أكتب اليك يا سيدي وقلبي يئن من الألم وأحس بوحدة قاتلة,فحياتي أصبحت مثل الصحاري القاحلة والنظرة الحزينة هي التعبير الوحيد المطل من عيني, لم تعد لي رغبة للحياة, ولا يوجد شيء يدفعني للحماس, هناك فقط غصة حزينة وألم كبير في صدري. أنا ياسيدي فتاة في العشرين من عمري نشأت يتيمة الأب فقد توفي والدي وأنا بعد طفلة وكنت أحبه حبا جما وكان أغلي انسان في حياتي ولا تتصور صدمتي في فقده علي الرغم من اني كنت في العاشرة من عمري. ورضيت بقضاء الله وانتظرت أن ألحق به في يوم من الأيام وأنا لا أنساه, وإنما أصبحت أكثر مهارة في اخفاء حزني لكي لا يعلم به أحد, وكبرت ودخلت الجامعة, وهناك بدأت صدمتي الثانية كنت طالبة مجتهدة جدا من أول يوم لي بكليتي مما لفت انتباه اساتذتي لي, وقد حباني الله بشخصية هادئة بسيطة وخجولة جدا, مما جعلهم يحبونني ويعاملونني باحترام شديد وأنا ياسيدي متفوقة جدا في دراستي, بل والأولي علي دفعتي كل عام, ومنذ ما يقرب من العامين تعرفت علي استاذ لي كان معيدا بكليتي وكانت حدود علاقتي به هي علاقة الطالبة بأستاذها وأيضا كانت هذه هي علاقته بي ولكن بمرور الوقت وتعاملي معه في السكشن احببته حبا كبيرا وكم حاولت يا سيدي ان امنع نفسي من الانزلاق في هذا الحب وكم حاولت ان ابتعد وانقذ نفسي من الجحيم ولكنني فشلت فشلا ذريعا لأنني كنت أراه تقريبا كل يوم في الكلية وكان هو يتعامل معي بمنتهي النبل والرقة ويساعدني كثيرا, كان استاذا بحق مما جعلني أقع أسيرة لحبه, أما انا فكنت بالنسبة اليه طالبة مجتهدة ربما تصبح في يوم من الأيام زميلة له, وكنت أحس منه احتراما لي فقط وكم بكيت لأنني أعلم مصير حبي هذا, فأنا بنت والبنت لا يحق لها أن تحب ورغم هذا لم يتوقف رجائي لله أن يجمعني به, ولم يتوقف دعائي لله يوما ولا تتصور كم أنا أحبه, وكم كنت أتسول أخباره لأنني لا أجرؤ علي الاتصال به, يمنعني حيائي, والغريب ان حبي له وانشغالي المستمر به لم يلهني عن دراستي بل جعلني أكثر تفوقا وجعل الناس أكثر حبا لي. حبي له يا سيدي جعلني جميلة.. نعم كنت أحس نفسي جميلة في كل شيء بعد أن أحببته تغيرت أشياء كثيرة في حياتي للأفضل وأصبحت أكثر تمسكا بالحياة, هل تعرف ياسيدي شعور من يحب هو شعور من يريد أن يحتضن العالم بأسره, واحتفظت بمشاعري هذه لنفسي, فلم أطلع أحدا عليها قط وقاسيت كثيرا فأنا لا يحق لي الاطمئنان عليه ولا حتي الاتصال به, كنت أحيانا أتجول في طرقات الكلية لعلي أقابله مصادفة فاطمئن عليه, ولكن ذات يوم علمت أنه خطب فتاة أخري هي أكثر جمالا مني فأنا علي قدر لا بأس به من الجمال ولكن هي تفوقني جمالا بالرغم من هذا وبعدها لاحظت اهتمامه الشديد بالشكل, وقد جرحني هذا بشدة ولم اتصور أبدا ان من أحببته يجذبه الشكل اكثر مما تجذبه الأخلاق, ولا تتصور ياسيدي كيف مرت علي هذه الأيام, وكأنني فقدت أبي من جديد, وقد جعلني هذا افتقد أبي بشدة, افتقد حنينه وحبه وحضنه الدافئ, وحنانه الذي لا ينقطع وكم هو موجع