, وهو ما فسره كثير من المحللين العسكريين علي أنه استعداد لاحتمال انهيار النظام في بيونج يانج, وتلك جزئية لم تكن بكين تناقشها علي الصعيدين الرسمي والعام, لكن الحديث عن هذا الاحتمال بات يتردد في الدوائر الصينية. ولو أن قادة الصين, علي الأقل حتي هذه اللحظة, يرون أنه سيكون من الأفضل أن يتخلي كيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية الشاب عن طموحاته النووية, وكسر طوق العزلة الاختيارية لبلاده, وتطبيق سياسات إصلاحية من شأنها تحسين المستوي الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين بدلا من انفاق مليارات الدولارات علي تطوير البرنامج النووي المثير للقلق وللمشاكل. في الوقت نفسه فإن الصين, إذا نجحت في إثناء بيونج يانج عن خطواتها التصعيدية, وستظهر أمام العالم في صورة المخلص الذي أنقذه من كابوس نووي مروع, وأنها تصرفت من موقع المسئولية المتناسبة مع وضعها كثاني أكبر قوة اقتصادية. علاوة علي أن الصين لن تسمح لكائن من كان بإشعال حرب تعوق مساعيها الحيثية لاستكمال بناء حلمها الغالي في التنمية الاقتصادية وارتقاء مزيد من درجات سلم التقدم والنهوض.