اليتم, وكم هي مؤلمة الوحدة, وكم هي ثقيلة الحياة بدون الأحبة, لم أعد أحب الحياة لقد أصابني هذا بجرح شديد ولم أعد أثق بنفسي كثيرا, هو لم يرني أهلا لأكون زوجته برغم أن لأهلي مكانة اجتماعية كبيرة, وبرغم أخلاقي الطيبة, غير أني لا أملك عينين رماديتين ولا شعرا أصفر.. بل أملك الحب والوفاء والصدق, ولا تتخيل ياسيدي كيف يكون ألمي عندما أراه مع خطيبته, أنا لا أكرهه ولا أكرهها ولكني أكره موقفي وجرحي وألمي ومن شدة ضيقي أجد ملاذي في مساعدة المحتاجين من المرضي, فاذهب للمستشفيات العامة وأراقب المرضي, ومن أشعر أنه غير قادر علي تكاليف الدواء فأدفعها له, في هذا فقط أجد سعادتي وراحتي وربما أحضرت لأحد المرضي زهورا وأكون سعيدة عندما أري ابتسامة فقط, وربما أفعل هذا لأنه لا أحد يحضر لي زهورا, فقررت أنا أن اسعد الناس بما افتقده, ولكني ياسيدي مازلت حيري وأنا لا أشكو اليك حزني فإنما اشكو حزني الي الله ولكني أريد أن أسأل أسئلة تؤرقني وتغرق وسادتي بالدموع كل ليلة, حتي مطلع الفجر: هل تري القدر يعوضني يوما عن حنان أبي بإنسان يحبني بصدق؟ وهل يوجد في الأصل من يحب بصدق؟ وهل يوجد من يحفظ العهود ويصون الوفاء؟ هل سيأتي يوم من ينسيني مرارة الفقد وذل اليتم؟ وهل تخبئ لي الأقدار ما يسكن لاعج قلبي؟ أم تحمل لي مزيدا من الألم والفراق والوحدة؟ لا انتظر منك ردا ياسيدي فربما لا تملك لها اجابة, لأن السؤال عن الغيب لا يمكن الاجابة عنه, لأنه لا يعلم الغيب الا الله. سيدتي.. احترم مشاعرك الانسانية الراقية, فالحب الحقيقي يسمو بالمشاعر وينزهها من كل شائبة, أيضا أقدر أسئلتك البريئة, لأنك اسقطت كل احتياجك للحنان ورغبتك في الاستقرار علي هذا المعيد, رأيت فيه صورة الزوج الذي تتمنين والذي سيعوضك عن إحساس الحرمان من حنان والدك الراحل, ولكنه ياصغيرتي كان حبا من طرف واحد من ناحيتك, لم يعدك بشيء ولم يخدعك, كان يراك طالبة مجتهدة وزميلة المستقبل, فاحترم أدبك وتفوقك, في هذه الحالة لم يلتفت الي جمالك ولم ينبض قلبه بالحب, لا لعيب فيك ولكن لأنه لا يملك قلبه أو توحيه بوصلته, فنحن لا نحب كل من نحترم, وكونه خطب أخري لا يعني وضعكما في مقارنة, أو انك أقل أو أكثر منها جمالا أو احتراما, ولكن هي من أحبها واختارها, وهذا حق دون أي اساءة لك. نعم يا صغيرتي, الإحباط في الحب قاس, ولكن ايمانك بالله وثقتك بعدله ومحبته لك لانك نقية, تراعينه في تصرفاتك وتعطفين علي عباده, كل هذا يجعلك توقنين ان الله اختار لك الأفضل, فهو سبحانه وتعالي الذي يمنحنا ما قدره لنا وعسي ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم.. وإذا كنت قد أحببت بصدق, حتما فستجدين مرة أخري من تحبينه ويحبك بصدق ويصونك ويقدرك ويعوضك عن يتمك المبكر.. إن الله ياصغيرتي يحب خلقه ويرفق بهم ويثيبهم بقدر ما ابتلاهم, فاصبري واكثري من الدعاء لله حتي يشفي قلبك ممن أحببت ويملأه محبة له سبحانه وتعالي وثقة في عدله وكرمه وعطائه الذي لا ينقطع.